{ وكان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون } : أي لو كان ما دعوا إليه غنماً قريباً سهل المنال ، وسفراً قاصداً وسطاً مقارباً .
وهذه الآية في قصة تبوك حين استنفر المؤمنين فنفروا ، واعتذر منهم فريق لأصحابه ، لا سيما من القبائل المجاورة للمدينة .
وليس قوله : { يا أيها الذين آمنوا ما لكم } خطاباً للمنافقين خاصة ، بل هو عام .
واعتذر المنافقون بأعذار كاذبة ، فابتدأ تعالى بذكر المنافقين وكشف ضمائرهم .
لاتبعوك : لبادروا إليه ، لا لوجه الله ، ولا لظهور كلمته ، ولكن بعدت عليهم الشقة أي : المسافة الطويلة في غزو الرّوم .
والشّقة بالضم من الثياب ، والشقة أيضاً السفر البعيد ، وربما قالوه بالكسر قاله : الجوهري .
وقال الزجاج : الشقة الغاية التي تقصد .
وقال ابن عيسى : الشقة القطعة من الأرض يشق ركوبها .
وقال ابن فارس : الشقة المسير إلى أرض بعيدة ، واشتقاقها منه الشق ، أو من المشقة .
وقرأ عيسى بن عمر : بعدت عليهم الشِّقِة بكسر العين والشين ، وافقه الأعرج في بعدت .
وقال أبو حاتم : إنها لغة بني تميم في اللفظين انتهى .
وسيحلفون : أي المنافقون ، وهذا إخبار بغيب .
قال الزمخشري في قوله : وسيحلفون بالله ، ما نصه بالله متعلق بسيحلفون ، أو هو من كلامهم .
والقول مراد في الوجهين أي : سيحلفون متخلصين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين ، يقولون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم ، أو وسيحلفون بالله يقولون لو استطعنا .
وقوله : لخرجنا سدَّ مسدَّ جواب القسم .
ولو جميعاً والإخبار بما سوف يكون بعد القول من حلفهم واعتذارهم ، وقد كان من جملة المعجزات .
ومعنى الاستطاعة استطاعة العدة ، واستطاعة الأبدان ، كأنهم تمارضوا انتهى .
وما ذهب إليه من أنّ قوله : لخرجنا ، سدَّ مسدَّ جواب القسم .
ولو جميعاً ليس بجيد ، بل للنحويين في هذا مذهبان : أحدهما : إن لخرجنا هو جواب القسم ، وجواب لو محذوف على قاعدة اجتماع القسم والشرط إذا تقدم القسم على الشرط ، وهذا اختيار أبي الحسن بن عصفور .
والآخران لخرجنا هو جواب لو ، وجواب القسم هو لو وجوابها ، وهذا اختيار ابن مالك .
إنْ لخرجنا يسد مسدهما ، فلا أعلم أحداً ذهب إلى ذلك .
ويحتمل أن يتأوّل كلامه على أنه لما حذف جواب لو ، ودل عليه جواب القسم جعل ، كأنه سدَّ مسدَّ جواب القسم وجواب لو جميعاً .
وقرأ الأعمش وزيد بن علي : لوُ استطعنا بضم الواو ، وفرّ من ثقل الكسرة على الواو وشبهها بواو الجمع عند تحريكها لالتقاء الساكنين .
وقرأ الحسن : بفتحها كما جاء : { اشتروا الضلالة } بالأوجه الثلاثة يهلكون أنفسهم بالحلف الكاذب ، أي : يوقعونها في الهلاك به .
والظاهر أنها جملة استئناف إخبار منه تعالى .
وقال الزمخشري : يهلكون أنفسهم إما أن يكون بدلاً من سيحلفون ، أو حالاً بمعنى مهلكين .
والمعنى : أنهم يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب ، وما يخلفون عليه من التخلف .
ويحتمل أن يكون حالاً من قوله : لخرجنا أي ، لخرجنا معكم وإنْ أهلكنا أنفسنا وألقيناها في التهلكة بما يحملها من المسير في تلك الشقة ، وجاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم .
ألا ترى أنه لو قيل : سيلحفون بالله لو استطاعوا لخرجوا لكان سديداً ؟ يقال : حلف بالله ليفعلن ولأفعلن ، فالغيبة على حكم الإخبار ، والتكلم على الحكام انتهى .
أما كون يهلكون بدلاً من سيحلفون فبعيد ، لأن الإهلاك ليس مرادفاً للحلف ، ولا هو نوع من الحلف ، ولا يجوز أنْ يبدل فعل من فعل إلا أن يكون مرادفاً له أو نوعاً منه .
وأما كونه حالاً من قوله : لخرجنا ، فالذي يظهر أن ذلك لا يجوز ، لأن قوله لخرجنا فيه ضمير التكلم ، فالذي يجري عليه إنما يكون بضمير المتكلم .
فلو كان حالاً من ضمير لخرجنا لكان التركيب : نهلكُ أنفسنا أي : مهلكي أنفسنا .
وأما قياسه ذلك على حلف بالله ليفعلنَّ ولأفعلنَّ فليس بصحيح ، لأنه إذا أجراه على ضمير الغيبة لا يخرج منهم إلى ضمير المتكلم ، لو قلت : حلف زيد ليفعلن وأنا قائم ، على أن يكون وأنا قائم حالاً من ضمير ليفعلن لم يجز ، وكذا عكسه نحو : حلف زيد لأفعلن يقوم ، تريد قائماً لم يجز .
وأما قوله : وجاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم فهي مغالطة ليس مخبراً عنهم بقوله : لو استطعنا لخرجنا معكم ، بل هو حاك لفظ قولهم .
ثم قال : ألا ترى لو قيل : لو استطاعوا لخرجوا لكان سديداً إلى آخره كلام صحيح ، لكنه تعالى لم يقل ذلك إخباراً عنهم ، بل حكاية .
والحال من جملة كلامهم المحكي ، فلا يجوز أن يخالف بين ذي الحال وحاله لاشتراكهما في العامل .
لو قلت : قال زيد : خرجت يضرب خالداً ، تريد اضرب خالداً ، لم يجز .
ولو قلت : قالت هند : خرج زيد أضرب خالداً ، تريد خرج زيد ضارباً خالداً ، لم يجز .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.