أهل لغير الله به : الإهلال : رفع الصوت . والمراد مما أهل لغير الله به : ما ذكر غير اسم الله عليه عند الذبح .
الموقوذة : هي التي ضربت حتى ماتت .
المتردية : ما سقطت من علو فماتت .
والنطيحة : ما نطحها غيرها حتى ماتت .
النصب : جمع نصاب . وقيل : واحد الأنصاب ، وهي أحجار نصبوها حول الكعبة . وكانوا يدبحون عليها ويعظمونها .
تستقسموا : تطلبوا معرفة ما قسم وقدر لكم .
بالأزلام : جمع زلم ، وتسمى القداح ، وهي سهام كانت عندهم في الجاهلية يطلبون بها معرفة ما قسم لهم بتناولها ، من نحو كيس وضعت فيه .
متجانف لإثم : مائل إلى الإثم ، من الجنف ، وهو : الميل .
3- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ . . . الآية .
بعد أن ذكر الله-سبحانه- أنه أحل بهيمة الأنعام ، شرع في بيان المحرمات منها التي استثناها بقوله : إلا ما يتلى عليكم . وهي عشرة أنواع :
1- الْمَيْتَةُ . وهي التي ماتت بدون تذكية مشروعة : لأن الغالب فيها : أنها ماتت من مرض فلا يحل أكلها ؛ لما فيها من الضرر ؛ ولأنها تعافها الأنفس .
2- وَالْدَّمُ . والمراد به : الدم السائل . وحكمة تحريمه أن فيه من الجراثيم والفضلات ما يؤدي من يتناوله . بخلاف المتجمد منه ، وهو الكبد وطحال وما يتخلل اللحم ، فإن هذه ليست من الدم المسفوح ، وليست محرمة .
3- وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ . والمراد ؛ لحمه ودهنه وكل شيء فيه . وذلك : لخبثه وللأضرار التي تنشأ عن أكله .
4- وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ . أصل معنى الإهلال : رفع الصوت ، وكان أهل الجاهلية يذبحون باسم أصنامهم ؛ رافعين أصواتهم بذلك .
والمراد منه : ما ذبح على غير اسم الله ؛ لأن الذبح لغير الله فيه تعظيم لذلك الغير . والآكل من هذا المذبوح مشارك في التعظيم لغير الله .
5- وَالْمُنْخَنِقَةُ . وهي التي ماتت خنقا ولم تذبح ، وذلك : لاحتباس الدم فيها سواء أكان الخنق بفعلها أم بفعل غيرها ، فإنها لا تحل .
6- وَالْمَوْقُوذَةُ . وهي التي قذفت بمنقل كالحجارة ونحوها ، حتى ماتت من الوقذ . أي : من الضرب ، ولم يذبح ذبحا شرعيا .
7- وَالْمُتَرَدِّيَةُ . وهي التي سقطت من مكان عال ، أو هوت في بئر فماتت من التردي .
8- وَالنَّطِيحَةُ . وهي التي نطحتها غيرها فأماتتها .
9- وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ . أي : ما افترسها السبع وأكل منها ، فلا يؤكل ما بقي ، وكذا الحكم لو افترسها فماتت ولم يأكل منها . وهذه الأنواع من المنخنقة- وما عطف عليها- إن أدركت وبها حياة فذكيت ذكاة شرعية ؛ حل أكلها .
واشترط الأحناف في الحياة . أن تكون فوق حياة المذبوح .
وقال غيرهم : يكتفي فيه أن تدرك وبها حياة في الجملة كأن تطرف عينها . أو تضرب برجلها أو غير ذلك . فمتى أدركها الإنسان وبها مثل هذا النوع من الحياة فذكاها- أي : ذبحها- حل أكلها .
10-وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ . والنصب حجارة نصبها أهل الجاهلية حول الكعبة . وكانوا يذبحون عليها ، تقربا للأصنام . وهو حرام ؛ لأن في هذا الذبح تعظيما للأصنام ، وهو إشراك بالله سبحانه وتعالى . وهذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى ، إنما حرمت لأن فيها إضرار بالصحة والعقيدة .
وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَم . كانوا يستقسمون بالأزلام ، أي : يطلبون معرفة ما لهم وما قدر عليهم ، عن طريق الأزلام .
والأزلام : قطع من الخشب عل هيئة السهام ، وتسمى القداح . وهي ثلاثة : مكتوب على أحدها : أمرني ربي ؛ وعلى الآخر : نهاني ربي . والثالث : غفل من الكتابة . وكانوا في الجاهلية إذا أراد احدهم سفرا ، أو غزوا ، أو زواجا أو بيعا أو نحو ذلك . أتي إلى بيت الأصنام أربابهم ؛ ليطلب معرفة ما قسم له من هذا الذي أراده : أيقدم عليه ؟ أم يحجم عنه ؟ فيحرك هذه الأزلام ، فإن خرج الذي عليه ، أمرني ربي ؛ أقدم على الفعل . وإن خرج على الذي عليه ، نهاني ربي ؛ أمسك . وإن خرج الثالث وهو الغفل ؛ أعاد ثانيا حتى يخرج الأمر أو الناهي .
وهذا من الخرافات والأوهام ، التي لا يقدم عليها إلا من سيطر على عقله الجهل . وجعل نفسه ألعوبة في أيدي الكهان ، ومن يدعون معرفة الغيب .
