قوله تعالى : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } . مبينات مفصلات ، سميت محكمات من الإحكام ، كأنه أحكمها فمنع الخلق من التصرف فيها لظهورها ووضوح معناها .
قوله تعالى : { هن أم الكتاب } . أي أصله الذي يعمل عليه في الأحكام ، وإنما قال هن أم الكتاب ولم يقل أمهات الكتاب لأن الآيات كلها في تكاملها واجتماعها كالآية الواحدة ، وكلام الله واحد ، وقيل معناه : كل آية منهن أم الكتاب كما قال ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية ) أي كل واحد منهما آية .
قوله تعالى : { وأخر } جمع أخرى ، ولم يصرفه لأنه معدول عن الآخر ، مثل عمرو وزفر .
قوله تعالى : { متشابهات } فإن قيل : كيف فرق هاهنا بين المحكم والمتشابه وقد جعل كل القرآن محكماً في موضع أخر فقال( الر كتاب أحكمت آياته ) وجعل كله متشابهاً فقال : ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها ) . قيل : حيث جعل الكل محكماً ، أراد أن الكل حق ليس فيه عبث ولا هزل ، وحيث جعل الكل متشابهاً ) ؟ قيل : حيث جعل الكل محكما أراد أن الكل حق ليس فيه عبث ولا هزل ، وحيث جعل الكل متشابها أراد أن بعضه يشبه بعضاً في الحق والصدق وفي الحسن ، وجعل هاهنا بعضه محكماً وبعضه متشابهاً ، واختلف العلماء فيهما فقال ابن عباس رضي الله عنهما : المحكمات هن الآيات الثلاث في سورة الأنعام ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) ونظيرها في بني إسرائيل ( وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه ) الآيات . وعنه أنه قال : المتشابهات حروف التهجي في أوائل السور ، وقال مجاهد وعكرمة : المحكم ما فيه الحلال والحرام وما سوى ذلك متشابه يشبه بعضه بعضاً في الحق ، ويصدق بعضه بعضاً كقوله تعالى : ( وما يضل به إلا الفاسقين ) ( ويجعل الرجس على الذين لا يؤمنون ) وقال قتادة والضحاك والسدي : المحكم : الناسخ الذي يعمل به ، والمتشابه ، المنسوخ الذي يؤمن به ولا يعمل به .
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : محكمات القرآن ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات ، منسوخة ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به . وقيل المحكمات ما أوقف الله الخلق على معناه ، والمتشابه ما استأثر الله تعالى بعلمه ، لا سبيل لأحد إلى علمه نحو : الخبر عن أشراط الساعة ، وخروج الدجال ، ونزول عيسى عليه السلام ، وطلوع الشمس من مغربها ، وقيام الساعة ، وفناء الدنيا . وقال محمد بن جعفر بن الزبير : المحكم مالا يحتمل من التأويل غير وجه واحد ، والمتشابه ما يحتمل أوجها . وقيل : المحكم ما يعرف معناه وتكون حجته واضحة ودلائله لائحة لا يشتبه ، والمتشابه هو الذي يدرك علمه بالنظر ، ولا يعرف العوام تفصيل الحق فيه من الباطل . وقال بعضهم : المحكم ما يستقل بنفسه في المعنى ، والمتشابه مالا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره . قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية بأن المتشابه حروف التهجي في أوائل السور ، وذلك أن رهطاً من اليهود منهم حيي بن اخطب وكعب بن الأشرف ونظراؤهما ، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له حيي : بلغنا أنه أنزل عليك ( الم ) ننشدك الله أأنزلت عليك ؟ قال : نعم ، قال : فإن كان ذلك حقاً فإني أعلم مدة ملك أمتك ، هي إحدى وسبعون سنة ، فهل أنزل غيرها ؟ قال : نعم ( المص ) قال : فهذه أكثر هي إحدى وستون ومائة سنة ، قال : فهل غيرها ؟ قال : نعم ( الر ) . قال : هذه أكثر هي مائتان وإحدى وثلاثون سنة ، ولقد خلطت علينا فلا ندري أبكثيره نأخذ أم بقليله ، ونحن ممن لا يؤمن بهذا ، فأنزل الله تعالى ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) .
قوله تعالى : { فأما الذين في قلوبهم زيغ } أي ميل عن الحق وقيل شك .
