السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

ولما كانوا ربما قالوا : مالك لا تحدّث من هذه الكلمات بكل ما سألنا عنه قال اللّه تعالى : { قل } يا خير الخلق لهم { إنما أنا بشر } في استبداد القدرة على إيجاد المعدوم والإخبار بالغيب { مثلكم } أي : لا أمر لي ولا قدرة إلا ما يقدرني ربي عليه ولكن { يوحى إليّ } أي : من اللّه تعالى الذي خصني بالرسالة كالوحي إلى الرسل قبلي { أنما إلهكم } الذي يجب أن يعبد { إله واحد } لا ينقسم بمجانسة ولا غيرها قادر على ما يريد ، لا منازع له لم يؤخر جواب ما سألتموني عنه من عجز ولا من جهل هذا الذي يعني كل أحد علمه ، وأما ما سألتم عنه في أمر الروح والقصتين تعنتا لي فأمر لو جهلتموه ما ضرّكم جهله { فمن } أي : فتسبب عن وحدته المستلزمة لقدرته أنه من { كان يرجو لقاء ربه } أي : يخاف المصير إليه وقيل يأمل رؤية ربه والرجاء يكون بمعنى الخوف والأمل جميعاً قال الشاعر :

فلا كل ما ترجو من الخير كائن *** ولا كل ما ترجو من الشر واقع

فجمع بين المعنيين { فليعمل عملاً } ولو قليلاً { صالحاً } يرتضيه اللّه { ولا يشرك } أي : وليكن ذلك العمل مبنياً على الأساس وهو أن لا يشرك ولو بالرياء { بعبادة ربه أحداً } فإذا عمل ذلك حاز فخار علوم الدنيا والآخرة ، روي أن جندب بن زهير قال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم إني لأعمل العمل للّه فإذا اطلع عليه سرّني فقال : «إن اللّه لا يقبل ما شورك فيه فنزلت تصديقاً » ، وروي أنه قال له : «لك أجران أجر السر وأجر العلانية » وذلك إذا قصد أن يقتدي به ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «اتقوا الشرك الأصغر قالوا : وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء » وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول عن اللّه تعالى : «أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء هو للذي عمله » ، وعن سعيد بن فضالة قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : «إذا جمع اللّه تبارك وتعالى الناس ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان يشرك في عمل عمله للّه فليطلب ثوابه منه فإن اللّه تعالى أغنى الشركاء عن الشرك » والآية جامعة لخلاصتي العلم والعمل وهما التوحيد والإخلاص في الطاعة .

ختام السورة:

خاتمة : روي في فضائل سورة الكهف أحاديث كثيرة منها ما رواه الترمذي وغيره «من قرأها عند مضجعه كان له نور يتلألأ في مضجعه إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم وإن كان مضجعه بمكة كان له نور يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ » ، وروي أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال » ، وقال البيضاوي وعنه عليه السلام : «من قرأ سورة الكهف من آخرها كانت له نوراً من قرنه إلى قدمه » ، ولكن الذي رواه الإمام أحمد : «من قرأ أول سورة الكهف كانت له نوراً من فرقه إلى قدمه ، ومن قرأها كلها كانت له نوراً من الأرض إلى السماء » ، وروى البغوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من قرأ أوّل سورة الكهف وآخرها كانت له نوراً من قدمه إلى رأسه ، ومن قرأها كلها كانت له نوراً من الأرض إلى السماء » فنسأل اللّه تعالى أن ينوّر قلوبنا وأبصارنا وأن يغفر زلاتنا ولا يؤاخذنا بسوء أفعالنا ، وأن يفعل ذلك بوالدينا وأولادنا وأقاربنا وأصحابنا ومشايخنا وجميع إخواننا المسلمين وأحبابنا آمين ولا حول ولا قوة إلا باللّه العليّ العظيم وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين .