قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ المَيْتَةُ } فيها تأويلان .
أحدهما : أنه كل ما له نفس سائلة من دواب البر وطيره .
والثاني ، أنه كل ما فارقته الحياة من دواب البر وطيره بغير ذكاة .
أحدهما : أن الحرام منه ما كان مسفوحاً كقوله تعالى : { أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } .
والثاني : أنه كل دم مسفوح وغير مسفوح ، إلا ما خصته السنة من الكبد والطحال ، فعلى القول الأول لا يحرم السمك ، وعلى الثاني يحرم{[780]} .
{ وَلَحْمُ الخِنزيرِ } فيه قولان :
أحدهما : أن التحريم يختص بلحم الخنزير دون شحمه ، وهذا قول داود .
والثاني : أنه يعم اللحم وما خالطه من شحم وغيره ، وهو قول الجمهور ، ولا فرق بين الأهلي منه والوحشي .
{ وَمآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } يعني ما ذبح ليغر الله من الأصنام والأوثان ، وأصله من استهلال الصبي إذا صاح حين يسقط من بطن أمه ، ومنه أهلال المُحْرِم بالحج والعمرة ، قال ابن أحمر :
يهل بالفرقد ركبانها *** كما يهل الراكب المعتمر
{ وَالمُنْخَنِقَةُ } فيها قولان :
أحدهما : أنها تخنق بحبل الصائد وغيره حتى تموت ، وهو قول السدي ، والضحاك .
والثاني : أنها التي توثق ، فيقتلها خناقها ، وهو قول قتادة .
{ وَالمَوقُوذَةُ } هي التي تضرب بالخشب حتى تموت ، يقال : ( وقذتها أقذها وقذاً ، وأوقذها أوقذها إيقاذاً ، إذا أثخنتها ضرباً ){[781]} ، ومنه قول الفرزدق :
شغارة تقذ الفصيل برجلها *** فطَّارة لقوادم الأبكار{[782]}
{ وَالمُتَردِيَةُ } هي التي تسقط من رأس جبل ، أو بئر حتى تموت .
{ وَالنَّطِيحَةُ } هي الشاة التي تنطحها أخرى حتى تموت .
{ وَمآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } فيه قولان :
أحدهما : يعنى من المنخنقة وما بعدها ، وهو قول علي رضي الله عنه ، وابن عباس ، وقتادة ، والحسن ، والجمهور .
والثاني : أنه عائد إلى ما أكل السبع خاصة ، وهو محكي عن الظاهرية . وفى مأكولة السبع التي تحل بالذكاة قولان :
أحدهما : أن تكون لها عين تطرف أو ذنب يتحرك .
والثاني : أن تكون فيها حركة{[783]} قوية لا كحركة المذبوح ، وهو قول الشافعي ، ومالك .
{ . . . . وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ }{[784]} معناه أن تطلبوا علم ما قُسمَ أو لم يُقَسَّم من رزق أو حاجة بالأزلام ، وهي قداح ثلاثة مكتوب على أحدها : أمرني ربي ، وعلى الآخر : نهاني ربي ، والثالث : غفل لا شيء عليه ، فكانوا إذا أرادوا سفراً ، أو غزواً ، ضربوا بها واستقسموا ، فإن خرج أمرني ربي فعلوه ، وإن خرج نهاني ربي تركوه ، وإن خرج الأبيض أعادوه ، فنهى الله عنه ، فَسُمِّي ذلك استقساماً ، لأنهم طلبوا به علم ما قُسِمَ لهم .
وقال أبو العباس المبرد : بل هو مشتق من قَسَم اليمين ، لأنهم التزموا ما يلتزمونه ، باليمين .
{ ذَالِكُمْ فِسْقٌ } أي خروج عن أمر الله وطاعته ، وفعل ما تقدم نهيه عنه .
{ اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ } فيه قولان :
أحدهما : أن ترتدوا عنه راجعين إلى دينهم .
والثاني : أن يقدروا على إبطاله ويقدحوا في صحته .
قال مجاهد : كان ذلك يوم عرفة حين حج{[785]} النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، بعد دخول العرب الإِسلام حتى لم ير النبي صلى الله عليه وسلم مشركاً .
{ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِي } أي لا تخشوهم أن يظهروا عليكم ، واخشونِي ، أن تخالفوا أمري .
{ اليَوْمَ أَكْمَلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فيه قولان :
أحدهما : أنه يوم عرفة في حجة الوداع ولم يعش [ الرسول صلى الله عليه وسلم ] بعد ذلك إلاَّ إحدى وثمانين ليلة ، وهذا قول ابن عباس : والسدي .
والثاني : أنه زمان النبي صلى الله عليه وسلم كله إلى أنْ نَزَل ذلك عليه يوم عرفة ، وهذا قول الحسن .
أحدهما : يعني أكملت فرائضي وحدودي وحلالي وحرامي ، ولم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم من الفرائض من تحليل ولا تحريم ، وهذا قول ابن عباس والسدي .
والثاني : يعني اليوم أكملت لكم حجتكم ، أن تحجوا البيت الحرام ، ولا يحج معكم مشرك ، وهذا قول قتادة ، وسعيد ابن جبير .
{ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } بإكمال دينكم .
{ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } أي رضيت لكم الاستسلام لأمري ديناً ، أي طاعة .
روى قبيصة{[786]} قال : قال كعب لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية ، لعظموا اليوم ، الذي أُنْزِلت فيه عليهم ، فاتخذوه عيداً يجتمعون فيه ، فقال عمر : قد علمت اليوم الذي أُنزلت فيه ، والمكان الذي نزلت فيه ، نزلت في يوم الجمعة ويوم عرفة ، وكلاهما - بحمد الله - لنا عيد .
{ فَمَنِ اضْطُرَّ } أي أصابه ضر الجوع .
{ فِي مَخْمَصَةٍ } أي في مجاعة ، وهي مَفْعَلة مثل مجهلة ومبخلة ومجبنة ومخزية من خمص البطن ، وهو اصطباره{[787]} من الجوع ، قال الأعشى :
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم *** وجاراتكم غرقى يبتن خماصا
{ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثمٍ } فيه قولان :
أحدهما : غير متعمد لإِثم ، وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد .
والثاني : غير مائل إلى إثم ، وأصله من جنف القوم إذا مالوا ، وكل أعوج عند العرب أجنف .
وقد روى الأوزاعي عن حسان عن عطية عن أبي واقد الليثي قال : قلنا يا رسول الله إنا بأرض يصيبنا فيها مخمصة ، فما يصلح لنا من الميتة ؟ قال : " إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَو تَغْتَبِقُوا أَوْ تَجْنِفُوا بها ، فَشَانُكُم بِّهَا " {[788]}
واختلف في وقت نزول هذه السورة على ثلاثة أقاويل .
أحدها : أنها نزلت في يوم عرفة ، روى شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت : نزلت سورة المائدة جميعاً وأنا آخذة بزمان ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء{[789]} وهو واقف بعرفة فكادت من ثقلها أن تدق عضد الناقة .
والثاني : أنها نزلت في مسيره صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وهو راكب ، فبركت به راحلته من ثقلها .
والثالث : أنها نزلت يوم الاثنين بالمدينة ، وهو قول ابن عباس ، وقد حُكِيَ عنه القول الأول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.