قوله تعالى : { فيتبعون ما تشابه منه } . واختلفوا في المعني بهذه الآية قال الربيع : هم وفد نجران خاصموا النبي صلى الله عليه وسلم في عيسى عليه السلام وقالوا له ، ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه ؟ قال :بلى ، قالوا : حسبنا ذلك ، فأنزل الله هذه الآية . وقال الكلبي : هم اليهود ، طلبوا علم أجل هذه الأمة واستخراجه بحساب الجمل ، وقال ابن جريج ، هم المنافقون ، وقال الحسن : هم الخوارج . وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية { فأما الذين في قلوبهم زيغ } قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري من هم . وقيل : هم جميع المبتدعة .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد ابن إسماعيل ، أنا عبد الله بن مسلمة ، أنا يزيد بن إبراهيم التستري ، عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) إلى قوله ( أولو الألباب ) قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيت الذي يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم .
قوله تعالى { ابتغاء الفتنة } طلب الشرك ، قاله الربيع والسدي . وقال مجاهد : ابتغاء الشبهات واللبس ليضلوا بها جهالهم .
قوله تعالى : { وابتغاء تأويله } تفسيره وعلمه ، دليله قوله تعالى( سأنبئك بتأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) وقيل : ابتغاء عاقبته ، وطلب أجل هذه الأمة من حساب الجمل دليله قوله تعالى ( ذلك خير وأحسن تأويلا ) أي عاقبة .
قوله تعالى : { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } . اختلف العلماء في نظم هذه الآية فقال قوم : الواو في قوله ( والراسخون ) واو العطف يعني أن تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون في العلم وهم مع علمهم .
قوله تعالى : { يقولون آمنا به } وهذا قول مجاهد ، والربيع ، وعلى هذا يكون قوله : يقولون حالا معناه والراسخون في العلم مع علمهم قائلين : آمنا به هذا كقوله تعالى ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى ) ثم قال ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ) إلى أن قال ( والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم ) ثم قال ( والذين جاؤوا من بعدهم ) وهذا عطف على ما سبق ، ثم قال ( يقولون ربنا اغفر لنا ) يعني هم مع استحقاقهم للفيء يقولون : ربنا اغفر لنا ، أي قائلين على الحال . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول في هذه الآية أنا من الراسخين في العلم ، وقال مجاهد : أنا ممن يعلم تأويله . وذهب الأكثرون إلى أن الواو في قوله { والراسخون } واو الاستئناف ، وتم الكلام عند قوله { وما يعلم تأويله إلا الله } وهو قول أبي بن كعب وعائشة وعروة بن الزبير رضي الله عنهم ، وراوية طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وبه قال الحسن وأكثر التابعين ، واختاره الكسائي والفراء والأخفش ، وقالوا : لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله ، ويجوز أن يكون في القرآن تأويل استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحداً من خلقه ، كما استأثر بعلم الساعة ووقت طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدجال ، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام ونحوها ، والخلق متعبدون في المتشابه بالإيمان به ، وفي المحكم بالإيمان به والعمل ، ومما يصدق ذلك قراءة عبد الله إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا ، وفي حرف أبي ، ويقول الراسخون في العم آمنا به . وقال عمر بن عبد العزيز في هذه الآية انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا آمنا به كل من عند ربنا وهذا القول قيس في العربية وأشبه بظاهر الآية قوله تعالى ( والراسخون في العلم ) أي الداخلون في العلم هم الذين أتقنوا علمهم بحيث لا يدخل في معرفتهم شك ، وأصله من رسوخ الشيء في الشيء وهو ثبوته ، يقال رسخ الإيمان في قلب فلان ، يرسخ رسخاً ورسوخاً ، وقيل الراسخون في العلم مؤمنو أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وأصحابه دليله قوله تعالى ( لكن الراسخون في العلم منهم ) يعني المدارسين علم التوراة والإنجيل ، وسئل مالك ابن أنس رضي الله عنه عن الراسخين في العلم قال : العالم العامل بما علم ، المتبع لما علم ، وقيل : الراسخ في العلم من وجد في علمه أربعة أشياء : التقوى بينه وبين الله ، والتواضع بينه وبين الخلق ، والزهد بينه وبين الدنيا ، والمجاهدة بينه وبين نفسه ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد والسدي : بقولهم ( آمنا به ) سماهم الله تعالى راسخين في العلم ، فرسوخهم في العلم قولهم آمنا به أي بالمتشابه .
قوله تعالى{ كل من عند ربنا } . المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وما علمنا وما لم نعلم .
