فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَوۡ كَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّةُۚ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (42)

ونزل في الذين تخلفوا عن غزوة تبوك { لو كان } المدعو إليه أو ما تدعوهم إليه { عرضا } هو ما يعرض من منافع الدنيا ومتاعها ، يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر ، والفاجر { قريبا } والمعنى غنيمة سهلة قريبة التناول غير بعيدة { وسفرا قاصدا } أي متوسطا بين القرب والبعد ، وكل متوسط بين الإفراط والتفريط فهو قاصد { لاتبعوك } أي لوافقوك في الخروج ولخرجوا معك طمعا في تلك المنافع التي تحصل لهم { ولكن بعدت عليهم الشقة } قال أبو عبيدة وغيره : إن الشقة السفر إلى أرض بعيدة ، يقال منه شقة وشاقة ، والشقة المسافة التي تقطع بمشقة . قال الجوهري : الشقة بالضم من الثياب والشقة أيضا السفر البعيد ، وربما قاله بالكسر فهي مشنقة من المشقة كما في السمين ، والمراد بها غزوة تبوك فإنها كانت سفرة بعيدة شاقة وكانوا يستعظمون غزو الروم ، لا جرم تخلفوا بهذا السبب .

{ وسيحلفون } أي المتخلفون عن غزوة تبوك ، وأتى بالسين لأنه من قبيل الإخبار بالغيب فإن الله أنزل هذه الآية قبل رجوعه من تبوك أي سيحلفون { بالله } اعتذارا عنه حال كونهم قائلين { لو استطعنا } أي لو قدرنا على الخروج ووجدنا ما نحتاج إليه فيه مما لا بد منه ، وقيل : لو كان لنا استطاعة من جهة العدة أو من جهة الصحة أو من جهتهما حسبما عن لهم من الكذب والتعلل وعلى كلا التقديرين فقوله : { لخرجنا معكم } ساد مسد جوابي القسم والشرط جميعا وقد وقع حسبما أخبر به وهو من جملة المعجزات الباهرة .

وقوله : { يهلكون أنفسهم } بدل من قوله : { سيحلفون } لأن من حلف كذبا فقد أهلك نفسه ، ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع ) أو يكون حالا أي مهلكين أنفسهم موقعين لها موقع الهلاك بسبب هذه الأيمان الكاذبة { والله يعلم أنهم لكاذبون } في حلفهم الذي سيحلفون به لك لأنهم كانوا مستطيعين للخروج .