معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

قوله عز وجل :{ والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } الآية . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أنبأنا هشام بن يوسف أنبأنا بن جريج أخبرهم قال : قال يعلى وهو يعلى بن مسلم ، أنبأنا سعيد بن جبير ، أخبره عن ابن عباس أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا بأن لما عملنا كفارة ، فنزل والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } ونزل { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جرير عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عمرو بن شرحبيل قال : قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله ؟ قال : " أن تدعو لله نداً وهو خلقك قال : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ، قال : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ، فأنزل الله تصديقها : { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } . قوله عز وجل : { ومن يفعل ذلك } أي : شيئاً من هذه الأفعال ، { يلق أثاماً } يوم القيامة . قال ابن عباس رضي الله عنهما : إنما يريد جزاء الإثم . وقال أبو عبيدة : الأثام : العقوبة . وقال مجاهد : الأثام : واد في جهنم ، يروى ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، ويروى في الحديث : " الغي والآثام بئران يسيل فيهما صديد أهل النار " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

63

وسمة عباد الرحمن بعد ذلك أنهم لا يشركون بالله ، ويتحرجون من قتل النفس ، ومن الزنا . تلك الكبائر المنكرات التي تستحق أليم العذاب :

( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا يزنون . ومن يفعل ذلك يلق أثاما . يضاعف له العذاب يوم القيامة ، ويخلد فيه مهانا . إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ، فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، وكان الله غفورا رحيما . ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ) .

وتوحيد الله أساس هذه العقيدة ، ومفرق الطريق بين الوضوح والاستقامة والبساطة في الاعتقاد ؛ والغموض والالتواء والتعقيد ، الذي لا يقوم على أساسه نظام صالح للحياة .

والتحرج من قتل النفس - إلا بالحق - مفرق الطريق بين الحياة الاجتماعية الآمنة المطمئنة التي تحترم فيها الحياة الإنسانية ويقام لها وزن ؛ وحياة الغابات والكهوف التي لا يأمن فيها على نفسه أحد ولا يطمئن إلى عمل أو بناء .

والتحرج من الزنا هو مفرق الطريق بين الحياة النظيفة التي يشعر فيها الإنسان بارتفاعه عن الحس الحيواني الغليظ ، ويحس بأن لالتقائه بالجنس الآخر هدفا أسمى من إرواء سعار اللحم والدم ، والحياة الهابطة الغليظة التي لا هم للذكران والإناث فيها إلا إرضاء ذلك السعار .

ومن أجل أن هذه الصفات الثلاثة مفرق الطريق بين الحياة اللائقة بالإنسان الكريم على الله ؛ والحياة الرخيصة الغليظة الهابطة إلى درك الحيوان . . من أجل ذلك ذكرها الله في سمات عباد الرحمن . أرفع الخلق عند الله وأكرمهم على الله . وعقب عليها بالتهديد الشديد : ( ومن يفعل ذلك يلق أثاما )أي عذابا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

{ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله } أي حرمها بمعنى حرم قتلها . { إلا بالحق } متعلق بالقتل المحذوف ، أو بلا يقتلون { ولا يزنون } نفى عنهم أمهات المعاصي بعدما أثبت لهم أصول الطاعات إظهارا لكمال إيمانهم وإشعارا بأن الأجر المذكور موعود للجامع بين ذلك ، وتعريضا للكفرة بأضداده ولذلك عقبه بالوعيد تهديدا لهم فقال : { ومن يفعل ذلك يلق أثاما } جزاء إثم أو إثما بإضمار الجزاء ، وقرئ " أياما " أي شدائد يقال يوم ذو أيام أي صعب .