ثم نزل في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك : { لو كان عرضًا قريباً } ، واسم كان مضمر ، أي : لو كان ما تدعونهم إليه عرضا قريبا ، أي : غنيمة قريبة المتناول ، { وسفراً قاصداً } ، أي قريبا هينا ، { لاتبعوك } ، لخرجوا معك ، { ولكن بعدت عليهم الشقة } أي : المسافة ، والشقة : السفر البعيد ، لأنه يشق على الإنسان . وقيل : الشقة الغاية التي يقصدونها ، { وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم } ، يعني باليمين الكاذبة ، { والله يعلم إنهم لكاذبون } ، في أيمانهم وإيمانهم ، لأنهم كانوا مستطيعين .
يقول تعالى موبّخًا للذين تخلفوا عن النبي{[13537]} صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وقعدوا عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما استأذنوه في ذلك ، مظهرين أنهم ذوو أعذار ، ولم يكونوا كذلك ، فقال : { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا } قال ابن عباس : غنيمة قريبة ، { وَسَفَرًا قَاصِدًا } أي : قريبا أيضا ، { لاتَّبَعُوكَ } أي : لكانوا جاءوا معك لذلك ، { وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ } أي : المسافة إلى الشام ، { وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ } أي : لكم إذا رجعتم إليهم { لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } أي : لو لم تكن لنا أعذار لخرجنا معكم ، قال الله تعالى : { يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاّتّبَعُوكَ وَلََكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشّقّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ } .
يقول جلّ ثناؤه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت جماعة من أصحابه قد استأذنوه في التخلف عنه حين خرج إلى تبوك فأذن لهم : لو كان ما تدعو إليه المتخلفين عنك والمستأذنيك في ترك الخروج معك إلى مغزاك الذي استنفرتهم إليه ، عَرَضا قَرِيبا يقول : غنيمة حاضرة ، وسَفَرا قاصِدا ، يقول : وموضعا قريبا سهلاً ، لاتّبعوكَ ونفروا معك إليهما ولكنك استنفرتهم إلى موضع بعيد ، وكلفتهم سفرا شاقّا عليهم ، لأنك استنهضتهم في وقت الحرّ وزمان القيظ وحين الحاجة إلى الكنّ . وسَيَحْلِفُونَ باللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يقول تعالى ذكره : وسيحلف لك يا محمد هؤلاء المستأذنوك في ترك الخروج معك اعتذارا منهم إليك بالباطل ، لتقبل منهم عذرهم ، وتأذن لهم في التخلف عنك بالله كاذبين : لو استطعنا لخرجنا معكم يقول : لو أطقنا الخروج معكم بوجود السعة والمراكب والظهور وما لا بدّ للمسافر والغازي منه ، وصحة البدن والقوى ، لخرجنا معكم إلى عدوّكم . يُهْلِكُونَ أنْفُسَهُمْ يقول : يوجبون لأنفسهم بحلفهم بالله كاذبين الهلاك والعطب ، لأنهم يورثونها سخط الله ويكسبونها أليم عقابه . وَاللّهُ يَعْلَمُ إنّهُمْ لَكَاذِبُونَ في حلفهم باللّهِ لو استطعنا لخرجنا معكم لأنهم كانوا للخروج مطيقين بوجود السبيل إلى ذلك بالذي كان عندهم من الأموال مما يحتاج إليه الغازي في غزوه والمسافر في سفره وصحة الأبدان وقوى الأجسام .
وبنحو الذي قلنا ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَوْ كَانَ عَرَضا قَرِيبا إلى قوله لَكَاذِبُونَ إنهم يستطيعون الخروج ، ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم والشيطان وزهادة في الخير .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَلَوْ كَانَ عَرَضا قَرِيبا قال : هي غزوة تبوك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : وَاللّهُ يَعْلَمُ إنّهُمْ لَكَاذِبُونَ إي أنهم يستطيعون . ذكر من قال ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.