الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَوۡ كَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّةُۚ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (42)

العرض : ما عرض لك من منافع الدنيا . يقال : الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر ، أي لو كان ما دعوا إليه غنماً قريباً سهل المنال { وَسَفَرًا قَاصِدًا } وسطاً مقارباً { الشقة } المسافة الشاقّة . وقرأ عيسى بن عمر : «بعدت عليهم الشقة » بكسر العين والشين ومنه قوله :

يَقُولُونَ لاَ تَبْعُدْ وَهُمْ يَدْفِنُونَه *** وَلاَ بُعْدَ إلاَّ مَا تُوَارِي الصَّفَائِحُ

{ بالله } متعلق بسيحلفون ، أو هو من جملة كلامهم . والقول مراد في الوجهين ، أي سيحلفون بعني المتخلفين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين يقولون بالله { لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } أو سيحلفون بالله ويقولون : لو استطعنا ، وقوله : { لَخَرَجْنَا } سدّ مسدّ جوابي القسم ولو جميعاً ، والإخبار بما سوف يكون بعد القفول من حلفهم واعتذارهم . وقد كان من جملة المعجزات . ومعنى الاستطاعة : استطاعة العدّة ، أو استطاعة الأبدان ، كأنهم تمارضوا . وقرئ : «لو استطعنا » ، بضم الواو تشبيهاً لها بواو الجمع في قوله : { فَتَمَنَّوُاْ الموت } [ البقرة : 94 ] . { يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ } إما أن يكون بدلاً من سيحلفون ، أو حالاً بمعنى مهلكين . والمعنى : أنهم يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب وما يحلفون عليه من التخلف . ويحتمل أن يكون حالاً من قوله : { لَخَرَجْنَا } أي لخرجنا معكم ، وإن أهلكنا أنفسنا وألقيناها في التهلكة بما نحملها من المسير في تلك الشقة . وجاء به على لفظ الغائب ، لأنه مخبر عنهم . ألا ترى أنه لو قيل : سيحلفون بالله لو استطاعوا لخرجوا ، لكان سديداً ، يقال : حلف بالله ليفعلنّ ولأفعلنّ ، فالغيبة على حكم الإخبار ، والتكلم على الحكاية .