الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

وقوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [ الكهف : 110 ] .

أي : أنا بشرٌ ينتهي علْمي إلى حيثُ يوحى إِليَّ ، ومهم ما يوحَى إِليَّ { إنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحا } وباقي الآية بيِّن في الشرك باللَّه تعالى .

وقال ابن جُبَيْر في تفسيرها لا يرائي في عمله ، وقد ورد حديثٌ أنها نزلَتْ في الرياء .

( ت ) : وروى ابن المبارك في «رقائقه » ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن زَيْد بن أسْلَمُ ، عن أبيه ، أنه كَانَ يَصِفُ أمْرَ الرياء ، فيقول : ما كَانَ مِنْ نَفْسِكَ فَرَضِيَتْهُ نَفْسُكَ لها ، فإِنه مِنْ نَفْسِكَ فعاتْبها ، وما كان مِنْ نَفْسِك ، فكرهَتْه نَفْسُك لها ، فإنه من الشيطان فتعوَّذْ باللَّه منه ، وكان أبو حَازِمٍ يقول ذلك .

وأسند ابنُ المبارك عن عبْدِ الرحمن بنِ أبي أُمَيَّة ، قال : كُلُّ ما كَرِهَه العَبْد فليس منْه انتهى .

وخرَّج الترمذيُّ عن أبي سعيد بْنِ أبي فَضَالَة الأنصاريِّ ، وكان من الصحابة ، قال : سَمِعْتُ رسَولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( إِذَا جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ ، نَادَى مُنَادٍ : مَنْ كَانَ أشْرَكَ فِي عَمِلَهُ للَّهِ أحَداً ، فَلْيَطْلُبْ ثَوابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ ، فإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّركَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ) ، قال أبو عيسى : هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ انتهى . وقد خرَّج مسلم معناه .

( ت ) : ومما جَّربته ، وصحَّ من خواصِّ هذه السورة ، أنَّ من أراد أن يستيقظ أيَّ وقتٍ شاء من الليل ، فليقرأ عند نومه قولَهُ سبحانه : { أَفَحَسِبَ الذين كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ } [ الكهف : 1102 ] إلى آخر السورة ، فإنه يستيقظُ بإِذن اللَّه في الوقْت الذي نَوَاهُ ، ولتكُنْ قراءته عند آخر ما يَغْلِبُ عليه النُّعَاس بحيث لا يتجدَّد له عقب القراءة خواطِرُ ، هذا مما لا شَكَّ فيه ، وهو من عجائب القرآن المقطوعِ بها ، واللَّه الموفِّق بفضله .

تنبيهٌ : رُوِّينا في «صحيح مسلم » ، عن جابر رضي اللَّه عنه قال : سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( إِنَّ في اللَّيلِ لسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلَ اللَّهَ خَيْراً مِنْ أَمْر الدُّنْيَا والآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ) ، وذلِكَ كُلَّ لَيَلةٍ ، فإِن أردتَّ أن تعرف هذه الساعة ، فاقرأْ عند نومك مِنْ قوله تعالى : { إِنَّ الذين آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصالحات كَانَتْ لَهُمْ جنات الفردوس } [ الكهف : 108 ] إلى آخر السورة ، فإِنك تستيقظ في تلك الساعة إن شاء اللَّه تعالى بفضله ، ويتكرَّر تَيَقُّظَكَ ، ومهما استيقظْتَ ، فادْعُ لي ولك ، وهذا مما ألهمنيه اللَّهُ سبحانه ، فاستفِدْه ، وما كتبته إلاّ بَعْدَ استخارة ، وإِياك أن تدعُوَ هنا على مُسْلِمٍ ، ولو كان ظالماً ، فإن خالفتَني ، فاللَّه حَسِيبُكَ وبَيْن يديه أكونُ خصيمَكَ ، وأنا أرغَبُ إِليك أنْ تشركني في دعائِكَ ، إِذ أفدتُّكَ هذه الفائدةَ العظيمةَ وكُنْتُ شيخَكَ فيها ، وللقرآن العظيم أسرارٌ يُطْلِعُ اللَّه عليها من يشاء مِنْ أوليائه ، جَعَلَنَا اللَّه منْهم بفَضْله ، وصلَّى اللَّه على سيدنا محمَّد وعلى آله وصَحْبِهِ وسلَّم تسليماً .

ختام السورة:

وصح من خواص هذه السورة أن من أراد أن يستيقظ أي وقت شاء من الليل فليقرأ عند نومه قوله سبحانه : { أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء } إلى آخر السورة فإنه يستيقظ بإذن الله في الوقت الذي نواه ولتكن قراءته عند آخر ما يغلب عليه النعاس بحيث لا يتجدد له عقب القراءة خواطر هذا مما لا شك فيه وهو من عجائب القرآن المقطوع بها والله الموفق بفضله تنبيه روينا في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة ) ، فإن أردت أن تعرف هذه الساعة فأقرأ عند نومك من قوله تعالى : { الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات لفردوس } إلى آخر السورة فإنك تستيقظ في تلك الساعة إن شاء الله تعالى بفضله ويتكرر تيقظك ومهما استيقظت فادع لي ولك وهذا مما ألهمنيه وهو الله سبحانه فاستفده وما كتبته إلا بعد استخارة وإياك أن تدعو هنا على مسلم ولو كان ظالما فإن خالفتني فالله حسيبك وبين يديه أكون خصيمك صلى الله عليه وسلم وأنا أرغب إليك أن تشركني في دعائك إذ أفدتك هذه الفائدة العظيمة وكنت شيخك فيها وللقرآن العظيم أسرار يطلع الله عليها من يشاء من أوليائه جعلنا الله منهم بفضله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما تم بحمد لله وحسن توفيقه الجزء الثالث من تفسير الثعالبي ويليه الجزء الرابع وأوله : سورة مريم ولله الحمد والمِنَّة .