قوله : { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً } الآية .
لمَّا بالغ في ترغيبهم في الجهادِ ، وأمرهم بالنَّفير ، عاد إلى تقرير كونهم متثاقلين ، بقوله : { لَوْ كَانَ عَرَضاً } اسم " كان " ضميرٌ يعودُ على ما دل عليه السِّياق ، أي : لو كان ما دعوتَهم إليه .
والعرض : ما عرض لك من منافع الدُّنيا ، والمراد هنا : غنيمة قريبة المتناول ، { وَسَفَراً قَاصِداً } أي : سَهْلاً قريباً ههنا . { لاَّتَّبَعُوكَ } لخرجوا معك . ومثل بالقاصد ، لأنَّ المتوسط ، بين الإفراد والتفريط ، يقال له : مُقتصدٌ . قال تعالى : { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } [ فاطر : 32 ] ومعنى القاصد : ذو قصد ، كقولهم : لابنٌ ، وتامرٌ ، ورابحٌ { ولكن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة } . قرأ عيسى{[17832]} بن عمر ، والأعرج " بَعِدَت " بكسر العين . وقرأ عيسى{[17833]} " الشِّقَّة " بكسر الشين أيضاً قال أبو حاتمٍ : هما لغة تميم .
والشُّقَّة : الأرض التي يُشَقُّ ركوبُها ، اشتقاقاً من المشقَّة .
وقال الليثُ ، وابن فارسٍ : هي الأرضُ البعيدة المسير ، اشتقاقاً من الشِّق ، أو من المشقَّة ، والمعنى : بعدت عليهم المسافة وهذه الآية نزلت في المنافقين الذين تخلَّفُوا عن غزوة تبوك .
قوله : { وَسَيَحْلِفُونَ بالله } الجارُّ متعلقٌ ب " سَيَحْلِفُونَ " .
وقال الزمخشريُّ " بِاللهِ " متعلقٌ ب " سَيحْلفُونَ " ، أو هو من جملة كلامهم ، والقولُ مرادٌ في الوجهين ، أي : سَيحْلِفُون ، يعني : المتخلِّفين عند رجوعك معتذرين يقولون : باللهِ لو استطعنا أو سَيحْلفُونَ بالله يقولون : لو اسْتَطعْنَا .
وقوله : " لَخَرجْنَا " سدَّ مسدَّ جواب القسم ، و " لَوْ " جميعاً .
قال أبو حيان{[17834]} : قوله : " لخَرجْنَا " سدَّ مسدَّ جواب القسمِ ، و " لو " جميعاً " ؛ ليس بجيد ، بل للنحويين في هذا مذهبان :
أحدهما : أنَّ " لَخَرجْنَا " جوابُ القسم وجوابُ " لَوْ " محذوفٌ ، على قاعدة اجتماع القسم والشَّرط ، إذا تقدَّم القسم على الشَّرط ، وهذا اختيارُ ابن عصفورٍ . والآخر : أنَّ " لخَرجْنَا " جوابُ " لَوْ " و " لَوْ " وجوابها جواب القسم ، وهذا اختيارُ ابن مالكٍ . أمَّا أنَّ " لخَرَجْنَا " سد مسدَّهما فلا أعلمُ أحداً ذهب إلى ذلك ، ويحتمل أن يتأول كلامه على أنَّه لمَّا حذف جواب " لو " ودلَّ عليه جواب القسم جعل كأنَّهُ سدَّ مسدَّ جواب القسمِ ، وجواب " لو " .
وقرأ الأعمشُ{[17835]} ، وزيدُ بنُ عليٍّ " لوُ استطَعْنَا " بضم الواو ، كأنَّهما فَرَّا من الكسرة على الواو وإن كان الأصل ، وشبَّها واو " لَوْ " بواو الضَّمير ، كما شبَّهوا واو الضَّمير بواو " لَوْ " حيث كسرُوها ، نحو : { اشتروا الضلالة } [ البقرة : 16 ] ، لالتقاء الساكنين . وقرأ الحسنُ{[17836]} : { اشتروا الضلالة } ، و{ لَوِ استطعنا } بفتح الواو تخفيفاً .
ولو قلت : " وأنا قائمٌ " حالاً من ضمير " ليفعلنَّ " لم يجز ، وكذا عكسه ، نحو : حلفَ زيدٌ لأفعلنَّ يقوم ، تريد : قائماً ، لم يجز .
وأمَّا قوله : " وجاء به على لفظ الغائب ؛ لأنه مُخْبرٌ عنهم " فمغالطةٌ ، ليس مخبراً عنهم بقوله : " لَوِ استطَعْنَا لخَرجْنَا " ، بل هو حاكٍ لفظ قولهم . ثمَّ قال : ألا ترى لو قيل : لو استطاعوا لخرجوا ، لكان سديداً . . . إلى آخره . كلامٌ صحيحٌ ، لكنه - تعالى - لم يقل ذلك إخباراً عنهم ، بل حكايةٌ ، والحالُ من جملة كلامهم المحكيّ ، فلا يجوزُ أن يخالف بين ذي الحال وحاله ، لاشتراكهما في العامل ، لو قلت : قال زيدٌ : خرجت يضربُ خالداً ، تريد : اضرب خالداً ، لم يجز . ولو قلت : قالت هندٌ : خرج زيد أضرب خالداً ، تريد : خرج زيد ضاربا خالداً ، لم يَجُزْ ، انتهى .
الرابعُ : أنَّها جملةٌ استئنافيةٌ ، أخبر اللهُ عنهم بذلك .
معنى الآية : أنَّه لو كانت المنافع قريبة ، والسَّفر قريباً لاتبعوك طمعاً منهم في الفوزِ بتلك المنافع ، ولكن طال السفرُ ، وكانوا كالآيسين من الفوز بالغنيمة ، بسبب استعظامهم غزو الرُّوم ، فلهذا تخلَّفُوا ، ثمَّ أخبر تعالى أنه إذا رجع من الجهادِ يجدهم : { سَيَحْلِفُونَ بالله لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } إمَّا عند ما يعاتبهم بسبب التخلف ، وإمَّا ابتداءً على طريقة إقامة العذر في التخلف ، ثم بيَّن أنَّهم يهلكون أنفسهم بسبب الكذب والنِّفاق ، وهذا يَدُلُّ على أن الأيمان الكاذبة توجب الهلاك ، ولهذا قال عليه الصَّلاة والسَّلام " اليمينُ الغموسُ تدعُ الدِّيارَ بلاقعَ " {[17837]} ثم قال : { والله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } في قولهم ما كنا نستطيع الخروج فإنهم كانوا مستطيعين الخروج ، فكانوا كاذبين في أيمانهم .
قالوا : الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - أخبر عنهم أنَّهم سيحلفون ، وهذا إخبار عن غيب يقع في المستقبل ، والأمر لمَّا وقع كما أخبر كان إخباراً عن الغيب ، فكان معجزاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.