بعدئذ يكشف الذين في قلوبهم زيغ ، الذين يتركون الحقائق القاطعة في آيات القرآن المحكمة ، ويتبعون النصوص التي تحتمل التأويل ، ليصوغوا حولها الشبهات ؛ ويصور سمات المؤمنين حقا وإيمانهم الخالص وتسليمهم لله في كل ما يأتيهم من عنده بلا جدال :
( هو الذي أنزل عليك الكتاب . منه آيات محكمات هن أم الكتاب ، وأخر متشابهات . فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله . وما يعلم تأويله إلا الله . والراسخون في العلم يقولون : آمنا به . كل من عند ربنا - وما يذكر إلا أولوا الألباب - ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة . إنك أنت الوهاب . ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه . إن الله لا يخلف الميعاد ) .
وقد روى أن نصارى نجران قالوا للرسول [ ص ] ألست تقول عن المسيح : إنه كلمة الله وروحه ؟ يريدون أن يتخذوا من هذا التعبير أداة لتثبيت معتقداتهم عن عيسى - عليه السلام - وأنه ليس من البشر ، إنما هو روح الله - على ما يفهمون هم من هذا التعبير - بينما هم يتركون الآيات القاطعة المحكمة التي تقرر وحدانية الله المطلقة ، وتنفي عنه الشريك والولد في كل صورة من الصور . . فنزلت فيهم هذه الآية ، تكشف محاولتهم هذه في استغلال النصوص المجازية المصورة ، وترك النصوص التجريدية القاطعة .
على أن نص الآية اعم من هذه المناسبة ؛ فهي تصور موقف الناس على اختلافهم من هذا الكتاب الذي أنزله الله على نبيه [ ص ] متضمنا حقائق التصور الإيماني ، ومنهاج الحياة الإسلامية ؛ ومتضمنا كذلك أمورا غيبية لا سبيل للعقل البشري أن يدركها بوسائله الخاصة ، ولا مجال له لأن يدرك منها أكثر مما تعطيه النصوص بذاتها .
فأما الأصول الدقيقة للعقيدة والشريعة فهي مفهومة المدلولات قاطعة الدلالة ، مدركة المقاصد - وهي أصل هذا الكتاب - وأما السمعيات والغيبيات - ومنها نشأة عيسى عليه السلام ومولده - فقد جاءت للوقوف عند مدلولاتها القريبة والتصديق بها لأنها صادرة من هذا المصدر " الحق " ويصعب إدراك ماهياتها وكيفياتها ، لأنها بطبيعتها فوق وسائل الإدراك الإنساني المحدود .
وهنا يختلف الناس - حسب استقامة فطرتهم أو زيغها - في استقبال هذه الآيات وتلك . فأما الذين في قلوبهم زيغ وانحراف وضلال عن سواء الفطرة ، فيتركون الأصول الواضحة الدقيقة التي تقوم عليها العقيدة والشريعة والمنهاج العملي للحياة ، ويجرون وراء المتشابه الذي يعول في تصديقه على الإيمان بصدق مصدره ، والتسليم بأنه هو الذي يعلم " الحق " كله ، بينما الإدراك البشري نسبي محدود المجال . كما يعول فيه على استقامة الفطرة التي تدرك بالإلهام المباشر صدق هذا الكتاب كله ، وأنه نزل بالحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . . يجرون وراء المتشابه لأنهم يجدون فيه مجالا لإيقاع الفتنة بالتأويلات المزلزلة للعقيدة ، والاختلافات التي تنشأ عن بلبلة الفكر ، نتيجة إقحامه فيما لا مجال للفكر في تأويله . . ( وما يعلم تأويله إلا الله ) . .
وأما الراسخون في العلم ، الذين بلغ من علمهم أن يعرفوا مجال العقل وطبيعة التفكير البشري ، وحدود المجال الذي يملك العمل فيه بوسائله الممنوحة له . . أما هؤلاء فيقولون في طمأنينة وثقة :
( آمنا به ، كل من عند ربنا ) . .
يدفعهم إلى هذه الطمأنينة ، أنه من عند ربهم . فهو إذن حق وصدق . وما يقرره الله صادق بذاته . وليس من وظيفة العقل البشري ولا في طوقه أن يبحث عن أسبابه وعلله ، كما أنه ليس في طوقه أن يدرك ماهيته وطبيعة العلل الكامنة وراءه .
