قوله : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ ) [ 7 ] .
قال ابن عباس : [ هي ]( {[9375]} ) :
( قُلْ تَعَالَوَا اتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمُ )( {[9376]} ) إلى ثلاث آيات ، وفي بني إسرائيل( {[9377]} ) ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ )( {[9378]} ) ، قال : والمتشابه نحو : آلَم ، والروح وشبهه( {[9379]} ) .
وقال مجاهد( {[9380]} ) وعكرمة( {[9381]} ) ، ويحيى بن يعمر( {[9382]} ) : المحكمات : الحلال والحرام والأمر والنهي ، وما سوى ذلك فمتشابه يصدق بعضه بعضاً( {[9383]} ) .
وقال الضحاك : ( {[9384]} ) المحكمات الناسخات ، والمتشابهات المنسوخات( {[9385]} ) .
وأهل المعاني على ( أن )( {[9386]} ) المحكم ما قام بنفسه ، وفهم في ظاهر( {[9387]} ) لفظه ، ولم يحتمل إلا ذلك ، والمتشابه ما احتاج إلى تأويل وتفسير واحتمل المعاني( {[9388]} ) .
وسمى المحكمات أم الكتاب لأنهن معظمه( {[9389]} ) ، وأكثره( {[9390]} ) .
وقيل : سماهن أم الكتاب لأن فيهن أمر الدين( {[9391]} ) من : حلال وحرام وأمر ونهي وفرض وغير ذلك ، فهذا الأصل الذي تعبدنا( {[9392]} ) به( {[9393]} ) .
وإنما وحد الأم( {[9394]} ) لأن معناه : هن أصل( {[9395]} ) الكتاب .
وقيل : المعنى هن الشيء الذي كل واحدة منهن أم الكتاب( {[9396]} ) .
قوله : ( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) [ 7 ] . قيل معناه : اشتبهت على اليهود إذ سمعوها وهي أوائل السور : حروف التهجي ، متشابهات في التلاوة مختلفات في المعاني( {[9397]} ) .
وقال ابن عباس : متشابهات : هو المنسوخ ، والمقدم والمؤخر( {[9398]} ) .
وقال قتادة( {[9399]} ) وغيره : المحكمات : الناسخات ، والمتشابهات المنسوخات( {[9400]} ) .
وقيل : المحكمات ما حكمت فيه ألفاظ قصص الأنبياء والأمم ، والمتشابهات ما حكمت فيه ألفاظ القصص والأخبار ، قاله ابن زيد( {[9401]} ) .
[ قال : ]( {[9402]} ) : نحو ( فَاسْلُكْ فِيهَا )( {[9403]} ) ، ( احْمِلْ فِيهَا )( {[9404]} ) ، ( اسْلُكْ يَدَكَ )( {[9405]} ) . . . . . . [ ادخل يدك ]( {[9406]} ) " ( حَيَّةٌ تَسْعَى )( {[9407]} ) ، ( ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ )( {[9408]} ) " ( {[9409]} ) ، ونحوه ، فهذا المتشابه( {[9410]} ) .
وقيل : المحكم ما علم تأويله العلماء ، والمتشابه ما لم يعلم تأويله أحد( {[9411]} ) ، وقد أفردنا الكلام على هذه الآية في كتاب مفرد متقصى( {[9412]} ) فيه الاختلاف فيها( {[9413]} ) وموضع الوقف( {[9414]} ) .
قوله : ( فَأَمَّا الذِّينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) [ 7 ] .
أي : ميل عن الحق وهو الشك ( فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ) وهو ما احتمل التأويلات " يبتغون بذلك الفتنة " أي : الكفر( {[9415]} ) .
قال ابن عباس : يحملون المحكم على المتشابه ، والمتشابه على المحكم يلبسون على الناس( {[9416]} ) .
وقال السدي : يعترضون في الناسخ والمنسوخ فيقولون : ما بال هذه وما بال هذه . ( {[9417]} ) وعنى بهذا الوفد من نصارى نجران ومن هو مثلهم . لأنهم خاصموا النبي صلى الله عليه وسلم في عيسى( {[9418]} ) .
وقال قتادة : إن لم يكونوا الحرورية( {[9419]} ) فما أدري من هم ؟ ( {[9420]} ) .
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنوا بقوله : ( فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ )( {[9421]} ) .
قال السدي( {[9422]} ) والربيع( {[9423]} ) ( ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ ) أي : الشرك( {[9424]} ) .
وقال مجاهد : ابتغاء الشبهات( {[9425]} ) .
قال ابن عباس معنى( {[9426]} ) : ( ابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ ) هو( {[9427]} ) طلب الأجل في مدة محمد وأمته من قبل الحروف التي في أوائل السور وذلك أنهم( {[9428]} ) حسبوها على حروف الجمل بالعدد فقالوا : هذه مدة محمد وأمته .
قال السدي : أرادوا أن يعلموا عواقب القرآن وهو تأويله متى ينسخ منه شيء( {[9429]} ) .
وقيل معناه : وابتغاء تأويل المتشابه على ما يريدون من الزيغ .
قوله : ( وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ ) [ 7 ] .
أي : ليس يعلم متى تقوم الساعة وتنقضي مدة محمد عليه السلام( {[9430]} ) إلا الله .
( وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) [ 7 ] .
أي : يسلمون ويقولون صدقنا ، وهو قول ابن عباس وعائشة وابن مسعود( {[9431]} ) ، وجماعة من التابعين ، وهو قول مالك( {[9432]} ) .
وروى عن نافع( {[9433]} ) ويعقوب( {[9434]} ) والكسائي( {[9435]} ) ، إن الوقف ( إِلاَّ اللَّهُ ) وهو قول الأخفش( {[9436]} ) والفراء( {[9437]} ) وأبي حاتم( {[9438]} ) ، وأبي إسحاق( {[9439]} ) ، وابن كيسان( {[9440]} ) ، وهو اختيار( {[9441]} ) الطبري( {[9442]} ) .
ومعنى التأويل : التفسير وهو عند أكثرهم قيام الساعة لأنه ما تؤول إليه الأمور .
ومعنى : ( وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ ) الذين قد أتقنوا( {[9443]} ) علمهم ، وأصله من : رسخ إذا ثبت( {[9444]} ) .
وروي عن ابن القاسم( {[9445]} ) أن مالكاً سئل عن الراسخين في العلم : من هم ؟ ( {[9446]} ) فقال : العامل بما علم ، المتبع له .
( وقال في رواية ابن وهب( {[9447]} ) عنه : العالم العامل بما علم المتبع له )( {[9448]} ) .
وعن ابن أسامة( {[9449]} ) أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الراسخين في العلم فقال : " من برّت يمينه ، وصدق لسانه ، واستقام قلبه ، وعَفَّ( {[9450]} ) بطنه وفرجه ، فذلك من الراسخين في العلم " ( {[9451]} ) .
وقيل : الراسخ في العلم من وقف حيث( {[9452]} ) انتهى به علمه . ( {[9453]} )
قوله : ( كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَا ) [ 7 ] .
أي : ما نسخ وما لم ينسخ من عند الله( {[9454]} ) .
وقول أكثر العلماء : إن الراسخين في العلم لا يعلمون( {[9455]} ) تأويل المتشابه( {[9456]} ) .
قال عروة بن الزبير : ( {[9457]} ) الراسخون في العلم لا يعلمون تأويله( {[9458]} ) ولكن يقولون : ( آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا( {[9459]} ) ) .
قوله : ( وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبَابِ ) [ 7 ] .
أي ما يتذكر فيعلم الحق فيؤمن به إلا أولو العقول( {[9460]} ) .
[9379]:- انظر: جامع البيان 3/168، والدر المنثور 2/145.
[9380]:- هو أبو الحجاج مجاهد بن جبير المكي المخزومي توفي 104هـ أحد تلامذة ابن عباس الثقات، له منزلة في علم التفسير والفقه، له تفسير مطبوع. انظر: طبقات ابن سعد 5/466 وسير أعلام النبلاء 4/499. وطبقات الداودي 2/305.
[9381]:- هو أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس توفي 106 هـ تابعي من أعلم الناس بالتفسير والمغازي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، انظر: طبقات ابن سعد 2/385.
[9382]:- هو أبو سليمان يحيى بن يعمر توفي 120 هـ أحد قراء البصرة كان عالماً بالقرآن والحديث والنحو واللغة. عرض على علي ابن عمر وابن عباس، انظر: طبقات ابن سعد 7/308 وتذكرة الحفاظ 1/75 وغاية النهاية 2/348.
[9383]:- انظر: جامع البيان 3/172، والدر المنثور 2/145.
[9384]:- هو أبو القاسم الضحاك بن مزاحم الهلالي البلخي توفي 105 هـ كان معلماً بارزاً ومفسراً مشهوراً. انظر: المعارف: 232 وميزان الاعتدال 4/471. والتهذيب 4/453.
[9385]:- (د): المنسوخة. انظر: جامع البيان 3/173.
[9388]:- هو أحسن ما قيل في المسألة عند النحاس، انظر: إعراب النحاس 1/309، ونبه عليه القرطبي في الجامع للأحكام 4/11.
[9390]:- انظر: معاني الأخفش 1/394.
[9393]:- انظر: جامع البيان 3/170.
[9396]:- انظر: جامع البيان 3/170.
[9397]:- انظر: جامع البيان 3/177.
[9398]:- انظر: جامع البيان 3/172.
[9399]:- هو أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي ت 118 هـ تابعي كان مفسراً، وفقيهاً، وعالماً، روى عن أنس وغيره انظر: طبقات ابن سعد 7/29، وتاريخ الثقات: 389.
[9400]:- انظر: جامع البيان 3/172.
[9401]:- هو عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم العدوي المدني توفي 182 هـ روى عن أبيه: وعن عبد الرحمن بن وهب وعبد الرزاق بن همام كان مفسراً مشهوراً، انظر: التهذيب 6/177، والشذرات 1/297، وطبقات الداودي 1/251.
[9406]:- النمل آية 12. وهي ساقطة من (أ) و(ج).
[9410]:- انظر: جامع البيان 3/173.
[9412]:- (أ) و(ب) متقصٌّ مشكولة، وفي (ج) و(د) متقص بدون شكل وهو خطأ.
[9414]:- يشير مكي إلى كتابه: (شرح اختلاف العلماء) في قوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ).
[9415]:- (أ) وهو ما احتمل عليه التأويلات بذلك يبتغون الفتنة ذلك أي الكفر.
[9416]:- انظر: جامع البيان 3/177.
[9418]:- قول مكي: وعنى بهذا الوفد.... هو ظاهر الآية عند الطبري ولم يرجحه، وكونها في الذين جادلوه من اليهود أقوى عنده انظر: جامع البيان 3/180، والإشارة بالآية عند ابن عطية في ذلك الوقت كانت إلى نصارى نجران لتعرضهم للقرآن في أمر عيسى ثم تنسحب الآية على كل ذي بدعة انظر: المحرر 3/19.
[9419]:- الحرورية: فرقة من الخوارج –تنسب إلى حروراء- وهم أصحاب نجدة الخارجي، انظر: الملل للشهرستاني 1/115، ومعجم البلدان 2/245.
[9420]:- (ج) من هو، وهو تحريف. انظر: جامع البيان 3/182.
[9421]:- أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب: فيه آيات محكمات 5/166.
ومسلم في كتاب العلم، باب النهي عن اتباع المتشابه 8/56،
والترمذي في أبواب التفسير، سورة آل عمران. انظر 4/291.
[9422]:- هو أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن السدي توفي 128 هـ كان مفسراً ومؤلفاً في المغازي، متكلم فيه انظر: الجرح والتعديل 1/1/184، وميزان الاعتدال 1/236، والكاشف 1/75.
[9423]:- الربيع بن أنس البكري، توفي 139 هـ، تحدث صدوق، روى عن أنس وأبي العالية والحسن، انظر: الجرح والتعديل 1/2/445، والتهذيب 1/243.
[9424]:- انظر: جامع البيان 3/181.
[9425]:- انظر: جامع البيان 3/180.
[9429]:- انظر: جامع البيان 3/181.
[9430]:- (ج): صلى الله عليه وسلم.
[9431]:- هو عبد الله بن مسعود أحد السابقين للإسلام عرض القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم ويعد من علماء الصحابة، إليه تنتهي قراءة عاصم، وحمزة، والكسائي،. انظر: أسد الغابة 3/289، وغاية النهاية 1/458.
[9433]:- هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي توفي 169 هـ أحد القراء السبعة أخذ عن الأصمعي وقالون. انظر: المعارف 230، والتهذيب 10/407، وغاية النهاية 2/230.
[9434]:- هو أبو محمد يعقوب بن أبي إسحاق الحضرمي البصري توفي 205 هـ أحد القراء العشرة ثقة، عالم، صالح. انظر: الوفيات 6/399، ومعجم الأدباء 20/52، وغاية النهاية 2/286.
[9435]:- هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله الكسائي توفي 189 هـ أحد القراء السبعة، وإمام الكوفة بعد حمزة، أخذ عنه وعن الخليل ويعقوب. انظر: طبقات الزبيدي 127، وإنباه الرواة 2/256.
[9436]:- انظر: القطع 212، وإيضاح الوقف 2/565.
[9437]:- انظر: معاني الفراء 191.
[9438]:- هو أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني توفي 284 هـ. كان إمام أهل البصرة في القراءة والنحو واللغة. انظر: إشارة التعيين 137 والتهذيب 4/257 وبغية الوعاة 1/606.
[9439]:- هو أبو إسحاق الزجاج إبراهيم بن السري توفي 311 هـ عالم بالنحو واللغة والتفسير أخذ عن المبرد، وعنه ابن السراج، وأبو علي الفارسي، والآمدي. انظر: طبقات الزبيدي 111. وإنباه الرواة 1/159، وبغية الوعاة 1/411.
[9440]:- هو أحمد بن محمد بن كيسان توفي 299 هـ عالم بالقراءة والنحو واللغة أخذ عن المبرد وثعلب. انظر: معجم الأدباء 17/137. وإشارة التعيين 279 وبغية الوعاة 1/18.
[9441]:- انظر: جامع البيان 3/184، والقطع 212 وإعراب النحاس 1/310.
[9442]:- هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري توفي 310 هـ، إمام وفقيه ومفسر، ومحدث، ومؤرخ، وهو مؤلف جامع البيان وتاريخ الأمم والملوك واختلاف الفقهاء، انظر: تاريخ بغداد 2/192، ولسان الميزان 5/100، وطبقات الداودي 2/110.
[9444]:- انظر: المفردات 200، واللسان (رسخ) 3/18.
[9445]:- هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي توفي 191 هـ أكبر تلاميذ مالك وهو شيخ سحنون، فقيه عالم، انظر: الديباج 146، والتهذيب 6/254.
[9446]:- كذا في جميع النسخ ومقتضى الجواب أن يكون السؤال بالإفراد وليس بالجمع "سئل عن الراسخ في العلم من هو".
[9447]:- هو أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري ت 197 هـ وكان فقيهاً ومحدثاً ومفسراً، أخذ عن مالك وروى عنه، انظر: ترتيب المدارك 3/228. والديباج 132.
[9449]:- هو حماد بن أسامة بن زيد الكوفي توفي 201 هـ ثقة عالم بالحديث، روى عنه ابن معين وابن راهويه، انظر: تاريخ الثقات: 130. والتهذيب 3/2.
[9451]:- انظر: جامع البيان 3/185.
[9453]:- انظر: جامع البيان 3/183.
[9456]:- انظر: جامع البيان 3/182.
[9457]:- هو أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام الأسدي ت 93 هـ. تابعي، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، كان عالماً ثقة صالحاً أخرج له الجماعة، انظر: تاريخ الثقات: 331، وطبقات الفقهاء 40.
[9459]:- انظر: جامع البيان 3/183.