ثم أخذت السورة الكريمة في بيان قبائح المنافقين ، ومعاذيرهم الواهية ، ومساكلهم الخبيثة . وأيمانهم الفاجرة . . فقال - تعالى - : { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً . . . } .
قال الفخر الرازى هذه الآية نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك والعرض . ما يعرض للانسان من منافع الدنيا وشهواتها .
والسفر القاصد : هو السفر القريب السهل الذي لا يصاحبه ما يؤدى إلى التعب الشديد . من المقصد بمعنى التوسط والاعتدال في الشئ .
والشقة : المسافة التي لا تقطع إلا بعد تكبد المشقة والتعب ، فهى مأخوذة من المشقة وشدة العناء .
قال القرطبى : حكى أبوع بيدة وغيره أن الشقة : السفر إلى أرض بعيدة . يقال : منه شقة شاقة . والمراد بذلك كله غزوة تبوك . .
والمعنى : لو كان الذي دعوتهم إليه يا محمد ، متاعاً من متع الحياة الدنيا ، وسفراً سهلا قريباً ، لاتبعوك فيما دعوتهم إليه ، لأنه يوافق أهواءهم ، ويشبع رغباتهم ، ولكنهم حين عرفوا أن ما دعوتهم إليه هو الجهاد في سبيل الله وما يصحبه من أسفار شاقة . وتضحيات جسمية . . تعلَّلوا لك بالمعاير الكاذبة ، وتخلفوا عن الخروج معك ، حبناً منهم ، وحباً للراحة والسلام .
وشبيه بهذه الآية من حيث المعنى ، قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شأن المتخلفين عن صلاة الجماعة " لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً ، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء " .
أى : لو يعلم أحد هؤلاء المتخلفين عن صلاة العشاء في جماعة ، أنه يجد عند حضور صلاتها في جماعة شيئاً من اللحم لحضرها .
ثم حكى - سبحانه - ما سيقوله هؤلاء المنافقون بعد عودة المؤمنين من الجهاد فقال : { وَسَيَحْلِفُونَ بالله لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } .
أى : وسيحلق هؤلاء المنافقون بالله - كذباً وزوراً - قائلين . لو استطعنا أيها المؤمنون أن نخرج معكم للجهاد في تبوك لخرجنا : فاننا لم نتخلف عن الخروج معكم إلا مضطرين ، فقد كانت لنا أعذارنا القاهرة التي حملتنا على التخلف ! !
وأتى - سبحانه - بالسين في قوله : { وَسَيَحْلِفُونَ } لأنه من قبيل الإِخبار بالغيب . فقد كان نزول هذه الآية قبل رجوعه - صلى الله عليه وسلم - من تبوك . وحلفهم هذا كان بعد رجوعه منها .
قال الفخر الرازى : قالوا : الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر عنهم أنهم سيحلفون ، وهذا إخبار عن غيب يقع في المستقبل ، والأمر لما وقع كما أخبر كان هذا إخباراً عن الغيب فكان معجزاً .
والمراد بالاستطاعة في قوله : { لَوِ استطعنا } : وجد وسائل للجهاد معهم ، من زاد وعدة وقوة في البدن وغير ذلك مما يستلزمه الجهاد في سبيل الله .
وقوله : { لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } ساد مسد جوابى القسم والشرط .
ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم بسبب كذبهم ونفاقهم فقال : { يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ والله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } .
أى . أن هؤلاء المتخلفين عن الجهاد يهلكون أنفسهم بسبب حلفهم الكاذب ، وجرأتهم على الله . تعالى .
فى اختلاق المعاذير الباطلة ، مع أنهز سبحانه . يعلم إنهم لكاذبون في أيمانهم ، وفيما انتحلوه من أعذار .
قال ابن جرير قوله : { والله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } في قولهم : { لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } ، لأنهم كانوا للخروج مطيقين ، بوجود السبيل إلى ذلك بالذى كان عندهم من الأموال ، مما يحتاج إليه الغازى في غزوه ، وصحة الأبدان ، وقوة الأجسام .
هذا ، ومن الإِحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ، أن الأيمان الكاذبة تؤدى إلى الخسران والهلاك : وفى الحديث الشريف : " اليمين الغموس تدع الديار بلاقع " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.