محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَوۡ كَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّةُۚ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (42)

ثم صرف تعالى الخطاب عن المتخلفين ، ووجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، معددا لما صدر عنهم من الهنات قولا وفعلا ، مبينا لدناءة همهم في هذا الخطب ، فقال سبحانه :

42 { لو كان عرضا قريبا وسفرا فاسدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون } .

{ لو كان } أي ما تدعوهم إليه { عرضا قريبا } أي نفعا سهل المأخذ { وسفرا قاصدا } أي وسطا { لاتبعوك } أي لا لأجلك ، بل لموافقة أهوائهم { ولكن بعدت عليهم الشقة } بضم الشين وقرئ بكسرها ، أي الناحية التي ندبوا إليها ، وسميت الناحية التي يقصدها المسافر بذلك ، للمشقة التي تلحقه في الوصول إليها ، وقرئ { بعدت } بكسر العين ، قال الشهاب : بعِد يبعَد كعلم يعلم ، لغة فيه ، لكنه اختص ببعد الموت غالبا . و( لا تبعد ) يستعمل في المصائب للتفجع والتحسر كقوله {[4538]} :

لا يُبعد الله إخوانا لنا ذهبوا *** أفناهم حدثانُ الدهرِ والأبدُ

{ وسيحلفون } أي هؤلاء المتخلفون عن غزوة تبوك { بالله } متعلق ب { سيحلفون } أو هو من جملة كلامهم ، والقول مراد في الوجهين أي سيحلفون عند رجوعك من غزوة تبوك ، معتذرين بالعجز يقولون بالله { لو استطعنا لخرجنا معكم } أي إلى تلك الغزوة .

ثم بين تعالى أن هذه الدعوى الكاذبة والحلف لا يفيدانهم بقوله سبحانه : { يهلكون أنفسهم } أي بهذا الحلف والمخالفة ودعوى العجز { والله يعلم إنهم لكاذبون } لأنهم كانوا يستطيعون الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .


[4538]:لم يعرف قائله الحماسية رقم 298.