الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

قوله : { أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ } : " أنَّ " هذه مصدرية وإنْ كانت مكفوفةً ب " ما " . وهذا المصدر قائمٌ مقامَ الفاعلِ كأنه قيل : إنما يُوْحَى إليَّ التوحيدُ .

قوله : { وَلاَ يُشْرِكْ } العامَّةُ على الياءِ مِنْ تحتُ ، عُطِفَ بها على أمرٍ . ورُوي عن أبي عمروٍ { وَلاَ تُشْرِكْ } بالتاءِ مِنْ فوقُ خطاباً على الالتفات من الغَيْبة إلى الخطاب ثم التُفِتَ في قولِه { بِعِبَادَةِ رَبِّهِ } إلى الأول . ولو جيْءَ على الالتفات الثاني : لقيل : ربك . والباءُ سببية ، أي : بسبب . وقيل : بمعنى في .

والفِرْدوس : الجَنَّةُ مِن الكَرْم خاصة . وقيل : بل ما كان غالبُها كَرْماً . وقيل : كل ما حُوِطَ فهو فِرْدوسٌ والجمع فراديس . وقال المبرد : " الفِرْدوس فيما سمعتُ من العرب : الشجرُ الملتفُّ ، والأغلبُ عليه أن يكون من العِنَب " . وحكى الزجاج أنها الأَوْدِيَة التي تُنْبِتُ ضُروباً من النَّبْت . واختُلف فيه : فقيل : هو عربيٌّ وقيل : أعجمي . وهل هو روميٌّ أو فارسيٌّ أو سُرْيانيٌّ ؟ قيل : ولم يُسْمع في كلام العرب إلا في بيت حَسَّان :

وإنَّ ثوابَ اللهِ كلَّ مُوحِّدِ *** جِنانٌ من الفردوسِ فيها يُخْلَّدُ

وهذا ليس بصحيح ، لأنه سُمع في شعرِ أميةَ بنِ أبي الصلت :

كانت منازلُهمْ إذ ذاك ظاهرةً *** فيها الفَراديسُ ثم الثومُ والبَصَلُ

ويقال : كَرْمٌ مُفَرْدَسٌ ، أي : مُعَرَّشٌ ، ولهذا سُمِّيَتِ الروضةُ التي دونَ اليَمامة فِرْدَوساً .

وإضافةُ " جنَّات " إلى الفِرْدوس إضافةٌ تبيينٍ .