معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

قوله تعالى : { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } .

قال ابن عباس : علم الله رسوله التواضع لئلا يزهو على خلقه ، فأمره أن يقر فيقول : إني آدمي مثلكم ، إلا أني خصصت بالوحي وأكرمني الله به ، يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد لا شريك له . { فمن كان يرجو لقاء ربه } ، أي يخاف المصير إليه . وقيل : يأمل رؤية ربه ، فالرجاء يكون بمعنى الخوف والأمل جميعاً ، قال الشاعر :

‌‌‌‌‌فلا كل ما ترجو من الخير كائن *** ولا كل ما ترجو من الشر واقع

فجمع بين المعنيين . { فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } أي : لا يرائي بعمله .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنبأنا أبو نعيم ، أنا سفيان عن سلمة ، هو ابن كهيل ، قال : سمعت جندباً يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من سمع سمع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به " . وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : يا رسول الله وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء " .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، ثنا أبي ، ثنا شعيب قال : ثنا الليث عن أبي الهاد ، عن عمرو ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول : " إن الله تبارك وتعالى يقول : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري فأنا منه بريء ، هو للذي عمله " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، ثنا حميد بن زنجويه ، ثنا حفص بن عمر ، ثنا همام عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن أبي الدرداء يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " .

وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، ثنا أبو جعفر الرياني ، ثنا حميد ابن زنجويه ، ثنا أبو الأسود ، ثنا ابن لهيعة عن زياد عن سهل - هو ابن معاذ - عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ أول سورة الكهف وأخرها كانت له نوراً من قدميه إلى رأسه ، ومن قرأها كلها كانت له نوراً من الأرض إلى السماء " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

83

وفي ظل هذا المشهد الذي يتضاءل فيه علم الإنسان ينطلق الإيقاع الثالث والأخير في السورة ، فيرسم أعلى أفق للبشرية - وهو أفق الرسالة الكاملة الشاملة . فإذا هو قريب محدود بالقياس إلى الأفق الأعلى الذي تتقاصر دونه الأبصار ، وتنحسر دونه الأنظار :

( قل : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد . فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) . .

إنه أفق الإلوهية الأسمى . . فأين هنا آفاق النبوة ، وهي - على كل حال - آفاق بشريته ?

( قل : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي . . . ) . . بشر يتلقى من ذلك الأفق الأسمى . بشر يستمد من ذلك المعين الذي لا ينضب . بشر لا يتجاوز الهدى الذي يتلقاه من مولاه . بشر يتعلم فيعلم فيعلم . . فمن كان يتطلع إلى القرب من ذلك الجوار الأسنى ، فلينتفع بما يتعلم من الرسول الذي يتلقى ، وليأخذ بالوسيلة التي لا وسيلة سواها :

( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) . .

هذا هو جواز المرور إلى ذلك اللقاء الأثير .

وهكذا تختم السورة - التي بدأت بذكر الوحي والتوحيد - بتلك الإيقاعات المتدرجة في العمق والشمول ، حتى تصل إلى نهايتها فيكون هذا الإيقاع الشامل العميق ، الذي ترتكز عليه سائر الأنغام في لحن العقيدة الكبير . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

{ قل إنما أنا بشر مثلكم } لا أدعي الإحاطة على كلماته . { يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد } وإنما تميزت عنكم بذلك . { فمن كان يرجو لقاء ربه } يؤمل حسن لقائه أو يخاف سوء لقائه . { فليعمل عملا صالحا } يرتضيه الله . { ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً } بأن يرائيه أو يطلب منه أجراً . روي أن جندب بن زهير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعمل العمل لله فإذا أطلع عليه سرني فقال : " إن الله لا يقبل ما شورك فيه " . فنزلت تصديقا له وعنه عليه الصلاة والسلام " اتقوا الشرك الأصغر " قالوا وما الشرك الأصغر قال " الرياء " . والآية جامعة لخلاصتي العلم والعمل وهما التوحيد والإخلاص في الطاعة .

ختام السورة:

وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأها عند مضجعه كان له نورا في مضجعه يتلألأ إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم ، فإن كان مضجعه بمكة كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ " . وعنه عليه الصلاة والسلام " من قرأ سورة الكهف من آخرها كانت له نورا من قرنه إلى قدمه ، ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء " .