معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (3)

قوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } . أي : ما ذكر على ذبحه اسم غير الله تعالى .

قوله تعالى : { والمنخنقة } . وهي التي تختنق فتموت ، قال ابن عباس : كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة ، حتى إذا ماتت أكلوها .

قوله تعالى : { والموقوذة } . هي المقتولة بالخشب ، قال قتادة : كانوا يضربونها بالعصا ، فإذا ماتت أكلوها .

قوله تعالى : { والمتردية } . هي التي تتردى من مكان عال ، أو في بئر ، فتموت . قوله تعالى : { والنطيحة } . هي التي تنطحها أخرى فتموت ، وهاء التأنيث تدخل في الفعيل إذا كان بمعنى الفاعل ، فإذا كان بمعنى المفعول استوى فيه المذكر والمؤنث ، نحو عين كحيل ، وكف خضيب ، فإذا حذفت الاسم ، وأفردت الصفة ، أدخلوا الهاء ، فقالوا : كحيلة ، وخضيبة . وهنا أدخل الهاء ، لأنه لم يتقدمها الاسم ، فلو أسقط الهاء لم يدر أنها صفة مؤنث أم مذكر ، ومثله الذبيحة ، والنسيكة ، وأكيلة السبع .

قوله تعالى : { وما أكل السبع } . يريد ما بقي مما أكل السبع ، وكان أهل الجاهلية يأكلونه .

قوله تعالى : { إلا ما ذكيتم } . يعني : إلا ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء ، وأصل التذكية الإتمام ، يقال : ذكيت النار ، إذا أتممت اشتعالها ، والمراد هنا : إتمام فري الأوداج ، وإنهار الدم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه ، فكل . غير السن ، والظفر . وأقل الذكاة في الحيوان المقدور عليه قطع المريء ، والحلقوم . وكماله أن يقطع الودجين معهما ، ويجوز بكل محدد يقطع ، من حديد ، أو قصب ، أو زجاج ، أو حجر . إلا السن ، والظفر . فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الذبح بهما ، وإنما يحل ما ذكيته بعدما جرحه السبع ، وأكل شيئا منه إذا أدركته والحياة فيه مستقرة فذبحته ، فأما ما صار بجرح السبع إلى حالة المذبوح فهو في حكم الميتة ، فلا يكون حلالاً وإن ذبحته ، وكذلك المتردية ، والنطيحة ، إذا أدركتها حيةً قبل أن تصير إلى حالة المذبوح ، فذبحتها ، تكون حلالاً . ولو رمى إلى صيد في الهواء فأصابه ، فسقط على الأرض ومات ، كان حلالا لأن الوقوع على الأرض من ضرورته فإن سقط على جبل ، أو شجر ، ثم تردى منه فمات ، فلا يحل ، وهو من المتردية ، إلا أن يكون السهم أصاب مذبحه في الهواء ، فيحل كيفما وقع ، لأن الذبح قد حصل بإصابة السهم المذبح .

قوله تعالى : { وما ذبح على النصب } . قيل : النصب جمع واحده نصاب ، وقيل : هو واحد ، وجمعه أنصاب ، مثل : عنق وأعناق ، وهو الشيء المنصوب ، واختلفوا فيه فقال مجاهد وقتادة : كانت حول البيت ثلاثمائة وستون حجراً منصوبة ، كان أهل الجاهلية يعبدونها ويعظمونها ، ويذبحون لها ، وليست هي بأصنام ، إنما الأصنام هي المصورة المنقوشة ، وقال الآخرون : هي الأصنام المنصوبة ، ومعناه : وما ذبح على اسم النصب ، قال ابن زيد : ( وما ذبح على النصب ) ( وما أهل لغير الله به ) : هما واحد ، قال قطرب : على بمعنى اللام ، أي : وما ذبح لأجل النصب .

قوله تعالى : { وأن تستقسموا بالأزلام } . أي : ويحرم عليكم الاستقسام بالأزلام ، والاستقسام هو طلب القسم والحكم من الأزلام والأزلام هي : القداح التي لا ريش لها ولا نصل ، واحدها زلم ، زلم بفتح الزاي ، وضمها ، كانت أزلامهم سبعة قداح مستوية ، من شوحط ، يكون عند سادن الكعبة ، مكتوب على واحد نعم ، وعلى واحد لا ، وعلى واحد منكم ، وعلى واحد من غيركم ، وعلى واحد ملصق ، وعلى واحد العقل ، وواحد غفل ليس عليه شيء ، فكانوا إذا أرادوا أمراً من سفر ، أو نكاح ، أو ختان أو غيره ، أو تداوروا في نسب ، أو اختلفوا في تحمل عقل ، جاءوا إلى هبل ، وكان أعظم أصنام قريش بمكة ، وجاءوا بمائة درهم فأعطوها صاحب القداح ، حتى يجيل القداح ، ويقولون : يا إلهنا ، إنا أردنا كذا وكذا ، فإن خرج نعم ، فعلوا ، وإن خرج لا ، لم يفعلوا ذلك حولاً ، ثم عادوا إلى القداح ثانيةً ، فإذا أجالوا على نسب فإن خرج منكم ، كان وسطاً منهم ، وإذا خرج من غيركم ، كان حليفاً ، وإن خرج ملصق كان على منزلته لا نسب له ، ولا حلف ، وإذا اختلفوا في عقل فمن خرج عليه قدح العقل حمله ، وإن خرج الغفل أجالوا ثانياً حتى يخرج المكتوب ، فنهى الله عز وجل عن ذلك وحرمه . قوله تعالى : { ذلكم فسق } . قال سعيد بن جبير : الأزلام حصا بيض ، كانوا يضربون بها ، وقال مجاهد : هي كعاب فارس والروم التي يتقامرون بها ، وقال الشعبي وغيره : الأزلام للعرب ، والكعاب للعجم . وقال سفيان بن وكيع : هي الشطرنج . وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العيافة ، والطيرة ، من الجبت " ، والمراد من الطرق : الضرب بالحصى .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا ابن فنجويه ، أنا فضل السندي ، أخبرنا الحسن بن داود الخشاب ، أنا سويد بن سعيد ، أنا أبو المختار ، عن عبد الملك بن عمير ، عن رجاء بن حيوة ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من تكهن ، أو استقسم ، أو تطير طيرة ترده عن سفره ، لم ينظر إلى الدرجات العلى من الجنة يوم القيامة ) .

قوله تعالى : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } . يعني : أن ترجعوا إلى دينهم كفارا ، وذلك أن الكفار كانوا يطمعون في عود المسلمين إلى دينهم ، فلما قوي الإسلام أيسوا ، ويئس وأيس بمعنى واحد .

قوله تعالى : { فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } . نزلت هذه الآية يوم الجمعة ، يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع ، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء ، فكادت عضد الناقة تندق من ثقلها فبركت .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن إسماعيل ، حدثني الحسن بن الصباح . سمع جعفر بن عون ، أنا أبو العميس ، أنا قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرؤونها ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً . قال : أية آية ؟ قال : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة . أشار عمر إلى أن ذلك اليوم كان عيداً لنا . قال ابن عباس : كان في ذلك اليوم خمسة أعياد : جمعة ، وعرفة ، وعيد اليهود ، والنصارى ، والمجوس . ولم تجتمع أعياد أهل الملل في يوم قبله ولا بعده .

وروى هارون بن عنترة عن أبيه قال : لما نزلت هذه الآية بكى عمر رضي الله عنه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك يا عمر ؟ فقال : أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا ، فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص ، قال : صدقت " . وكانت هذه الآية نعي النبي صلى الله عليه وسلم ، وعاش بعدها إحدى وثمانين يوماً ، ومات يوم الإثنين بعدما زاغت الشمس لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول ، سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وقيل : توفي يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، وكانت هجرته في الثاني عشر من شهر ربيع الأول . أما تفسير الآية قوله عز وجل : { اليوم أكملت لكم دينكم } يعني : يوم نزول هذه الآية أكملت لكم دينكم ، يعني الفرائض ، والسنن ، والحدود ، والأحكام . والحلال ، والحرام . فلم ينزل بعد هذه الآية حلال ولا حرام ، ولا شيء من الفرائض والسنن ، والحدود ، والأحكام . هذا معنى قول ابن عباس رضي عنهما . ويروى عنه أن آية الربا نزلت بعدها . وقال سعيد بن جبير وقتادة : { أكملت لكم دينكم } فلم يحج معكم مشرك وقيل : أظهرت دينكم وأمنتكم من العدو ، وقوله عز وجل : { وأتممت عليكم نعمتي } يعني : وأنجزت وعدي في قولي { ولأتم نعمتي عليكم } فكان من تمام نعمته أن دخلوا مكة آمنين ، وعليها ظاهرين ، وحجوا مطمئنين لم يخالطهم أحد من المشركين ، { ورضيت لكم الإسلام ديناً } ، سمعت عبد الواحد قال : سمعت أبا محمد بن حاتم قال : سمعت أبا بكر النيسابوري ، سمعت أبا بكر محمد بن الحسن بن المسيب المروزي ، سمعت أبا حاتم محمد بن إدريس الحنظلي ، سمعت عبد الملك بن مسلمة ، أنا مروان المصري سمعت إبراهيم بن أبي بكر بن المنكدر رضي الله عنه سمعت عمي محمد بن المنكدر سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال جبريل ، عليه السلام قال الله تعالى : " هذا دين ارتضيته لنفسي ، ولن يصلحه إلا السخاء ، وحسن الخلق ، فأكرموه بهما ما صحبتموه " .

قوله تعالى : { فمن اضطر في مخمصة } . أي : جهد في مجاعة ، والمخمصة خلو البطن من الغذاء ، يقال : رجل خميص البطن ، إذا كان طاوياً خاوياً .

قوله تعالى : { غير متجانف لإثم } . أي : مائل إلى إثم ، وهو أن يأكل فوق الشبع ، وقال قتادة : غير متعرض لمعصية في مقصده .

قوله تعالى : { فإن الله غفور رحيم } . وفيه إضمار . أي : فأكله فإن الله غفور رحيم . أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حسن المزوري ، أنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج الطحان ، أنا أبو أحمد محمد بن قريش بن سليمان ، أنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز المكي ، أنا أبو عبيدة القاسم بن سلام ، أنا محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن أبي واقد الليثي ، قال رجل : يا رسول الله إنا نكون بالأرض فتصيبنا بها المخمصة فمتى تحل لنا الميتة ؟ فقال : ما لم تصطحبوا ، أو تغتبقوا ، أو تخنقوا بها بقلاً ، فشأنكم بها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (3)

ثم يأخذ السياق في تفصيل ما استثناه في الآية الأولى من السورة من حل بهيمة الأنعام :

( حرمت عليكم الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، والمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع - إلا ما ذكيتم - وما ذبح على النصب ، وأن تستقسموا بالأزلام . . ذلكم فسق . . اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون . اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا . . فمن اضطر في مخمصة - غير متجانف لإثم - فإن الله غفور رحيم ) .

والميتة والدم ولحم الخنزير ، سبق بيان حكمها ، وتعليل هذا الحكم في حدود ما يصل إليه العلم البشري بحكمة التشريع الإلهي ، عند استعراض آية سورة البقرة الخاصة بهذه المحرمات [ ص 156 - ص157 من الجزء الثاني من الظلال ] وسواء وصل العلم البشري إلى حكمة هذا التحريم أم لم يصل ، فقد قرر العلم الإلهي أن هذه المطاعم ليست طيبة ؛ وهذا وحده يكفي . فالله لا يحرم إلا الخبائث . وإلا ما يؤذي الحياة البشرية في جانب من جوانبها . سواء علم الناس بهذا الأذى أو جهلوه . . وهل علم الناس كل ما يؤذي وكل ما يفيد ؟ !

وأما ما أهل لغير الله به ، فهو محرم لمناقضته ابتداء للإيمان . فالإيمان يوحد الله ، ويفرده - سبحانه - بالألوهية ويرتب على هذا التوحيد مقتضياته . وأول هذه المقتضيات أن يكون التوجه إلى الله وحده بكل نية وكل عمل ؛ وأن يهل باسمه - وحده - في كل عمل وكل حركة ؛ وأن تصدر باسمه - وحده - كل حركة وكل عمل . فما يهل لغير الله به ؛ وما يسمى عليه بغير اسم الله [ وكذلك ما لا يذكر اسم الله عليه ولا اسم أحد ] حرام ؛ لأنه ينقض الإيمان من أساسه ؛ ولا يصدر ابتداء عن إيمان . . فهو خبيث من هذه الناحية ؛ يلحق بالخبائث الحسية من الميتة والدم ولحم الخنزير .

وأما المنخنقة [ وهي التي تموت خنقا ] والموقوذة [ وهي التي تضرب بعصا أو خشبة أو حجر فتموت ] والمتردية [ وهي التي تتردى من سطح أو جبل أو تتردى في بئر فتموت ] والنطيحة [ وهي التي تنطحها بهيمة فتموت ] وما أكل السبع [ وهي الفريسة لأي من الوحش ] . . فهي كلها أنواع من الميتة إذا لم تدرك بالذبح وفيها الروح : [ إلا ما ذكيتم ] فحكمها هو حكم الميتة . . إنما فصل هنا لنفي الشبهة في أن يكون لها حكم مستقل . . على أن هناك تفصيلا في الأقوال الفقهية واختلافا في حكم " التذكية " ، ومتى تعتبر البهيمة مذكاة ؛ فبعض الأقوال يخرج من المذكاة ، البهيمة التي يكون ما حل بها من شأنه أن يقتلها سريعا - أو يقتلها حتما - فهذه حتى لو أدركت بالذبح لا تكون مذكاة . بينما بعض الأقوال يعتبرها مذكاة متى أدركت وفيها الروح ، أيا كان نوع الإصابة . . والتفصيل يطلب في كتب الفقة المختصة . .

واما ما ذبح على النصب - وهي أصنام كانت في الكعبة وكان المشركون يذبحون عندها وينضحونها بدماء الذبيحة في الجاهلية ، ومثلها غيرها في أي مكان - فهو محرم بسبب ذبحه على الأصنام - حتى لو ذكر اسم الله عليه ، لما فيه من معنى الشرك بالله .

ويبقى الاستقسام بالأزلام . والأزلام : قداح كانوا يستشيرونها في الإقدام على العمل أو تركه . وهي ثلاثة في قول ، وسبعة في قول . وكانت كذلك تستخدم في الميسر المعروف عند العرب ؛ فتقسم بواسطتها الجزور - أي الناقة التي يتقامرون عليها - إذ يكون لكل من المتقامرين قدح ، ثم تدار ، فإذا خرج قدح أحدهم كان له من الجزور بقدر ما خصص لهذا القدح . . فحرم الله الاستقسام بالأزلام - لأنه نوع من الميسر المحرم - وحرم اللحوم التي تقسم عن هذا الطريق . .

( فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ) .

فالمضطر من الجوع - وهو المخمصة - الذي يخشى على حياته التلف ، له أن يأكل من هذه المحرمات ؛ ما دام أنه لا يتعمد الإثم ، ولا يقصد مقارفة الحرام . وتختلف آراء الفقهاء في حد هذا الأكل : هل هو مجرد ما يحفظ الحياة . أو هو ما يحقق الكفاية والشبع . أو هو ما يدخر كذلك لأكلات أخرى إذا خيف انقطاع الطعام . . فلا ندخل نحن في هذه التفصيلات . . وحسبنا أن ندرك ما في هذا الدين من يسر ، وهو يعطى للضرورات أحكامها بلا عنت ولا حرج . مع تعليق الأمر كله بالنية المستكنة ؛ والتقوى الموكولة إلى الله . . . فمن أقدم مضطرا ، لا نية له في مقارفة الحرام ولا قصد ، فلا إثم عليه إذن ولا عقاب :

( فإن الله غفور رحيم ) . .

وننتهي من بيان المحرم من المطاعم لنقف وقفة خاصة أمام ما تخلل آية التحريم من قوله تعالى :

اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون . اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينًا . .

وهي آخر ما نزل من القرآن الكريم ، ليعلن كمال الرسالة ، وتمام النعمة ، فيحس عمر - رضي الله عنه - ببصيرته النافذة وبقلبه الواصل - أن أيام الرسول [ ص ] على الأرض معدودة . فقد أدى الأمانة ، وبلغ الرسالة ؛ ولم يعد إلا لقاء الله . فيبكي - رضوان الله عليه - وقد أحس قلبه دنو يوم الفراق .

هذه الكلمات الهائلة ترد ضمن آية موضوعها التحريم والتحليل لبعض الذبائح ؛ وفي سياق السورة التي تضم تلك الأغراض التي أسلفنا بيانها . . ما دلالة هذا ؟ إن بعض دلالته أن شريعة الله كل لا يتجزأ . كل متكامل . سواء فيه ما يختص بالتصور والاعتقاد ؛ وما يختص بالشعائر والعبادات ؛ وما يختص بالحلال والحرام ؛ ومايختص بالتنظيمات الاجتماعية والدولية . وأن هذا في مجموعة هو " الدين " الذي يقول الله عنه في هذه الآية : إنه أكمله . وهو " النعمة " التي يقول الله للذين آمنوا : إنه أتمها عليهم . وأنه لا فرق في هذا الدين بين ما يختص بالتصور والاعتقاد ؛ وما يختص بالشعائر والعبادات ؛ وما يختص بالحلال والحرام ؛ وما يختص بالتنظيمات الاجتماعية والدولية . . فكلها في مجموعها تكون المنهج الرباني الذي ارتضاه الله للذين آمنوا ؛ والخروج عن هذا المنهج في جزئية منه ، كالخروج عليه كله ، خروج على هذا " الدين " وخروج من هذا الدين بالتبعية . .

والأمر في هذا يرجع إلى ما سبق لنا تقريره ؛ من أن رفض شيء من هذا المنهج ، الذي رضيه الله للمؤمنين ، واستبدال غيره به من صنع البشر ؛ معناه الصريح هو رفض ألوهية الله - سبحانه - وإعطاء خصائص الألوهية لبعض البشر ؛ واعتداء على سلطان الله في الأرض ، وادعاء للألوهية بادعاء خصيصتها الكبرى . . الحاكمية . . وهذا معناه الصريح الخروج على هذا الدين ؛ والخروج من هذا الدين بالتبعية . .

( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ) . .

يئسوا أن يبطلوه ، أو ينقصوه ، أو يحرفوه . وقد كتب الله له الكمال ؛ وسجل له البقاء . . ولقد يغلبونعلى المسلمين في موقعة ، أو في فترة ، ولكنهم لا يغلبون على هذا الدين . فهو وحده الدين الذي بقي محفوظا لا يناله الدثور ، ولا يناله التحريف أيضا ، على كثرة ما أراد أعداؤه أن يحرفوه ؛ وعلى شدة ما كادوا له ، وعلى عمق جهالة أهله به في بعض العصور . . غير أن الله لا يخلي الأرض من عصبة مؤمنة ؛ تعرف هذا الدين ؛ وتناضل عنه ، ويبقى فيها كاملا مفهوما محفوظا ؛ حتى تسلمه الى من يليها . وصدق وعد الله في يأس الذين كفروا من هذا الدين !

( فلا تخشوهم واخشون ) . . .

فما كان للذين كفروا أن ينالوا من هذا الدين في ذاته أبدا . وما كان لهم أن ينالوا من أهله إلا أن ينحرف أهله عنه ؛ فلا يكونوا هم الترجمة الحية له ؛ ولا ينهضوا بتكاليفه ومقتضياته ؛ ولا يحققوا في حياتهم نصوصه وأهدافه . .

وهذا التوجيه من الله للجماعة المسلمة في المدينة ، لا يقتصر على ذلك الجيل ؛ إنما هو خطاب عام للذين آمنوا في كل زمان وفي كل مكان . . نقول : للذين آمنوا . . الذين يرتضون ما رضيه الله لهم من هذا الدين ، بمعناه الكامل الشامل ؛ الذين يتخذون هذا الدين كله منهجا للحياة كلها . . وهؤلاء - وحدهم - هم المؤمنون . .

( اليوم أكملت لكم دينكم . وأتممت عليكم نعمتي . ورضيت لكم الإسلام دينًا ) . .

اليوم . . الذي نزلت فيه هذه الآية في حجة الوداع . . أكمل الله هذا الدين . فما عادت فيه زيادة لمستزيد . وأتم نعمته الكبرى على المؤمنين بهذا المنهج الكامل الشامل . ورضي لهم " الإسلام " دينا ؛ فمن لا يرتضيه منهجا لحياته - إذن - فإنما يرفض ما ارتضاه الله للمؤمنين .

ويقف المؤمن أمام هذه الكلمات الهائلة ؛ فلا يكاد ينتهي من استعراض ما تحمله في ثناياها من حقائق كبيرة ، وتوجيهات عميقة ، ومقتضيات وتكاليف . .

إن المؤمن يقف أولا : أمام إكمال هذا الدين ؛ يستعرض موكب الإيمان ، وموكب الرسالات ، وموكب الرسل ، منذ فجر البشرية ، ومنذ أول رسول - آدم عليه السلام - إلى هذه الرسالة الأخيرة . رسالة النبي الأمي إلى البشر أجمعين . . فماذا يرى ؟ . . يرى هذا الموكب المتطاول المتواصل . موكب الهدى والنور . ويرى معالم الطريق ، على طول الطريق . ولكنه يجد كل رسول - قبل خاتم النبيين - إنما أرسل لقومه . ويرى كل رسالة - قبل الرسالة الأخيرة - إنما جاءت لمرحلة من الزمان . . رسالة خاصة ، لمجموعة خاصة ، في بيئة خاصة . . ومن ثم كانت كل تلك الرسالات محكومة بظروفها هذه ؛ متكيفة بهذه الظروف . . كلها تدعو إلى إله واحد - فهذا هو التوحيد - وكلها تدعو إلى عبودية واحدة لهذا الإله الواحد - فهذا هو الدين - وكلها تدعو إلى التلقي عن هذا الإله الواحد والطاعة لهذا الإله الواحد - فهذا هو الإسلام - ولكن لكل منها شريعة للحياة الواقعية تناسب حالة الجماعة وحالة البيئة وحالة الزمان والظروف . .

حتى إذا أراد الله أن يختم رسالاته إلى البشر ؛ أرسل إلى الناس كافة ، رسولا خاتم النبيين برسالة " للإنسان " لا لمجموعة من الأناسي في بيئة خاصة ، في زمان خاص ، في ظروف خاصة . . رسالة تخاطب " الإنسان " من وراء الظروف والبيئات والأزمنة ؛ لأنها تخاطب فطرة الإنسان التي لا تتبدل ولا تتحور ولا ينالها التغيير : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) . . وفصل في هذه الرسالة شريعة تتناول حياة " الإنسان " من جميع أطرافها ، وفي كل جوانب نشاطها ؛ وتضع لها المبادى الكلية والقواعد الأساسيةفيما يتطور فيها ويتحور بتغير الزمان والمكان ؛ وتضع لها الأحكام التفصيلية والقوانين الجزئية فيما لا يتطور ولا يتحور بتغير الزمان والمكان . . وكذلك كانت هذه الشريعة بمبادئها الكلية وبأحكامها التفصيلية محتوية كل ما تحتاج إليه حياة " الإنسان " منذ تلك الرسالة إلى آخر الزمان ؛ من ضوابط وتوجيهات وتشريعات وتنظيمات ، لكي تستمر ، وتنمو ، وتتطور ، وتتجدد ؛ حول هذا المحور وداخل هذا الإطار . . وقال الله - سبحانه - للذين آمنوا :

( اليوم أكملت لكم دينكم . وأتممت عليكم نعمتي . ورضيت لكم الإسلام دينًا ) . .

فأعلن لهم إكمال العقيدة ، وإكمال الشريعة معا . . فهذا هو الدين . . ولم يعد للمؤمن أن يتصور أن بهذا الدين - بمعناه هذا - نقصا يستدعي الإكمال . ولا قصورا يستدعي الإضافة . ولا محلية أو زمانية تستدعي التطوير أو التحوير . . وإلا فما هو بمؤمن ؛ وما هو بمقر بصدق الله ؛ وما هو بمرتض ما ارتضاه الله للمؤمنين !

إن شريعة ذلك الزمان الذي نزل فيه القرآن ، هي شريعة كل زمان ، لأنها - بشهادة الله - شريعة الدين الذي جاء " للإنسان " في كل زمان وفي كل مكان ؛ لا لجماعة من بني الإنسان ، في جيل من الأجيال ، في مكان من الأمكنة ، كما كانت تجيء الرسل والرسالات .

الأحكام التفصيلية جاءت لتبقى كما هي . والمبادى ء الكلية جاءت لتكون هي الإطار الذي تنمو في داخله الحياة البشرية إلى آخر الزمان ؛ دون أن تخرج عليه ، إلا أن تخرج من إطار الإيمان !

والله الذي خلق " الإنسان " ويعلم من خلق ؛ هو الذي رضي له هذا الدين ؛ المحتوى على هذه الشريعة . فلا يقول : إن شريعة الأمس ليست شريعة اليوم ، إلا رجل يزعم لنفسه أنه أعلم من الله بحاجات الإنسان ؛ وبأطوار الإنسان !

ويقف المؤمن ثانيا : أمام إتمام نعمة الله على المؤمنين ، بإكمال هذا الدين ؛ وهي النعمة التامة الضخمة الهائلة . النعمة التي تمثل مولد " الإنسان " في الحقيقة ، كما تمثل نشأته واكتماله . " فالإنسان " لا وجود له قبل أن يعرف إلهه كما يعرفه هذا الدين له . وقبل أن يعرف الوجود الذي يعيش فيه كما يعرفه له هذا الدين . وقبل أن يعرف نفسه ودوره في هذا الوجود وكرامته على ربه ، كما يعرف ذلك كله من دينه الذي رضيه له ربه . و " الإنسان " لا وجود له قبل أن يتحرر من عبادة العبيد بعبادة الله وحده ؛ وقبل أن ينال المساواة الحقيقية بأن تكون شريعته من صنع الله وبسلطانه لا من صنع أحد ولا بسلطانه .

إن معرفة " الإنسان " بهذه الحقائق الكبرى كما صورها هذا الدين هي بدء مولد " الإنسان " . . إنه بدون هذه المعرفة على هذا المستوى ؛ يمكن أن يكون " حيوانًا أو أن يكون " مشروع إنسان " في طريقه إلى التكوين ! ولكنه لا يكون " الإنسان " في أكمل صورة للإنسان ، إلا بمعرفة هذه الحقائق الكبيرة كما صورها القرآن . . والمسافة بعيدة بعيدة بين هذه الصورة ، وسائر الصور التي اصطنعها البشر في كل زمان !

وإن تحقيق هذه الصورة في الحياة الإنسانية ، لهو الذي يحقق " للإنسان " " إنسانيته " كاملة . . يحققها له وهو يخرجه بالتصور الاعتقادي ، في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، من دائرة الحس الحيواني الذي لا يدرك إلا المحسوسات ، إلى دائرة " التصور " الإنساني ، الذي يدرك المحسوسات وما وراء المحسوسات .

عالم الشهادة وعالم الغيب . . عالم المادة وعالم ما وراء المادة . . وينقذه من ضيق الحس الحيواني المحدود !

ويحققها له وهو يخرجه بتوحيد الله ، من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده ، والتساوي والتحرر والاستعلاء أمام كل من عداه . فإلى الله وحده يتجه بالعبادة ، ومن الله وحده يتلقى المنهج والشريعة والنظام ، وعلى الله وحده يتوكل ومنه وحده يخاف . . ويحققها له ، بالمنهج الرباني ، حين يرفع اهتماماته ويهذب نوازعه ، ويجمع طاقته للخير والبناء والارتقاء ، والاستعلاء على نوازع الحيوان ، ولذائذ البهيمة وانطلاق الأنعام !

ولا يدرك حقيقة نعمة الله في هذا الدين ، ولا يقدرها قدرها ، من لم يعرف حقيقة الجاهلية ومن لم يذق ويلاتها - والجاهلية في كل زمان وفي كل مكان هي منهج الحياة الذي لم يشرعه الله - فهذا الذي عرف الجاهلية وذاق ويلاتها . . ويلاتها في التصور والاعتقاد ، وويلاتها في واقع الحياة . . هو الذي يحس ويشعر ، ويرى ويعلم ، ويدرك ويتذوق حقيقة نعمة الله في هذا الدين . .

الذي يعرف ويعاني ويلات الضلال والعمى ، وويلات الحيرة والتمزق ، وويلات الضياع والخواء ، في معتقدات الجاهلية وتصوراتها في كل زمان وفي كل مكان . . هو الذي يعرف ويتذوق نعمة الإيمان ؛

والذي يعرف ويعاني ويلات الطغيان والهوى ، وويلات التخبط والاضطراب ، وويلات التفريط والإفراط في كل أنظمة الحياة الجاهلية ، هو الذي يعرف ويتذوق نعمة الحياة في ظل الإيمان بمنهج الإسلام .

ولقد كان العرب المخاطبون بهذا القرآن أول مرة ، يعرفون ويدركون ويتذوقون هذه الكلمات . لأن مدلولاتها كانت متمثلة في حياتهم ، في ذات الجيل الذي خوطب بهذا القرآن . .

كانوا قد ذاقوا الجاهلية . . ذاقوا تصوراتها الاعتقادية . وذاقوا أوضاعها الاجتماعية . وذاقوا أخلاقها الفردية والجماعية . وبلوا من هذا كله ما يدركون معه حقيقة نعمة الله عليهم بهذا الدين ؛ وحقيقة فضل الله عليهم ومنته بالإسلام .

كان الإسلام قد التقطهم من سفح الجاهلية ؛ وسار بهم في الطريق الصاعد ، إلى القمة السامقة - كما فصلنا ذلك في مستهل سورة النساء - فإذا هم على القمة ينظرون من عل إلى سائر أمم الأرض من حولهم ؛ نظرتهم إلى ماضيهم في جاهليتهم كذلك .

كان الإسلام قد التقطهم من سفح الجاهلية في التصورات الاعتقادية حول ربوبية الأصنام ، والملائكة ، والجن ، والكواكب ، والأسلاف ؛ وسائر هذه الأساطير الساذجة والخرافات السخيفة ؛ لينقلهم إلى أفق التوحيد . إلى أفق الإيمان بإله واحد ، قادر قاهر ، رحيم ودود ، سميع بصير ، عليم خبير . عادل كامل . قريب مجيب . لا واسطة بينه وبين أحد ؛ والكل له عباد ، والكل له عبيد . . ومن ثم حررهم من سلطان الكهانة ، ومن سلطان الرياسة ، يوم حررهم من سلطان الوهم والخرافة . .

وكان الإسلام قد التقطهم من سقح الجاهلية في الأوضاع الاجتماعية . من الفوارق الطبقية ؛ ومن العادات الزرية ؛ ومن الاستبداد الذي كان يزاوله كل من تهيأ له قدر من السلطان [ لا كما هو سائد خطأ من أن الحياة العربية كانت تمثل الديمقراطية ! ] .

" فقد كانت القدرة على الظلم قرينة بمعنى العزة والجاه في عرف السيد والمسود من أمراء الجزيرة من أقصاها في الجنوب إلى أقصاها في الشمال . وما كان الشاعر النجاشي إلا قادحا مبالغا في القدح حين استضعف مهجوه ، لأن :

قبيلته لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل

" وما كان حجر بن الحارث إلا ملكا عربيا حين سام بني أسد أن يستعبدهم بالعصا ، وتوسل إليه شاعرهم عبيد بن الأبرص حيث يقول :

أنت المملك فيهم وهم العبيد إلى القيامه *** ذلوا لسوطك مثلما ذل الأشيقر ذو الخزامه

" وكان عمر بن هند ملكا عربيا حين عود الناس أن يخاطبهم من وراء ستار ؛ وحين استكثر على سادة القبائل أن تأنف أمهاتهم من خدمته في داره " .

" وكان النعمان بن المنذر ملكا عربيا حين بلغ به العسف أن يتخذ لنفسه يوما للرضى يغدق فيه النعم على كل قادم إليه خبط عشواء ؛ ويوما للغضب يقتل فيه كل طالع عليه من الصباح إلى المساء " .

" وقد قيل عن عزة كليب وائل : إنه سمي بذلك لأنه كان يرمي الكليب حيث يعجبه الصيد ، فلا يجسر أحد على الدنو من مكان يسمع فيه نباحه . وقيل : " لا حر بوادي عوف " لأنه من عزته كان لا يأوي بواديه من يملك حرية في جواره . فكلهم أحرار في حكم العبيد . . " .

وكان الإسلام قد التقطهم من سفح الجاهلية في التقاليد والعادات والأخلاق والصلات الاجتماعية . . كان قد التقطهم من سفح البنت الموءودة ، والمرأة المنكودة ، والخمر والقمار والعلاقات الجنسية الفوضوية ، والتبرج والاختلاط مع احتقار المرأة ومهانتها ، والثارات والغارات والنهب والسلب ، مع تفرق الكلمة وضعف الحيلة أمام أي هجوم خارجي جدي ، كالذي حدث في عام الفيل من هجوم الأحباش على الكعبة ، وتخاذل وخذلان القبائل كلها ، هذه القبائل التي كان بأسها بينها شديدا !

وكان الإسلام قد أنشأ منهم أمة ؛ تطل من القمة السامقة على البشرية كلها في السفح ، في كل جانب من جوانب الحياة . في جيل واحد . عرف السفح وعرف القمة . عرف الجاهلية وعرف الإسلام . ومن ثم كانوا يتذوقون ويدركون معنى قول الله لهم :

( اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينًا . . )

ويقف المؤمن ثالثا : أمام ارتضاء الله الإسلام دينا للذين آمنوا . . يقف أمام رعاية الله - سبحانه - وعنايته بهذه الأمة ، حتى ليختار لها دينها ويرتضيه . . وهو تعبير يشي بحب الله لهذه الأمة ورضاه عنها ، حتى ليختار لها منهج حياتها .

وإن هذه الكلمات الهائلة لتلقي على عاتق هذه الأمة عبئا ثقيلا ، يكافى ء هذه الرعاية الجليلة . . أستغفر الله . . فما يكافى ء هذه الرعاية الجليلة من الملك الجليل شيء تملك هذه الأمة بكل أجيالها أن تقدمه . . وإنما هو جهد الطاقة في شكر النعمة ، ومعرفة المنعم . . وإنما هو إدراك الواجب ثم القيام بما يستطاع منه ، وطلب المغفرة والتجاوز عن التقصير والقصور فيه .

إن ارتضاء الله الإسلام دينا لهذه الأمة ، ليقتضي منها ابتداء أن تدرك قيمة هذا الاختيار . ثم تحرص على الاستقامة على هذا الدين جهد ما في الطاقة من وسع واقتدار . . وإلا فما أنكد وما أحمق من يهمل - بله أن يرفض - ما رضيه الله له ، ليختار لنفسه غير ما اختاره الله ! . . وإنها - إذن - لجريمة نكدة ؛ لا تذهب بغير جزاء ، ولا يترك صاحبها يمضي ناجيا أبدا وقد رفض ما ارتضاه له الله . . ولقد يترك الله الذين لم يتخذوا الإسلام دينا لهم ، يرتكبون ما يرتكبون ويمهلهم إلى حين . . فأما الذين عرفوا هذا الدين ثم تركوه أو رفضوه . . واتخذوا لأنفسهم مناهج في الحياة غير المنهج الذي ارتضاه لهم الله . . فلن يتركهم الله أبدا ولن يمهلهم أبدا ، حتى يذوقوا وبال أمرهم وهم مستحقون !

ولا نملك أن نمضي أكثر من هذا في هذه الوقفات أمام تلك الكلمات الهائلة . فالأمر يطول . فنقنع بهذه اللمحات ، في هذه الظلال ، ويمضي مع سياق السورة إلى مقطع جديد :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (3)

يخبر تعالى عباده خبرا متضمنا النهي عن تعاطي هذه المحرمات من الميتة وهي : ما مات من الحيوان حَتْف أنفه ، من غير ذكاة ولا اصطياد ، وما ذاك إلا لما فيها من المضرة ، لما فيها من الدم المحتقن ، فهي ضارة للدين وللبدن فلهذا حرمها الله ، عز وجل ، ويستثني من الميتة السمك ، فإنه حلال سواء مات بتذكية أو غيرها ، لما رواه مالك في موطئه ، والشافعي وأحمد في مسنديهما ، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم ، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر ، فقال : " هو الطَّهُور ماؤه الحِلُّ ميتته{[8927]} " .

وهكذا الجراد ، لما سيأتي من الحديث ، وقوله : { وَالدَّمُ } يعني [ به ]{[8928]} المسفوح ؛ لقوله : { أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا } [ الأنعام : 145 ] قاله ابن عباس وسعيد بن جُبَيْر .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا كثير بن شهاب المذْحِجي ، حدثنا محمد بن سعيد بن سابق ، حدثنا عمرو - يعني ابن قيس - عن سِمَاك ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس : أنه سئل عن الطحال فقال : كلوه فقالوا : إنه دم . فقال : إنما حُرم عليكم الدم المسفوح .

وكذا رواه حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم ، عن عائشة ، قالت : إنما نهى عن الدم السافح .

وقد قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي : حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{[8929]} " أحِلَّ لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالحوت{[8930]} والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال " .

وكذا رواه أحمد بن حنبل ، وابن ماجه ، والدارقطني ، والبيهقي ، من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم{[8931]} وهو ضعيف . قال الحافظ البيهقي : ورواه إسماعيل بن أبي إدريس{[8932]} عن أسامة ، وعبد الله ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر مرفوعا .

قلت : وثلاثتهم ضعفاء ، ولكن بعضهم أصلح من بعض . وقد رواه سليمان بن بلال أحد الأثبات ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر ، فوقفه بعضهم عليه . قال الحافظ أبو زرعة الرازي : وهو أصح .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسن ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا بَشير بن سُرَيج ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة - وهو صُدَيّ بن عجلان - قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله ، وأعرض عليهم شرائع الإسلام ، فأتيتهم ، فبينا نحن كذلك إذ جاؤوا بقَصْعَة من دم ، فاجتمعوا{[8933]} عليها يأكلونها ، قالوا : هلم يا صُديّ ، فكل . قال : قلت : ويحكم ! إنما أتيتكم من عند مُحرِّم{[8934]} هذا عليكم ، وأنزل الله عليه ، قالوا : وما ذاك ؟ قال : فتلوت عليهم هذه الآية : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ [ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ ] }{[8935]} الآية .

ورواه الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه من حديث ابن أبي الشوارب بإسناد مثله ، وزاد بعد هذا السياق : قال : فجعلت أدعوهم إلى الإسلام ، ويأبون علي ، فقلت لهم : ويحكم ، اسقوني شربة من ماء ، فإني شديد العطش - قال : وعليّ عباءتي - فقالوا : لا ولكن ندعك حتى تموت عطشا . قال : فاغتممت وضربت{[8936]} برأسي في العباء ، ونمت على الرمضاء في حر شديد ، قال : فأتاني آت في منامي بقَدَح من زجاج لم ير الناس أحسن منه ، وفيه شراب لم ير الناس [ شرابا ]{[8937]} ألذ منه ، فأمكنني منها فشربتها ، فحيث فرغت من شرابي استيقظت ، فلا والله ما عطشت ولا عريت بعد تيك الشربة . {[8938]}

ورواه الحاكم في مستدركه ، عن علي بن حُمْشاذ{[8939]} عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني عبد الله بن سلمة بن عياش العامري ، حدثنا صدقة بن هرمز ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة ، قد ذكر نحوه{[8940]} وزاد بعد قوله : " بعد تيك الشربة " : فسمعتهم يقولون : أتاكم رجل من سراة قومكم ، فلم تَمْجعَوه بمذقة ، فأتوني بمذقة فقلت : لا حاجة لي فيها ، إن الله{[8941]} أطعمني وسقاني ، وأريتهم بطني فأسلموا عن آخرهم .

وما أحسن ما أنشد الأعشى في قصيدته التي ذكرها ابن إسحاق :{[8942]}

وإياكَ والميتات لا تقربنَّها *** ولا تأخذن عظمًا حديدًا فتفصدا

أي : لا تفعل كما يفعل{[8943]} الجاهلية ، وذلك أن أحدهم كان إذا جاع أخذ شيئًا محددًا من عظم ونحوه ، فَيفْصِد به بعيره أو حيوانا من أي صنف كان ، فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه ؛ ولهذا حرَّم الله الدم على هذه الأمة ، ثم قال الأعشى :

وذا النّصُب المنصوبَ لا تَأتينّه *** ولا تعبد الأصنام والله فاعبدا

وقوله : { وَلَحْمُ الْخِنزيرِ } يعني : إنسيه ووحشيه ، واللحم يعم جميع أجزائه حتى الشحم ، ولا يحتاج إلى تحذلق الظاهرية في جمودهم هاهنا وتعسفهم في الاحتجاج بقوله : { فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا } يعنون قوله تعالى : { إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } [ الأنعام : 145 ] أعادوا الضمير فيما فهموه على الخنزير ، حتى يعم جميع أجزائه ، وهذا بعيد من حيث اللغة ، فإنه لا يعود الضمير إلا إلى المضاف دون المضاف إليه ، والأظهر أن اللحم يعم جميع الأجزاء كما هو المفهوم من لغة العرب ، ومن العرف المطرد ، وفي صحيح مسلم ، عن بُرَيدة بن الخصيب الأسلمي ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لعب بالنردَشير فكأنما صَبَغَ يده في لحم الخنزير ودمه " {[8944]} فإذا كان هذا التنفير لمجرد اللمس{[8945]} فكيف يكون التهديد والوعيد الأكيد على أكله والتغذي به ، وفيه دلالة على شُمُول اللحم لجميع الأجزاء من الشحم وغيره .

وفي الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " . فقيل : يا رسول الله ، أرأيت شحوم الميتة ، فإنها تطلى بها السفن ، وتدهن بها الجلود ، ويَسْتَصبِحُ بها الناس ؟ فقال : " لا هو حرام " . {[8946]}

وفي صحيح البخاري من حديث أبي سفيان : أنه قال لهرقل ملك الروم : " نهانا عن الميتة والدم " . {[8947]}

وقوله : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } أي : ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله ، فهو حرام ؛ لأن الله أوجب أن تذبح{[8948]} مخلوقاته على اسمه العظيم ، فمتى عُدِل بها عن ذلك وذكر عليها اسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك ، من سائر المخلوقات ، فإنها حرام بالإجماع . وإنما اختلف العلماء في المتروك التسمية عليه ، إما عمدًا أو نسيانا ، كما سيأتي تقريره في سورة الأنعام .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسن الهِسِنْجَاني ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا ابن فضيل ، عن الوليد بن جُمَيْع ، عن أبي الطُّفَيْل قال : نزل آدم بتحريم أربع : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، وإن هذه الأربعة الأشياء{[8949]} لم تحل قط ، ولم تزل حراما منذ خلق الله السموات والأرض ، فلما كانت بنو إسرائيل حرم الله عليهم طيبات أحلت لهم بذنوبهم ، فلما بعث الله عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، نزل بالأمر الأول الذي جاء به آدم [ عليه السلام ]{[8950]} وأحل لهم ما سوى ذلك فكذبوه وعصوه . وهذا أثر غريب .

وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا ربعي بن عبد الله قال : سمعت الجارود بن أبي سَبْرَة - قال : هو جدي - قال : كان رجل من بني رَيَاح{[8951]} يقال له : ابن وَثَيِل ، وكان شاعرا ، نافر - غالبا - أبا الفرزدق بماء بظهر الكوفة ، على أن يعقر هذا مائة من إبله ، وهذا مائة من إبله ، إذا وردت الماء ، فلما وردت الماء قاما إليها بالسيوف ، فجعلا يَكْسفان عَرَاقيبها . قال : فخرج الناس على الحمرات والبغال يريدون اللحم - قال : وعَليٌّ بالكوفة - قال : فخرج عليّ على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء وهو ينادي : يا أيها الناس ، لا تأكلوا من لحومها فإنما{[8952]} أهل بها لغير الله .

هذا أثر غريب ، ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود : حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا{[8953]} حماد بن مَسْعَدة ، عن عوف ، عن أبي رَيْحانة ، عن ابن عباس قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مُعاقرة الأعراب .

ثم قال أبو داود : محمد بن جعفر - هو غُنْدَر - أوقفه على ابن عباس . تفرد به أبو داود{[8954]}

وقال أبو داود أيضا : حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ، حدثنا أبي ، حدثنا جرير بن حازم ، عن الزبير بن خريت قال : سمعت عِكْرِمة يقول :{[8955]} إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين{[8956]} أن يؤكل .

ثم قال أبو داود : أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس . تفرد به أيضا . {[8957]}

وقوله : { وَالْمُنْخَنِقَةُ } وهي التي تموت بالخنق إما قصدًا أو اتفاقا ، بأن تَتَخبل في وثاقتها{[8958]} فتموت به ، فهي حرام .

وأما { الْمَوْقُوذَةُ } فهي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد حتى تموت ، كما قال ابن عباس وغير واحد : هي التي تضرب بالخَشَب حتى تُوقَذَ بها{[8959]} فتموت .

وقال قتادة : كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصي حتى إذا ماتت أكلوها .

وفي الصحيح : أن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إني أرمي بالمِعراض الصيد فأصيب . قال : " إذا رميت بالمعراض فخَزَق فَكُلْه ، وإن أصابه بعَرْضِه فإنما هو وَقِيذ فلا تأكله " . {[8960]}

ففرق بين ما أصابه بالسهم ، أو بالمزراق ونحوه بحده فأحله ، وما أصابه بعرضه فجعله وقيذا فلم يحله ، وقد أجمع الفقهاء على هذا الحكم هاهنا ، واختلفوا فيما إذا صدم الجارحةُ الصيد فقتله بثقله ولم يجرحه ، على قولين ، هما قولان للشافعي ، رحمه الله :

أحدهما : [ أنه ]{[8961]} لا يحل ، كما في السهم ، والجامع أن كلا منهما ميت بغير جرح فهو وقيذ .

والثاني : أنه يحل ؛ لأنه حكم بإباحة ما صاده الكلب ، ولم يستفصل ، فدل على إباحة ما ذكرناه ؛ لأنه قد دخل في العموم . وقد قررت لهذه المسألة فصلا فليكتب هاهنا . .

فصل :

اختلف العلماء رحمهم الله تعالى ، فيما إذا أرسل كلبا على صيد فقتله بثقله ولم يجرحه ، أو صدمه ، هل يحل أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : أن ذلك حلال ؛ لعموم قوله تعالى : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } [ المائدة : 4 ] وكذا عمومات حديث عَدي{[8962]} بن حاتم . وهذا قول حكاه الأصحاب عن الشافعي ، رحمه الله ، وصححه بعض المتأخرين [ منهم ]{[8963]} كالنووي والرافعي .

قلت : وليس ذلك بظاهر من كلام الشافعي في الأم والمختصر ، فإنه قال في كلا الموضعين : " يحتمل معنيين " . ثم وجه كلا منهما ، فحمل ذلك الأصحاب منه فأطلقوا في المسألة قولين عنه ، اللهم إلا أنه في بحثه حكايته للقول بالحل رشحه قليلا ولم يصرح بواحد منهما ولا جزم به . والقول بذلك ، أعني الحل ، نقله ابن الصباغ عن أبي حنيفة ، من رواية الحسن بن زياد ، عنه ، ولم يذكر غير ذلك وأما أبو جعفر بن جرير فحكاه في تفسيره عن سلمان الفارسي ، وأبي هريرة ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن عمر . وهذا غريب جدًا ، وليس يوجد ذلك مصرحا به عنهم ، إلا أنه من تصرفه ، رحمه الله ورضي عنه .

والقول الثاني : أن ذلك لا يحل ، وهو أحد القولين عن الشافعي ، رحمه الله ، واختاره المُزَني ويظهر من كلام ابن الصباغ ترجيحه أيضا ، والله أعلم . ورواه أبو يوسف ومحمد عن{[8964]} أبي حنيفة ، وهو المشهور عن الإمام أحمد بن حنبل ، رضي الله عنه{[8965]} وهذا القول أشبه بالصواب ، والله أعلم ، لأنه أجرى عن{[8966]} القواعد الأصولية ، وأمس بالأصول{[8967]} الشرعية . واحتج ابن الصباغ له بحديث رافع بن خَدِيج ، قلت : يا رسول الله ، إنا لاقو العدو غدًا وليس معنا مُدًى ، أفنذبح بالقَصَب ؟ قال :{[8968]} " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه " . الحديث بتمامه وهو في الصحيحين .

وهذا وإن كان واردًا على سبب خاص ، فالعبرة بعموم اللفظ عند جمهور من العلماء في الأصول والفروع ، كما سئل عليه السلام{[8969]} عن البتع - وهو نبيذ العسل - فقال : " كل شراب أسكر فهو حرام " {[8970]} أفيقول فقيه : إن هذا اللفظ مخصوص بشراب العسل ؟ وهكذا هذا كما سألوه عن شيء من الذكاة فقال لهم كلاما عاما يشمل ذاك المسئول عنه وغيره ؛ لأنه عليه السلام{[8971]} قد أوتي جوامع الكلم .

إذا تقرر هذا فما صدمه الكلب أو غَمَّه بثقله ، ليس مما أنهر دمه ، فلا يحل لمفهوم هذا الحديث . فإن قيل : هذا الحديث ليس من هذا القبيل بشيء ؛ لأنهم إنما سألوا عن الآلة التي يُذكّى بها ، ولم يسألوا عن الشيء الذي يُذَكَّى ؛ ولهذا استثنى من ذلك السن والظفر ، حيث قال : " ليس السن والظفر ، وسأحدثكم عن ذلك : أما السن فعظم ، وأما الظفر فَمُدي الحبشة " . والمستثنى يدل على جنس المستثنى منه ، وإلا لم يكن متصلا فدل على أن المسئول عنه هو الآلة ، فلا يبقى فيه دلالة لما ذكرتم .

فالجواب عن هذا : بأن في الكلام ما يشكل عليكم أيضا ، حيث يقول : " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه " . ولم يقل : " فاذبحوا به " فهذا يؤخذ منه الحكمان معا ، يؤخذ حكم الآلة التي يذكى بها ، وحكم المذكى ، وأنه لا بد من إنهار دمه بآلة ليست سنا ولا ظفرًا . هذا مسلك .

والمسلك الثاني : طريقة المُزَني ، وهي أن السهم جاء التصريح فيه بأنه إن قتل بعَرْضِه فلا تأكل ، وإن خَزَق فَكُل . والكلب جاء مطلقا فيحمل على ما قيد هناك من الخَزْق ؛ لأنهما اشتركا في الموجب ، وهو الصيد ، فيجب الحمل هنا وإن اختلف السبب ، كما وجب حمل مطلق الإعتاق في الظهار على تقييده بالإيمان في القتل ، بل هذا أولى . وهذا يتوجه له على من يسلم له أصل هذه القاعدة من حيث هي ، وليس فيها خلاف بين الأصحاب قاطبة ، فلا بد لهم من جواب عن هذا . وله أن يقول : هذا قتله الكلب بثقله ، فلم يحل قياسا على ما قتله السهم بعَرْضه{[8972]} والجامع أن كلا منهما آلة للصيد ، وقد مات بثقله فيهما . ولا يعارض ذلك بعموم الآية ؛ لأن القياس مقدم على العموم ، كما هو مذهب الأئمة الأربعة والجمهور ، وهذا مسلك حسن أيضا .

مسلك آخر ، وهو : أن قوله تعالى : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } [ المائدة : 4 ] عام فيما قتلن بجرح أو غيره ، لكن هذا المقتول على هذه الصورة المتنازع فيها لا يخلو :{[8973]} إما أن يكون نطيحا أو في حكمه ، أو منخنقا أو في حكمه ، وأيا ما كان فيجب تقديم [ حكم ]{[8974]} هذه الآية على تلك لوجوه :

أحدها : أن الشارع قد اعتبر حكم هذه الآية حالة الصيد ، حيث يقول لعديّ بن حاتم : " وإن أصابه بعرضه{[8975]} فإنما هو وَقِيذ فلا تأكله " . ولم نعلم أحدًا من العلماء فصل بين حكم وحكم من هذه الآية ، فقال : إن الوقيذ معتبر حالة الصيد ، والنطيح ليس معتبرا ، فيكون القول بحل المتنازع فيه خرقا للإجماع لا قائل به ، وهو محظور عند كثير من العلماء .

الثاني : أن تلك الآية : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } [ المائدة : 4 ] ليست على عمومها بالإجماع ، بل مخصوصة بما صدن من الحيوان المأكول ، وخرج من عموم لفظها الحيوان غير المأكول بالاتفاق ، والعموم المحفوظ مقدم على غير المحفوظ . .

المسلك الآخر : أن هذا الصيد والحالة هذه في حكم الميتة سواء ؛ لأنه قد احتقن فيه الدماء وما يتبعها من الرطوبات ، فلا تحل قياسا على الميتة .

المسلك الآخر : أن آية التحريم ، أعني قوله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } إلى آخرها ، محكمة لم يدخلها نسخ ولا تخصيص ، وكذا ينبغي أن تكون آية التحليل محكمة ، أعني قوله : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ[ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ] } [ المائدة : 4 ]{[8976]} فينبغي ألا يكون بينهما تعارض أصلا وتكون السنة جاءت لبيان ذلك ، وشاهد ذلك قصة السهم ، فإنه ذكر حكم ما دخل في هذه الآية ، وهو ما إذا خَزَقه المِعْرَاض فيكون حلالا ؛ لأنه من الطيبات ، وما دخل في حكم تلك الآية ، آية التحريم ، وهو ما إذا أصابه بعرض فلا يؤكل ؛ لأنه وقيذ ، فيكون أحد أفراد آية التحريم ، وهكذا يجب أن يكون حكم هذا سواء ، إن كان قد جرحه الكلب فهو داخل في حكم آية التحليل . وإن لم يجرحه بل صدمه أو قتله بثقله فهو نطيح أو في حكمه فلا يكون حلالا .

فإن قيل : فلم لا فَصَّل في حكم الكلب ، فقال ما ذكرتم : إن جرحه فهو حلال ، وإن لم يجرحه فهو حرام ؟

فالجواب : أن ذلك نادر ؛ لأن من شأن الكلب أن يقتل بظفره أو نابه أو بهما معا ، وأما اصطدامه هو والصيد فنادر ، وكذا قتله إياه بثقله ، فلم يحتج إلى الاحتراز من ذلك لندوره ، أو لظهور حكمه عند من علم تحريم الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة . وأما السهم والمعراض فتارة يخطئ لسوء رمي راميه أو للهواء أو نحو ذلك ، بل خطؤه أكثر من إصابته ؛ فلهذا ذكر كلا من حكميه مفصلا والله أعلم ؛ ولهذا لما كان الكلب من شأنه أنه قد يأكل من الصيد ، ذكر حكم ما إذا أكل من الصيد فقال : " إن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه " وهذا صحيح ثابت في الصحيحين وهو أيضا مخصوص من عموم آية التحليل عند كثيرين{[8977]} فقالوا : لا يحل ما أكل منه الكلب ، حكي ذلك عن أبي هريرة ، وابن عباس . وبه قال الحسن ، والشعبي ، والنخَعي . وإليه ذهب أبو حنيفة وصاحباه ، وأحمد بن حنبل ، والشافعي في المشهور عنه . وروى ابن جرير في تفسيره عن علي ، وسعد ، وسلمان ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس : أن الصيد يؤكل وإن أكل منه الكلب ، حتى قال سعد ، وسلمان ، وأبو هريرة وابن عمر ، وغيرهم : يؤكل ولو لم يبق منه إلا بضعة . وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي في قوله القديم ، وأومأ في الجديد إلى قولين ، قال ذلك الإمام أبو نصر ابن الصباغ وغيره من الأصحاب عنه .

وقد روى أبو داود بإسناد جيد قوي ، عن أبي ثعلبة الخُشَنِي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في صيد الكلب : " إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه ، وكل ما ردت عليك يدك " . {[8978]}

ورواه أيضا النسائي من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ؛ أن أعرابيا يقال له : أبو ثعلبة قال : يا رسول الله ، فذكر نحوه .

وقال محمد بن جرير في تفسيره : حدثنا عمران بن بَكَّار الكَلاعِيّ ، حدثنا عبد العزيز بن موسى - هو اللاحوني - حدثنا محمد بن دينار - هو الطاحي - عن أبي إياس - وهو معاوية بن قرة - عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان الفارسي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه ، فليأكل ما بقي .

ثم إن ابن جرير علله بأنه قد رواه قتادة وغيره عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان موقوفا{[8979]} وأما الجمهور فقدموا حديث " عَديّ " على ذلك ، وراموا تضعيف حديث أبي ثعلبة وغيره . وقد حمله بعض العلماء على أنه إن أكل بعد ما انتظر صاحبه وطال عليه الفصل ولم يجئ ، فأكل منه لجوعه ونحوه ، فإنه لا بأس بذلك ؛ لأنه - والحالة هذه ؛ لا يخشى أنه أمسك على نفسه ، بخلاف ما إذا أكل منه أول وهلة ، فإنه يظهر منه أنه أمسك على نفسه ، والله أعلم .

فأما الجوارح من الطير{[8980]} فنص الشافعي على أنها كالكلاب ، فيحرم ما أكلت منه عند الجمهور ، ولا يحرم عند الآخرين . واختار المزني من أصحابنا أنه لا يحرم أكل ما أكلت منه الطيور والجوارح ، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد ، قالوا : لأنه لا يمكن تعليمها كما يعلم الكلب بالضرب ونحوه ، وأيضا فإنها لا تعلم إلا بأكلها من الصيد ، فيعفى عن ذلك ، وأيضا فالنص إنما ورد في الكلب لا في الطير . وقال الشيخ أبو علي في " الإفصاح " : إذا قلنا : يحرم ما أكل منه الكلب ، ففي تحريم ما أكل منه الطير وجهان ، وأنكر القاضي أبو الطيب هذا التفريع والترتيب ، لنص الشافعي ، رحمه الله على التسوية بينهما ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

وأما { الْمُتَرَدِّيَةُ } فهي التي تقع من شاهق أو موضع عال فتموت بذلك ، فلا تحل .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { الْمُتَرَدِّيَةُ } التي تسقط من جبل . وقال قتادة : هي التي تتردى في بئر .

وقال السدي : هي التي تقع من جبل أو تتردى في بئر .

وأما { النَّطِيحَةُ } فهي التي ماتت بسبب نطح غيرها لها ، فهي حرام ، وإن جرحها القرن وخرج منها الدم ولو من مذبحها .

والنطيحة فعيلة بمعنى مفعولة ، أي : منطوحة . وأكثر ما ترد هذه البِنْيَة في كلام العرب بدون تاء التأنيث ، فيقولون : كَفٌّ خضيب ، وعينٌ كحيل ، ولا يقولون : كف خضيبة ، ولا عين كحيلة : وأما هذه فقال بعض النحاة : إنما استعمل فيها تاء التأنيث ؛ لأنها أجريت مجرى الأسماء ، كما في قولهم : طريقة طويلة . وقال بعضهم : إنما أتي بتاء التأنيث فيها لتدل على التأنيث من أول وهلة ، بخلاف : عين كحيل ، وكف خضيب ؛ لأن التأنيث مستفاد من أول الكلام .

وقوله : { وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ } أي : ما عدا عليها أسد ، أو فهد ، أو نمر ، أو ذئب ، أو كلب ، فأكل بعضها فماتت بذلك ، فهي حرام وإن كان قد سال منها الدماء ولو من مذبحها ، فلا تحل بالإجماع . وقد كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاة أو البعير أو البقرة ونحو ذلك فحرم الله ذلك على المؤمنين .

وقوله : { إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ } عائد على ما يمكن عوده عليه ، مما انعقد سبب موته فأمكن تداركه بذكاة ، وفيه حياة مستقرة ، وذلك إنما يعود على قوله : { وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ }

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ } يقول : إلا ما ذبحتم من هؤلاء وفيه روح ، فكلوه ، فهو ذكي . وكذا رُوي عن سعيد بن جبير ، والحسن البصري ، والسدي .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشَجّ ، حدثنا حَفْص بن غياث{[8981]} حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي قال : { وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ } قال : إن مَصَعَتْ بذنبها أو رَكَضَتْ برجلها ، أو طَرَفَتْ بعينها فكُلْ .

وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا هشيم وعباد قالا حدثنا حجاج ، عن حصين ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة ، وهي تحرك يدًا أو رجلا فكلها .

وهكذا رُوي عن طاوس ، والحسن ، وقتادة وعُبَيد بن عُمير ، والضحاك وغير واحد : أن المذكاة متى تحركت بحركة تدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح ، فهي حلال . وهذا مذهب جمهور الفقهاء ، وبه قال{[8982]} أبو حنيفة والشافعي ، وأحمد بن حنبل . وقال ابن وهب : سُئل مالك عن الشاة التي يخرق جوفَها السَّبُعُ حتى تخرج أمعاؤها ؟ فقال مالك : لا أرى أن تذكى أيّ شيء يُذَكَّى منها .

وقال أشهب : سئل مالك عن الضبع يعدو على الكبش ، فيدق ظهره أترى أن يذكى قبل أن يموت ، فيؤكل ؟ قال{[8983]} إن كان قد بلغ السُّحْرة ، فلا أرى أن يؤكل وإن كان أصاب أطرافه ، فلا أرى بذلك بأسًا . قيل له : وثب عليه فدق ظهره ؟ فقال :{[8984]} لا يعجبني ، هذا لا يعيش منه . قيل له : فالذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها ولا يشق الأمعاء ؟ فقال : إذا شق بطنها فلا أرى أن تؤكل .

هذا مذهب مالك ، رحمه الله ، وظاهر الآية عام فيما استثناه مالك ، رحمه الله من الصور التي بلغ الحيوان فيها إلى حالة لا يعيش بعدها ، فيحتاج إلى دليل مخصص{[8985]} للآية ، والله أعلم .

وفي الصحيحين : عن رافع بن خَدِيج أنه قال : قلت : يا رسول الله ، إنا لاقو العدو غدًا ، وليس معنا مُدَى ، أفنذبح بالقَصَب ؟ فقال : " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ، ليس السنُّ والظَّفُر ، وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة " . {[8986]}

وفي الحديث الذي رواه الدارقطني [ عن أبي هريرة ]{[8987]} مرفوعا ، وفيه نظر ، وروي عن عمر موقوفا ، وهو أصح{[8988]} " ألا إن الذكاة في الحلق واللبّة ، ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق " . {[8989]}

وفي{[8990]} الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من رواية حماد بن سلمة ، عن أبي العشراء الدارمي ، عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ، أما تكون الذكاة إلا من اللبة والحلق ؟ فقال : " لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك .

وهو حديث صحيح{[8991]} ولكنه محمول على ما [ لم ]{[8992]} يقدر على ذبحه في الحلق واللبة .

وقوله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ } قال مجاهد وابن جُرَيْج{[8993]} كانت النصب حجارة حول الكعبة ، قال{[8994]} ابن جريج : وهي ثلاثمائة وستون نصبا ، كان العرب في جاهليتها يذبحون عندها ، وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح ، ويشرحون اللحم ويضعونه على النصب .

وكذا ذكره غير واحد ، فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع ، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر{[8995]} عليها اسم الله في الذبح عند النصب من الشرك{[8996]} الذي حرمه الله ورسوله . وينبغي أن يحمل هذا على هذا ؛ لأنه قد تقدم تحريم ما أهل به لغير الله .

وقوله تعالى : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ } أي : حرم عليكم أيها المؤمنون الاستقسام بالأزلام : واحدها : زُلَم ، وقد تفتح الزاي ، فيقال : زَلم ، وقد كانت العرب في جاهليتها يتعاطون ذلك ، وهي عبارة عن قداح ثلاثة ، على أحدها مكتوب : " افعل " وعلى الآخر : " لا تفعل " والثالث " غُفْل ليس عليه شيء . ومن الناس من قال : مكتوب على الواحد : " أمرني ربي " وعلى الآخر : " نهاني ربي " . والثالث غفل{[8997]} ليس عليه شيء ، فإذا أجالها فطلع السهم الآمر فعله ، أو الناهي تركه ، وإن طلع الفارغ أعاد [ الاستقسام . ]{[8998]} والاستقسام : مأخوذ من طلب القَسم من هذه الأزلام . هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا الحجاج بن محمد ، أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء ، عن عطاء ، عن ابن عباس : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ } قال : والأزلام : قداح كانوا يستقسمون بها في الأمور .

وكذا روي عن مجاهد ، وإبراهيم النَّخَعِي ، والحسن البصري ، ومُقَاتِل بن حَيَّان .

وقال ابن عباس : هي القداح ، كانوا يستقسمون بها الأمور . وذكر محمد بن إسحاق وغيره : أن أعظم أصنام قريش صنم كان يقال له : هُبَل ، وكان داخل الكعبة ، منصوب على بئر فيها ، توضع الهدايا وأموال الكعبة فيه ، كان عنده سبعة أزلام مكتوب فيها ما يتحاكمون فيه ، مما أشكل عليهم ، فما خرج لهم منها رجعوا إليه ولم يعدلوا عنه .

وثبت في الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة ، وجد إبراهيم وإسماعيل مصورين فيها ، وفي أيديهما الأزلام ، فقال : " قاتلهم الله ، لقد علموا أنهما لم يستقسما بها أبدا . " {[8999]}

وفي الصحيح : أن سراقة بن مالك بن جُعْشُم لما خرج في طلب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وهما ذاهبان إلى المدينة مهاجرين ، قال : فاستقسمت بالأزلام هل أضرهم أم لا ؟ فخرج الذي أكره : لا تضرهم{[9000]} قال : فعصيت الأزلام وأتبعتهم ، ثم إنه استقسم بها ثانية وثالثة ، كل ذلك يخرج الذي يكره : لا تضرهم{[9001]} وكان كذلك وكان سراقة لم يسلم إذ ذاك ، ثم أسلم بعد ذلك . {[9002]}

وروى ابن مَرْدُويه من طريق إبراهيم بن يزيد ، عن رَقَبةَ ، عن عبد الملك بن عُمَيْر ، عن رَجاء بن حَيْوَة ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يَلِج الدرجات من تَكَهَّن أو استقسم أو رجع من سفر طائرًا " . {[9003]} وقال مجاهد في قوله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ } قال : هي سهام العرب ، وكعاب فارس والروم ، كانوا يتقامرون بها .

وهذا الذي ذكر عن مجاهد في الأزلام أنها موضوعة للقمار ، فيه نظر ، اللهم إلا أن يقال : إنهم كانوا يستعملونها في الاستخارة تارة ، وفي القمار أخرى ، والله أعلم . فإن الله سبحانه [ وتعالى ]{[9004]} قد فرَّق بين هذه وبين القمار وهو الميسر ، فقال في آخر السورة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ[ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ ] منتهون }{[9005]} [ الآيتان : 90 ، 91 ] وهكذا قال هاهنا : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ } أي : تعاطيه فسق وغي وضلال وجهالة وشرك ، وقد أمر الله المؤمنين إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه بأن يعبدوه ، ثم يسألوه الخيَرَة في الأمر الذي يريدونه ، كما رواه الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن ، من طرق عن عبد الرحمن بن أبي الموالي ، عن محمد بن المُنْكَدِر ، عن جابر بن عبد الله قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا{[9006]} الاستخارة{[9007]} كما يعلمنا السورة من القرآن ، ويقول : " إذا هَمَّ أحدُكُم بالأمْرِ فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أسْتَخِيركَ بعلمكَ ، وأسْتَقْدِرُك بقدرتكَ ، وأسألُكَ من فَضْلك العظيم ؛ فإنك تَقْدِر ولا أقْدِر ، وتَعْلَمُ ولا أَعْلَم ، وأنت عَلام الغيوب ، اللهم إن كنتَ تعلم{[9008]} هذا الأمر - ويسميه باسمه - خيرًا لي في دِينِي ومَعاشي وعاقِبة أمري ، فاقدُرْهُ لي ويَسِّره لي{[9009]} وبارك لي فيه ، اللهم إن كنتَ تَعْلَمْهُ شرا لي{[9010]} في ديني ومَعاشي وعاقبة أمري ، فاصْرِفْنِي عنه ، واصرفه عنِّي ، واقْدُرْ لي الخير حيث كان ، ثم رَضِّني به " . لفظ أحمد . {[9011]}

وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي الموالي .

قوله : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني : يئسوا أن يراجعوا دينهم . .

وكذا رُوي عن عطاء بن أبي رباح ، والسّدِّي ومُقاتِل بن حَيَّان . وعلى هذا المعنى يرد{[9012]} الحديث الثابت في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الشيطان قد يئس أن يعبده المُصَلُّون في جزيرة العرب ، ولكن بالتَّحْرِيش{[9013]} بينهم " .

ويحتمل أن يكون المراد : أنهم يئسوا من مشابهة المسلمين ، بما تميز به المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك وأهله ؛ ولهذا قال تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يصبروا ويثبتوا في مخالفة الكفار ، ولا يخافوا أحدا إلا الله ، فقال : { فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } أي : لا تخافوا منهم في مخالفتكم إياهم واخشوني ، أنصركم عليهم وأبيدهم وأظفركم بهم ، وأشف صدوركم منهم ، وأجعلكم فوقهم في الدنيا والآخرة .

وقوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا } هذه أكبر نعم الله ، عز وجل ، على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره ، ولا إلى نبي غير نبيهم ، صلوات الله وسلامه عليه ؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء ، وبعثه إلى الإنس والجن ، فلا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا دين إلا ما شرعه ، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خُلْف ، كما قال تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ{[9014]} رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا } [ الأنعام : 115 ] أي : صدقا في الأخبار ، وعدلا في الأوامر والنواهي ، فلما أكمل{[9015]} الدين لهم تمت النعمة عليهم{[9016]} ؛ ولهذا قال [ تعالى ]{[9017]} { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا } أي : فارضوه أنتم لأنفسكم ، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه{[9018]} وبعث به أفضل رسله الكرام ، وأنزل به أشرف كتبه .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وهو الإسلام ، أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان ، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا ، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا ، وقد رضيه الله فلا يَسْخَطُه أبدا .

وقال أسباط عن السدي : نزلت هذه الآية يوم عَرَفَة ، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات . قالت أسماء بنت عُمَيس : حَجَجْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحجة ، فبينما نحن نسير إذ تَجلَّى له جبريل ، فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الراحلة ، فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن ، فبركت فأتيته فَسَجَّيْتُ عليه بُرْدا{[9019]} كان علي .

قال ابن جُرَيْج{[9020]} وغير واحد : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوما .

رواهما{[9021]} ابن جرير ، ثم قال : حدثنا سفيان بن وَكِيع ، حدثنا ابن فُضَيْل ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال : لما نزلت { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وذلك يوم الحج الأكبر ، بكى عمر ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك ؟ " قال : أبكاني أنّا كنا في زيادة من ديننا ، فأما إذْ أكمل{[9022]} فإنه لم يكمل شيء إلا نقص . فقال : " صدقت " . {[9023]}

ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت : " إن الإسلام بدأ غَرِيبًا ، وسيعود غريبا ، فَطُوبَى للغُرَبَاء " . {[9024]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا جعفر بن عَوْن ، حدثنا أبو العُمَيْس ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ]{[9025]} فقال : يا أمير المؤمنين ، إنكم تقرءون آية في كتابكم ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . قال : وأي آية ؟ قال قوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } فقال{[9026]} عمر : والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نزلت عَشية عَرَفَة في يوم جمعة .

ورواه البخاري عن الحسن بن الصباح عن جعفر بن عون ، به . ورواه أيضا مسلم والترمذي والنسائي ، من طرق عن قيس بن مسلم ، به{[9027]} ولفظ البخاري عند تفسير هذه الآية من طريق سفيان الثوري ، عن قيس ، عن طارق قال : قالت اليهود لعمر : إنكم تقرؤون آية ، لو نزلت فينا لاتخذناها{[9028]} عيدا . فقال عمر : إني لأعلم حين أنزلت ، وأين أنزلت{[9029]} وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أنزلت : يوم عرفة ، وأنا والله بعرفة - قال سفيان : وأشك كان يوم الجمعة أم لا { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } الآية . {[9030]}

وشك سفيان ، رحمه الله ، إن كان في الرواية فهو تَوَرُّعٌ ، حيث شك هل أخبره شيخه بذلك أم لا ؟ وإن كان شكا في كون الوقوف في حجة الوداع كان يوم جمعة ، فهذا ما أخاله يصدر عن الثوري ، رحمه الله ، فإن هذا أمر معلوم مقطوع به ، لم يختلف فيه أحد من أصحاب المغازي والسير ولا من الفقهاء ، وقد وردت في ذلك أحاديث متواترة لا يشك في صحتها ، والله أعلم ، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن عُلَيَّةَ ، أخبرنا رَجاء بن أبي سلمة ، أخبرنا عبادة بن نُسَيّ ، أخبرنا أميرنا إسحاق - قال أبو جعفر بن جرير : هو إسحاق بن خَرَشة - عن قَبِيصة - يعني ابن ذُؤيب - قال : قال كعب : لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية ، لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم ، فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه . فقال عمر : أي آية يا كعب ؟ فقال : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فقال عمر : قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه ، والمكان الذي أنزلت{[9031]} فيه ، نزلت في يوم جمعة ويوم عرفة ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا قَبيصة ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمار - هو مولى بني هاشم - أن ابن عباس قرأ : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا } فقال يهودي : لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا يومها عيدًا . فقال ابن عباس : فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين : يوم عيد ويوم جمعة . {[9032]}

وقال ابن مَرْدُويه : حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا يحيى بن الحُمَّاني ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن إسماعيل بن سَلْمان ، عن أبي عمر البَزّار ، عن ابن الحنفية ، عن علي [ رضي الله عنه ]{[9033]} قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قائم عَشِيَّةَ عرفة : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }

وقال ابن جرير : حدثنا أبو عامر إسماعيل بن عمرو السَّكُوني ، حدثنا هشام{[9034]} بن عمار ، حدثنا بن عياش ، حدثنا عمرو بن قيس السكوني : أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر ينتزع بهذه الآية : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } حتى ختمها ، فقال : نزلت في يوم عرفة ، في يوم جمعة .

وروى ابن مَرْدُويه ، من طريق محمد بن إسحاق ، عن عمر بن موسى بن وجيه ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سَمُرَة قال : نزلت هذه الآية : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا } يوم عرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على الموقف . {[9035]}

فأما ما رواه ابن جرير وابن مردويه ، والطبراني من طريق ابن لَهيعَة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن حَنَش بن عبد الله الصنعاني ، عن ابن عباس قال : ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، [ ونبئ يوم الاثنين ]{[9036]} وخرج من مكة يوم الاثنين ، ودخل المدينة يوم الاثنين ، وأنزلت سورة المائدة يوم الاثنين : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ورفع الذكر يوم الاثنين ، فإنه أثر غريب{[9037]} وإسناده ضعيف .

وقد رواه الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لَهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن حَنَش الصنعاني ، عن ابن عباس قال : ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، واستنبئ يوم الاثنين ، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين ، وقدم المدينة يوم الاثنين ، وتوفي يوم الاثنين ، ووضع{[9038]} الحجر الأسود يوم الاثنين .

هذا لفظ أحمد ، ولم يذكر نزول المائدة يوم الاثنين{[9039]} فالله أعلم . ولعل ابن عباس أراد أنها نزلت يوم عيدين اثنين كما تقدم ، فاشتبه على الراوي ، والله أعلم .

[ و ]{[9040]} قال ابن جرير : وقد قيل : ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس ، ثم روي من طريق العَوْفِيِّ عن ابن عباس في قوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يقول : ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس قال : وقد قيل : إنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسِيره إلى حجة الوداع . ثم رواه من طريق أبى جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس .

قلت : وقد روى ابن مَرْدُويه من طريق أبي هارون العَيْدي ، عن أبي سعيد الخدري ؛ أنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غَدِير خُم{[9041]} حين قال لعلي : " من كنتُ مولاه فَعَليٌّ مولاه " . ثم رواه عن أبي هريرة{[9042]} وفيه : أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، يعني مرجعه عليه السلام{[9043]} من حجة الوداع .

ولا يصح هذا ولا هذا ، بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية : أنها أنزلت يوم عرفة ، وكان يوم جمعة ، كما روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان ، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس ، وسَمُرَة بن جندب ، رضي الله عنهم ، وأرسله [ عامر ]{[9044]} الشعبي ، وقتادة بن دعامة ، وشَهْر بن حَوْشَب ، وغير واحد من الأئمة والعلماء ، واختاره ابن جرير الطبري ، رحمه{[9045]} الله .

وقوله : { فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي : فمن احتاج إلى تناول شيء من هذه المحرمات التي ذكرها تعالى{[9046]} لضرورة ألجأته إلى ذلك ، فله تناول ذلك ، والله غفور رحيم له ؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر ، وافتقاره إلى ذلك ، فيتجاوز عنه ويغفر له . وفي المسند وصحيح ابن حبَّان ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب أن تؤتى رُخْصته{[9047]} كما يكره أن تؤتى مَعْصِيته " {[9048]} لفظ ابن حبان . وفي لفظ لأحمد{[9049]} من لم يقبل رُخْصَة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة " . {[9050]} ولهذا قال الفقهاء : قد يكون تناول الميتة واجبًا في بعض الأحيان ، وهو ما إذا خاف على مهجته{[9051]} التلف ولم يجد غيرها ، وقد يكون مندوبا ، و[ قد ]{[9052]} يكون مباحا بحسب الأحوال . واختلفوا : هل يتناول منها قدر ما يسد به الرَّمَق ، أو له أن يشبع ، أو يشبع ويتزود ؟ على أقوال ، كما هو مقرر في كتاب الأحكام . وفيما إذا وجد ميتة وطعام الغير ، أو صيدًا{[9053]} وهو محرم : هل يتناول الميتة ، أو ذلك الصيد ويلزمه الجزاء ، أو ذلك الطعام ويضمن بدله ؟ على قولين ، هما قولان للشافعي ، رحمه الله . وليس من شرط جواز تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاما ، كما قد يتوهمه كثير من العوام{[9054]} وغيرهم ، بل متى اضطر إلى ذلك جاز له ، وقد قال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا حسان بن عطية ، عن أبي واقد الليثي أنهم قالوا : يا رسول الله ، إنا بأرض تصيبنا{[9055]} بها المخمصة ، فمتى تحل{[9056]} لنا بها الميتة ؟ فقال : " إذا لم تَصْطَبِحوا ، ولم تَغْتَبِقُوا ، ولم تَجتفئوا{[9057]} بقْلا فشأنكم بها " .

تفرد به أحمد من هذا الوجه ، وهو إسناد صحيح على شرط الصحيحين . وكذا رواه ابن جرير ، عن عبد الأعلى بن واصل ، عن محمد بن القاسم الأسدي ، عن الأوزاعي به{[9058]} لكن رواه بعضهم عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن مسلم بن يزيد ، عن أبي واقد ، به{[9059]} ومنهم من رواه عن الأوزاعي ، عن حسان ، عن مرثد - أو أبي مرثد - عن أبي واقد ، به{[9060]} ورواه ابن جرير عن هناد بن السري ، عن عيسي بن يونس ، عن حسان ، عن رجل قد سمي له ، فذكره . ورواه أيضا عن هناد ، عن ابن المبارك ، عن الأوزاعي ، عن حسان ، مرسلا{[9061]}

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن عُلَيَّة ، عن عَوْن قال : وجدت عند الحسن كتاب سَمُرة ، فقرأته عليه ، فكان فيه : " ويُجزى من الأضرار غَبُوق أو صبوح " .

حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا هُشَيْم ، عن الخَصيب بن زيد التميمي{[9062]} حدثنا الحسن ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : [ إلى ]{[9063]} متى يحل [ لي ]{[9064]} الحرام ؟ قال : فقال : " إلى متى يَرْوى أهلك من اللبن ، أو تجيء مِيرَتُهم " .

حدثنا ابن حميد ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، حدثنا عمر بن عبد الله بن عروة ، عن جده عروة بن الزبير ، عن جدته{[9065]} ؛ أن رجلا من الأعراب أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه في الذي حرم الله عليه ، والذي أحل له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تَحِلُّ لك الطيبات ، وتَحْرُم عليك الخبائث{[9066]} إلا أن تَفْتَقِر إلى طعام لا يحل لك ، فتأكل منه حتى تَسْتَغْنِيَ عنه " . فقال الرجل : وما فَقْرِي الذي يحل لي ؟ وما غناي الذي يغنيني عن ذلك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا كنت ترجو نِتَاجًا ، فتبلغ بلُحُوم ماشيتك إلى نتاجك ، أو كنت ترجو غِنًى ، تطلبه ، فتبلغ من ذلك شيئا ، فأطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه " . فقال الأعرابي : ما غناي الذي أدعه إذا وجدته ؟ فقال [ النبي ]{[9067]} صلى الله عليه وسلم : " إذا أرويت أهلك غَبُوقا من الليل ، فاجتنب ما حرم الله عليك من طعام ، وأما مالك فإنه ميسور كله ، ليس فيه حرام " . {[9068]}

ومعنى قوله : " ما لم تصطبحوا " : يعني به : الغداء ، " وما لم{[9069]} تغتبقوا " : يعني به : العشاء ، " أو تختفئوا{[9070]} بقلا{[9071]} فشأنكم بها " [ أي ]{[9072]} فكلوا منها . وقال ابن جرير : يروى هذا الحرف - يعني قوله : " أو تختفئوا{[9073]} [ بقلا ]{[9074]} على أربعة أوجه : " تختفئوا " بالهمزة ، " وتحتفيوا " بتخفيف الياء والحاء ، " وتحتفوا " بتشديد [ الفاء ]{[9075]} وتحتفوا " بالحاء وبالتخفيف ، ويحتمل الهمز ، كذا ذكره في التفسير .

حديث آخر : قال أبو داود : حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا الفضل بن دُكَيْن ، حدثنا عُقْبَة بن وَهْب بن عقبة العامري{[9076]} سمعت أبي يحدث عن الفجيع العامري ؛ أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :

ما يحل لنا من الميتة ؟ قال : " ما طعامكم ؟ " قلنا : نغتبق ونصطبح . قال أبو نعيم : فَسَّرَه لي عقبة : قدح غُدوة ، وقدح عَشيَّة{[9077]} قال : " ذَاكَ وأبي الجُوعُ " . وأحل لهم الميتة على هذه{[9078]} الحال .

تفرد به أبو داود{[9079]} وكأنهم كانوا يصطبحون ويغتبقون شيئًا لا يكفيهم ، فأحل لهم الميتة لتمام كفايتهم ، وقد يحتج به من يرى جواز الأكل منها حتى يبلغ حد الشبع ، ولا يتقيد ذلك بسد الرَّمَق ، والله أعلم .

حديث آخر : قال أبو داود : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، حدثنا سماك ، عن جابر بن سَمُرَة ، أن رجلا نزل الحَرَّةَ ، ومعه أهله وولده ، فقال له رجل : إن ناقة لي ضَلَّت ، فإن وجدتها فأمسكها ، فوجدها ولم يجد صاحبها ، فمرضت فقالت امرأته : انحرها ، فأبى ، فَنَفَقَتْ ، فقالت له امرأته : اسلخها حتى نُقدد شَحْمَها ولحمها فنأكله . فقال : حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فسأله ، فقال : " هل عندك غنًى يُغْنِيك ؟ " قال : لا . قال : " فكلوها " . قال : فجاء صاحبها فأخبره{[9080]} الخبر ، فقال : هلا كنت نحرتها ؟ قال : استحييت منك .

تفرد به{[9081]} وقد يحتج به من يُجوز الأكل والشبع ، والتزود منها مدة يغلب على ظنه الاحتياج إليها والله أعلم .

وقوله : { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ } أي : [ غير ]{[9082]} مُتَعَاطٍ لمعصية الله ، فإن الله قد أباح ذلك له وسكت عن الآخر ، كما قال في سورة البقرة : { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ الآية : 173 ] .

وقد استدل بهذه الآية من يقول بأن العاصي بسفره لا يترخص بشيء من رخص السفر ؛ لأن الرخص لا تنال{[9083]} بالمعاصي ، والله أعلم .


[8927]:الموطأ (1/22) ومسند الشافعي برقم (25) "بدائع المنن" ومسند أحمد ( 2/237، 361) وسنن أبي داود برقم (83) وسنن الترمذي برقم (69) وسنن النسائي (1/50) وسنن ابن ماجه برقم (386) وصحيح ابن خزيمة برقم (111) وصحيح ابن حبان برقم (119) "موارد" كلهم من طريق صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة - من آل بني الأزرق - أن المغيرة بن أبي بردة أخبره أنه سمع أبا هريرة فذكره. وقد صحح هذا الحديث بن خزيمة والحاكم والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
[8928]:زيادة من د، أ.
[8929]:في د: "عن ابن عمر مرفوعا".
[8930]:في د: "فالسمك".
[8931]:مسند الشافعي برقم (1734) "بدائع المنن" ومسند أحمد (2/97) وسنن ابن ماجة برقم (3314) وسنن الدارقطني (4/271) والسنن الكبرى للبيهقي (1/254).
[8932]:في د: "إسماعيل بن أبي أويس".
[8933]:في ر: "واجتمعوا"
[8934]:في د، ر، أ: "من يحرم".
[8935]:زيادة من أ.
[8936]:في د: "وجثوت".
[8937]:زيادة من ر، أ.
[8938]:ورواه الطبراني في المعجم الكبير (8/335) من طريق محمد بن أبي الشوارب به. قال الهيثمي في المجمع (9/387): "فيه بشير بن سريج وهو ضعيف".
[8939]:في ر، أ: "علي بن حماد".
[8940]:في ر: "فذكر نحوه"، وهو في المستدرك (3/642) وفيه صدقة بن هرمز ضعفه ابن معين وغيره.
[8941]:في ر: "إن ربي".
[8942]:أنظر القصيدة في: السيرة النبوية لابن هشام (1/386).
[8943]:في د: "كما فعل".
[8944]:صحيح مسلم برقم (2260).
[8945]:في ر: "تنفيرا بمجرد ملابسته باللمس".
[8946]:صحيح البخاري برقم (2236) وصحيح مسلم برقم (1581) من حديث جابر، رضي الله عنه.
[8947]:لم أجد هذا اللفظ في صحيح البخاري في مواضع روايته لحديث هرقل.
[8948]:في ر: "يذبح".
[8949]:في ر: "أشياء".
[8950]:زيادة من أ.
[8951]:في ر: "رياح".
[8952]:في د، ر: "فإنها".
[8953]:في ر: "بن".
[8954]:سنن أبي داود برقم (2820).
[8955]:في أ: "يقول: كان ابن عباس يقول".
[8956]:في د: "المتبارزين".
[8957]:سنن أبي داود برقم (3754)
[8958]:في ر: "وثاقها".
[8959]:في ر: "توقذها".
[8960]:رواه البخاري في صحيحه برقم (5475) ومسلم في صحيحه برقم (1929).
[8961]:زيادة من أ.
[8962]:سيأتى حديث عدي بن حاتم بتمامه.
[8963]:زيادة من أ.
[8964]:في ر: "بن".
[8965]:في أ: "رحمه الله".
[8966]:في ر، أ: "على".
[8967]:في ر، أ: " وأمشي عن الأصول".
[8968]:في ر: "فقال".
[8969]:في أ: "صلى الله عليه وسلم"
[8970]:رواه البخاري في صحيحه برقم (242) ومسلم في صحيحه برقم (2001) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
[8971]:في أ: "صلى الله عليه وسلم"
[8972]:في ر، أ: "بثقله".
[8973]:في ر: "لا تخلو"
[8974]:زيادة من ر، أ.
[8975]:في ر، أ: "بعرض".
[8976]:زيادة من أ.
[8977]:في ر: "عند كثير من العلماء".
[8978]:سنن أبي داود برقم (2852).
[8979]:تفسير الطبري (9/565) وفي إسناده مرفوعا محمد بن دينار الأزدي ضعيف
[8980]:في ر، أ: "من الطيور".
[8981]:في د: "حفص بن عياش".
[8982]:في أ: "يقول".
[8983]:في ر: "فقال".
[8984]:في ر: "قال".
[8985]:في أ: "مخصوص".
[8986]:صحيح البخاري برقم (2507) وصحيح مسلم برقم (1968).
[8987]:زيادة من د، ر.
[8988]:في ر، أ: "وقال".
[8989]:سنن الدارقطني (4/283) من طريق سعيد بن سلام، عن عبدالله بن بديل، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء على أورق يصيح في فجاج منى: "ألا إن الذكاة في الحلق واللبة، ألا ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق". وسعيد بن سلام ضعيف قال البخاري: يذكر بوضع الحديث، وروي موقوفا على عمر بن الخطاب. رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/278) من طريق يحيى بن أبي كثير، عن فرافصة الحنفي، عن عمر به.
[8990]:في ر: "فأما"، وفي أ: "وأما"
[8991]:المسند (4/334) وسنن أبي داود برقم (2825) وسنن الترمذي برقم (1481) وسنن النسائي (7/228) وسنن ابن ماجة برقم (3184).
[8992]:زيادة من ر.
[8993]:في أ: "وابن جرير".
[8994]:في ر: "وقال".
[8995]:في أ: "ولو كان قد ذكر".
[8996]:في أ: "من التبرك".
[8997]:في د، ر: "عطل".
[8998]:زيادة من ر، أ.
[8999]:صحيح البخاري برقم (4288).
[9000]:في أ: "لا يضرهم".
[9001]:في أ: "لا تكبر".
[9002]:صحيح البخاري برقم (3906).
[9003]:ورواه الطبراني في مسند الشاميين برقم (2104) وتمام الرازي في الفوائد برقم (1444) من طريق يحيى بن داود، عن إبراهيم بن يزيد به. قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/213): "رجاله ثقات إلا أنني أظن أن فيه انقطاعًا".
[9004]:زيادة من أ.
[9005]:زيادة من ر، وفي هـ: "إلى قوله".
[9006]:في د: "يعلمنا دعاء".
[9007]:في د: "الاستخارة في الأمور".
[9008]:في د: "تعلم أن".
[9009]:في أ: "ثم".
[9010]:في د: "تعلم أنه شر".
[9011]:المسند (3/344) وصحيح البخاري برقم (1162) وسنن أبي داود برقم (1538) وسنن الترمذي برقم (480) وسنن النسائي (6/80) وسنن ابن ماجة برقم (1383).
[9012]:في ر: "يورد"
[9013]:في د: "التحريش".
[9014]:في د: "كلمة" وهي قراءة.
[9015]:في د: "فلما كمل".
[9016]:في د: "تمت عليهم النعمة"
[9017]:زيادة من د.
[9018]:في د: "الذي أحبه الله ورضيه".
[9019]:في أ: "برداء"
[9020]:في ر: "ابن جرير".
[9021]:في د: "رواه".
[9022]:في ر: "إذ كمل".
[9023]:تفسير الطبري (9/519).
[9024]:رواه مسلم في صحيحه برقم (145) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وبرقم (146) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
[9025]:زيادة من أ.
[9026]:في أ: "قال".
[9027]:المسند (1/28) وصحيح البخاري برقم (45) وصحيح مسلم برقم (3017) وسنن الترمذي برقم (3043) وسنن النسائي (5/251).
[9028]:في أ: "لاتخذنا بها"
[9029]:في ر: "نزلت".
[9030]:صحيح البخاري برقم (4606).
[9031]:في ر: "نزلت".
[9032]:تفسير الطبري (9/525).
[9033]:زيادة من أ.
[9034]:في ر: "هاشم".
[9035]:في أ: "يوم".
[9036]:زيادة من أ.
[9037]:تفسير الطبري (9/530).
[9038]:في أ: "ورفع".
[9039]:المسند (1/277) وقال الهيثمي في المجمع (1/196): "فيه ابن لهيعة وهو ضعيف وبقية رجاله ثقات من أهل الصحيح".
[9040]:زيادة من أ.
[9041]:في ر: "غديرهم"
[9042]:وفي إسناده أبو هارون العبدي شيعي متروك، لكن تابعه عطية العوفي رواه الطبراني في الأوسط برقم (3737) "مجمع البحرين"، وحديث أبي هريرة رواه الطبراني في الأوسط برقم (3738) "مجمع البحرين". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: "ليس في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته فنقل عنه البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعفوه، ونقل عن أحمد بن حنبل أنه حسنه كما حسنه الترمذي". وقد جمع طرق هذا الحديث الشيخ ناصر الألباني في السلسلة الصحيحة (1750).
[9043]:في أ: "صلى الله عليه وسلم".
[9044]:زيادة من أ.
[9045]:في أ: "رحمهم".
[9046]:في أ: "الله".
[9047]:في د: "رخصه".
[9048]:المسند (2/108) وصحيح ابن حبان برقم (545) "موارد" وقال الهيثمي في المجمع (3/162): "رجاله رجال الصحيح".
[9049]:في د: "لفظ أحمد".
[9050]:المسند (2/71).
[9051]:في د: "نفسه"، وفي أ: "مهجة"
[9052]:زيادة من ر.
[9053]:في ر: "وصيدًا".
[9054]:في ر: "الأعوام".
[9055]:في أ: "يصيبنا".
[9056]:في أ: "يصيبنا".
[9057]:في أ: "تحتفنوا".
[9058]:المسند (5/218) وتفسير الطبري (9/538) ورواه الحاكم في المستدرك (4/125) من طريق الأوزاعي به وقال: "على شرطهما ولم يخرجاه". وتعقبه الذهبي فقال: "فيه انقطاع".
[9059]:رواهما الطبراني في المعجم الكبير (3/284) من طريق الأوزاعي به.
[9060]:رواهما الطبراني في المعجم الكبير (3/284) من طريق الأوزاعي به
[9061]:تفسير الطبري (9/542).
[9062]:في أ: "يزيد التيمي".
[9063]:زيادة من ر، أ.
[9064]:زيادة من أ.
[9065]:في أ: "عمن حدثه".
[9066]:في ر، أ: "يحل لك الطيبات ويحرم عليك الخبائث".
[9067]:زيادة من ر، أ.
[9068]:تفسير الطبري (9/540).
[9069]:في أ: "ولم".
[9070]:في أ: "تحتفنوا".
[9071]:في د: "ليلا".
[9072]:زيادة من ر.
[9073]:في أ: "تحتفؤوا".
[9074]:زيادة من أ.
[9075]:زيادة من ر، أ.
[9076]:في أ: "وهب بن عقبة بن وهب العامري".
[9077]:في أ: "عشوة".
[9078]:في د، ر، أ: "هذا".
[9079]:سنن أبي داود برقم (2817).
[9080]:في د: "فأخبر".
[9081]:سنن أبي داود برقم (2817).
[9082]:زيادة من ر.
[9083]:في أ: "لأن الترخص لا ينال".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (3)

{ حرمت عليكم الميتة } بيان ما يتلى عليكم ، والميتة ما فارقه الروح من غير تذكية . { والدم } أي الدم المسفوح لقوله تعالى : { أو دما مسفوحا } وكان أهل الجاهلية يصبونه في الأمعاء ويشوونها . { ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } أي رفع الصوت لغير الله به كقولهم : باسم اللات والعزى عند ذبحه . { والمنخنقة } أي التي ماتت بالخنق . { والموقوذة } المضروبة بنحو خشب ، أو حجر حتى تموت من وقذته إذا ضربته . { والمتردية } التي تردت من علو أو في بئر فماتت . { والنطيحة } التي نطحتها أخرى فماتت بالنطح والتاء فيها للنقل . { وما أكل السبع } وما أكل منه السبع فمات ، وهو يدل على أن جوارح الصيد إذا أكلت مما اصطادته لم تحل . { إلا ما ذكيتم } إلا ما أدركتم ذكاته وفيه حياة مستقرة من ذلك . وقيل الاستثناء مخصوص بما أكل السبع . والذكاة في الشرع لقطع الحلقوم والمريء بمحدد . { وما ذبح على النصب } النصب واحد الأنصاب وهي أحجار كانت منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويعدون ذلك قربة . وقيل هي الأصنام وعلى بمعنى اللام أو على أصلها بتقدير وما ذبح مسمى على الأصنام . وقيل هو جمع والواحد نصاب . { وأن تستقسموا بالأزلام } أي وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام ، وذلك أنهم إذا قصدوا فعلا ضربوا ثلاثة أقداح . مكتوب على أحدها ، أمرني ربي . وعلى الآخر : نهاني ربي . والثالث غفل ، فإن خرج الأمر مضوا على ذلك وإن خرج الناهي تجنبوا عنه وإن خرج الغفل أجلوها ثانيا ، فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم لهم بالأزلام . وقيل : هو استقسام الجزور بالأقداح على الأنصباء المعلومة وواحد الأزلام زلم كجمل وزلم كصرد . { ذلكم فسق } إشارة إلى الاستقسام ، وكونه فسقا لأنه دخول في علم الغيب وضلال باعتقاد أن ذلك طريق إليه ، وافتراء على الله سبحانه وتعالى إن أريد بربي الله ، وجهالة وشرك إن أريد به الصنم أو الميسر المحرم أو إلى تناول ما حرم عليهم . { اليوم } لم يرد به يوما بعينه وإنما أراد الزمان الحاضر وما يتصل به من الأزمنة الآتية . وقيل أراد يوم نزولها وقد نزلت بعد عصر يوم الجمعة في عرفة حجة الوداع . { يئس الذين كفروا من دينكم } أي من إبطاله ورجوعكم عنه بتحيل هذه الخبائث وغيرها أو من أن يغلبوكم عليه . { فلا تخشوهم } أن يظهروا عليكم . { واخشون } وأخلصوا الخشية لي . { اليوم أكملت لكم دينكم } بالنصر والإظهار على الأديان كلها ، أو بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على أصول الشرائع وقوانين الاجتهاد . { وأتممت عليكم نعمتي } بالهداية والتوفيق أو بإكمال الدين أو بفتح مكة وهدم منار الجاهلية . { ورضيت لكم الإسلام دينا } اخترته لكم دينا من بين الأديان وهو الدين عند الله لا غير . { فمن اضطر } متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض لما يوجب التجنب عنها ، وهو أن تناولها فسوق وحرمتها من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام المرضي والمعنى : فمن اضطر إلى تناول شيء من هذه المحرمات . { في مخمصة } مجاعة { غير متجانف لإثم } غير مائل له ومنحرف إليه بأن يأكلها تلذذا أو مجاوزا حد الرخصة كقوله : { غير باغ ولا عاد } . { فإن الله غفور رحيم } لا يؤاخذه بأكله .