فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّـٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (7)

{ محكمات } معروف تفسيرها مفهوم أو لا يصرفن عما وضعن عليه .

{ متشابهات } ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل أو لهن تصريف وتأويل .

{ زيغ } ميل عن القصد . { تأويله } ما يؤول إليه الأمر ويصير .

{ يذكر } يتذكر فلا ينسى ويتدارس فيحفظ دون ترك أو تضييع .

{ أولوا الألباب } أصحاب العقول .

قوله { منه آيات محكمات } . . يعني آيات القرآن وأما المحكمات فإنهن اللواتي قد أحكمن بالبينات والتفصيل وأثبتت حججهن وأدلتهن على ما جعلن أدلة عليه من حلال وحرام ووعد ووعيد ، وثواب وعقاب وأمر وزجر ومثل وعظة وعبر . . وما أشبه ذلك . ثم وصف جل ثناؤه هؤلاء الآيات المحكمات بأنهن { هن الفرائض والحدود وسائر ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم وما كلفوا من الفرائض في عاجلهم وآجلهم وإنما سماهن أم الكتاب لأنهن معظم الكتاب وموضع مفزع أهله عند الحاجة إليه-{[860]} .

أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب } قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه{[861]} منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم ) .


[860]:مما أورد صاحب جامع البيان.
[861]:الأصل في معنى التشابه: كون الشيئين بحيث يعجز الذهن عن التمييز بينهما ثم يقال لكل ما لا يهتدي إليه الإنسان متشابه ونظير المشكل لأنه أشكل أي دخل في شكل غيره. ومما أورد الحسن النيسابوري لا سبيل إلى صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح إلا بالدلالة القطعية العقلية على أن معناه الراجح محال عقلا فإذا قامت هذه الدلالة وعرف المكلف أنه ليس مراد الله تعالى من هذا اللفظ ما أشعر به الظاهر فعند هذا لا يحتاج إلا أن يعرف أن ذلك المرجوح الذي هو المراد ماذا.. فإذن الخوض في تعيين التأويل غير جائز ويدخل في هذا الباب استدلال المشبه بقوله {الرحمن على العرش استوى} فإنه لما ثبت بتصريح العقل امتناع كون الإله في مكان فمن تمسك به كان متمسكا بالمتشابهات.. والإنصاف أن الآيات ثلاثة أقسام أحدها ما يتأكد ظواهرها بالدلائل العقلية فذاك هو المحكم حقا. وثانيها التي قامت الدلائل القاطعة على طرفي ثبوته وانتفائه فهو المتشابه بمعنى أن الأمر اشتبه فيه ولم يتميز أحد الجانبين عن الآخر.. الراسخون في العلم هم الذين علموا بالدلائل القطعية أن الله تعالى عالم بالمعلومات التي لا نهاية لها وعلموا أن القرآن كلام الله تعالى وأنه لا يتكلم بالباطل والبعث فإذا سمعوا آية ودلت الدلائل القاطعة على أنه لا يجوز أن يكون ظاهرها مراد الله تعالى عرفوا أن مراد الله تعالى منه شيء غير ذلك الظاهر ثم فوضوا تعيين ذلك المراد إلى علمه وقطعوا بأن ذلك المعنى أي شيء كان فهو الحق والصواب فهؤلاء هم الراسخون في العلم بالله بحيث لم يزعزعهم قطعهم بترك الظاهر ولا عدم علمهم بالمراد عن الإيمان بالله والجزم بصحة القرآن...1هـ؛ أقول بين المولى تقدست أسماؤه في مواطن من الذكر العزيز أن آيات الفرقان كلها محكمات يقول تبارك وتعالى {تلك آيات الكتاب الحكيم} ويقول سبحانه {كتاب أحكمت آياته..} ولعل المراد بالإحكام هنا كون كل القرآن كلاما حقا فصيح الألفاظ صحيح المعاني وأنه بحيث لا يتمكن أحد من الإتيان بمثله قال مولانا وهو أصدق القائلين {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها..} أي يشبه بعضه بعضا في الحسن والإعجاز والبراءة من التناقص والتناقض.