والراسخون في العلم يطمئنون ابتداء إلى صدق ما يأتيهم من عند الله . يطمئنون إليه بفطرتهم الصادقة الواصلة . . ثم لا يجدون من عقولهم شكا فيه كذلك ؛ لأنهم يدركون أن من العلم ألا يخوض العقل فيما لا مجال فيه للعلم ، وفيما لا تؤهله وسائله وأدواته الإنسانية لعلمه . .
وهذا تصوير صحيح للراسخين في العلم . . فما يتبجح وينكر إلا السطحيون الذين تخدعهم قشور العلم ، فيتوهمون أنهم أدركوا كل شيء ، وأن ما لم يدركوه لا وجود له ؛ أو يفرضون إدراكهم على الحقائق ، فلا يسمحون لها بالوجود إلا على الصورة التي أدركوها . ومن ثم يقابلون كلام الله المطلق بمقررات عقلية لهم ! صاغتها عقولهم المحدودة ! أما العلماء حقا فهم أكثر تواضعا ، وأقرب إلى التسليم بعجز العقل البشري عن إدراك حقائق كثيرة تكبر طاقته وترتفع عليها . كما أنهم أصدق فطرة فما تلبث فطرتهم الصادقة أن تتصل بالحق وتطمئن إليه .
( وما يذكر إلا أولوا الألباب ) . .
وكأنه ليس بين أولي الألباب وإدراك الحق إلا أن يتذكروا . . فإذا الحق المستقر في فطرتهم الموصولة بالله ، ينبض ويبرز ويتقرر في الألباب .
{ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } أحكمت عبارتها بأن حفظت من الإجمال والاحتمال . { هن أم الكتاب } أصله يرد إليها غيرها والقياس أمهات فأفرد على تأويل كل واحدة ، أو على أن الكل بمنزلة آية واحدة . { وأخر متشابهات } محتملات لا يتضح مقصودها -لإجمال أو مخالفة ظاهر- إلا بالفحص والنظر ليظهر فيها فضل العلماء ، ويزداد حرصهم على أن يجتهدوا في تدبرها وتحصيل العلوم المتوقف عليها استنباط المراد بها ، فينالوا بها -وبإتعاب القرائح في استخراج معانيها ، والتوفيق بينها وبين المحكمات -معالي الدرجات . وأما قوله تعالىك { الر كتاب أحكمت آياته } فمعناه أنها حفظت من فساد المعنى وركاكة اللفظ ، وقوله : { كتابا متشابها } فمعناه أنه يشبه بعضه بعضا في صحة المعنى وجزالة اللفظ ، و{ أخر } جمع أخرى وإنما لم ينصرف لأنه وصف معدول عن الآخر ولا يلزم منه معرفته ، لأن معناه أن القياس أن يعرف ولم يعرف لا أنه في معنى المعرف أو عن { أخر } من { فأما الذين في قلوبهم زيغ } عدول عن الحق كالمبتدعة . { فيتبعون ما تشابه منه } فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل { ابتغاء الفتنة } طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه . { وابتغاء تأويله } وطلب أن يؤولوه على ما يشتهونه ، ويحتمل أن يكون الداعي إلى الاتباع مجموع الطلبتين ، أو كل واحدة منهما على التعاقب . والأول يناسب المعاند والثاني يلائم الجاهل . { وما يعلم تأويله } الذي يجب أن يحمل عليه . { إلا الله والراسخون في العلم } أي الذين ثبتوا وتمكنوا فيه ، ومن وقف على { إلا الله } فسر المتشابه بما استأثر الله بعلمه : كمدة بقاء الدنيا ، ووقت قيام الساعة ، وخواص الأعداد كعدد الزبانية ، أو بمبادل القاطع على أن ظاهره غير مراد ولم يدل على ما هو المراد . { يقولون آمنا به } استئناف موضح لحال { الراسخين } ، أو حال منهم أو خبر أن جعلته مبتدأ . { كل من عند ربنا } أي كل من المتشابه والمحكم من عنده ، { وما يذكر إلا أولوا الألباب } مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر ، وإشارة إلى ما استعدوا به للاهتداء إلى تأويله ، وهو تجرد العقل عن غواشي الحس ، واتصال الآية بما قبلها من حيث إنها تصوير الروح بالعلم وتربيته ، وما قبلها في تصوير الجسد وتسويته ، أو أنها جواب عن تشبث النصارى بنحو قوله تعالى : { وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } . كما أنه جواب عن قوله لا أب له غير الله ، فتعين أن يكون هو أباه تعالى مصور الأجنة كيف يشاء فيصور من نطفة أب ومن غيرها ، وبأنه صوره في الرحم والمصور لا يكون أب المصور .