فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَوۡ كَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّةُۚ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (42)

قوله : { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ } . قال الزجاج : لو كان المدعوّ إليه فحذف لدلالة ما تقدّم عليه ، والعرض : ما يعرض من منافع الدنيا . والمعنى : غنيمة قريبة غير بعيدة { وَسَفَرًا قَاصِدًا } عطف على ما قبله : أي سفراً متوسطاً بين القرب والبعد ، وكل متوسط بين الإفراط والتفريط فهو قاصد { ولكن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة } قال أبو عبيدة وغيره : إن الشقة السفر إلى أرض بعيدة ، يقال : منه شقة شاقة ، قال الجوهري : الشقة بالضم من الثياب ، والشقة أيضاً : السفر البعيد ، وربما قالوه بالكسر ، والمراد بهذا غزوة تبوك ، فإنها كانت سفرة بعيدة شاقة . وقرأ عيسى بن عمر «بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة » بكسر العين والشين { وَسَيَحْلِفُونَ بالله } أي : المتخلفون عن غزوة تبوك حال كونكم قائلين : { لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } أي : لو قدرنا على الخروج ووجدنا ما نحتاج إليه فيه مما لا بدّ منه { لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } هذه الجملة سادّة مسدّ جواب القسم والشرط . قوله : { يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ } هو بدل من قوله : { سَيَحْلِفُونَ } لأن من حلف كاذباً فقد أهلك نفسه أو يكون حالاً : أي مهلكين أنفسهم موقعين لها موقع الهلاك { والله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لكاذبون } في حلفهم الذي سيحلفون به لكم .

وقد أخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله : { يا أيها الذين آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا } الآية ، قال : هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح ، وحين أمرهم بالنفير في الصيف وحين خرفت النخل وطابت الثمار ، واشتهوا الظلال ، وشق عليهم المخرج ، فأنزل الله : { انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً } .

/خ42