والإسلام بريء من ذلك ؛ فطلب معرفة الحظ- عن طريق التنجيم وضرب الرمل والودع ، وفنجان القهوة وما شابه ذلك- من الأمور التي لم يشرعها الله .
وإنما حرم الاستقسام ، ومعرفة النصيب على هذا الوجه وما شابهه ؛ لأن خروج ورقة أو نحوها : عليها أمرني ربي أو : نهاني ربي- رجم بالغيب ، وتقول على الله تعالى ؛ لأنه لا يمكن تعرف أمر الله أو نهيه بمثل هذا الطريق ؛ لأن الله لم يعط هذه الكائنات- أو غيرها- معرفة قدره الذي استأثر بعلمه . قال تعالى : وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ . ( لقمان : 34 ) ، فكيف نطلب العلم عن طريقها وفاقد الشيء لا يعطيه ؟
وإن أولئك الذي يلجأون إلى العرافين والمنجمين ونحوهم ، إنما يتركون جانب الله العليم القدير ، ويركنون إلى أدعياء يجهلون كل شيء عن مراد الله تعالى ، ويعرضون أنفسهم لسخط الله ، إلى جانب إهدار عقولهم وبذل أموالهم فيما يضرهم ولا ينفهم .
ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم- الاستخارة في الأمور كلها . وهي من الالتجاء إلى الله تعال : أن يقدر الخير لفاعلها ويرضيه به .
روى البخاري من حديث جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ، كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : " إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، و أستقدرك بقدرتك ، و أسألك من فضلك العظيم . فإنك تقدر و لا أقدر ، و تعلم و لا أعلم ، و أنت علام الغيوب . اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر-ويسمي حاجته- خير لي في ديني و معاشي و عاقبة أمري- أو قال : عاجل الأمر وآجله- فاقدره لي ، و يسره لي ، ثم بارك لي فيه . و إن كنت تعلم أن هذا الأمر- ويسمي حاجته- شر لي في ديني و معاشي ، وعاقبة أمري- أو قال : في عاجل أمري و آجله- فاصرفه عني و اصرفني عنه و أقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني - أو أرضني- به " {[178]} .
هذه الاستخارة المشروعة لمن أراد أن يوفقه الله لعمل الخير ، وخير العمل .
ذَلِكُمْ فِسْقٌ . المشار إليه ، هو : كل ما ذكر من المحرمات السابقة ؛ لان ارتكاب شيء منها خروج عن طاعة الله تعالى ، وعن دينه وشرعه . ولذلك كانت فسقا .
الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ . المراد باليوم : يوم نزول هذه الآية ، وهو عيشة عرفة : عام حجة الوداع كما رواه الشيخان عن عمر رضي الله عنه .
وقد أخبر سبحانه وتعالى ، عباده المؤمنين ، بان الكفار قد انقطع رجاؤهم من زوال دين الإسلام ، أو النيل منه ومن أتباعه . فقد بدل الله المؤمنين من ضعفهم قوة ، ومن خوفهم أمنا ، ومن فقرهم غنى . فوجب عليهم ألا يخشوا إلا الل ، ه وألا يرهبوا أحدا سواه .
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . وقد أكمل الله الدين لعباده ، فبين حلاله وحرامه . فليسوا في حاجة إلى تحليل أو تحريم بعد ذلك . وما كان من حكم غير منصوص ، جاء عن طريق : الإجماع ، أو القياس- فهو مستمد من الكتاب أو السنة .
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي . وأتم الله عليهم نعمة النصر على الأعداء ، والغلبة عليهم . فأصبحت لهم اليد العليا ، ودخلوا مكة ظافرين منتصرين ، وأدوا المناسك آمنين مطمئنين ، وهدمت معالم الجاهلية ، وأبطلت مناسكها ، وانتشر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية .
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا . واختار الله لهم الإسلام دينا . . فمن طلب الهدى في غيره ، فقد ضل سواء السبيل ، وخسر خسرانا مبينا : وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ . ( آل عمران : 85 ) .
وبنزول قوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا . عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسالته تمت ، وأن أجله اقترب ، وانه عما قريب –لاحق بالرفيق الأعلى .
فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . هذا الجزء من الآية يتصل بقوله تعالى : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ . إلى قوله : وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَم . وقد توسط قوله تعالى : ذلكم فسق . إلى هنا ؛ لتأكيد التحريم لما تقدم ذكره ؛ لأن تحريم هذه الخبائث ، من جملة الدين الكامل . أي : ما ذكر من المحرمات السابقة- محظور تناول أي شيء منه في حالة الاختيار ، ولكن قد يقع الإنسان في الأضرار بأن تصيبه مخمصة- أي مجاعة- فتضطروا إلى تناول شيء من هذه المحرمات ؛ إنقاذا لحياته لأنه لا يجد غيرها أمامه . فكان من رحمة الله بعباده : أن رفع الحرج عن المضطر ، إذا تناول شيئا من هذه المحرمات ، بشرط أن يكون غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ . أي : غير مائل إلى الإثم . وذلك بتجاوزه حد الضرورة . ولذلك ختمت الآية : فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . أي : لا يؤاخذ الله من يضطر إلى ذلك . وهذا من مظاهر رحمته سبحانه .
وقد قررت الآية مبدأين من مبادئ التشريع ، بني عليهما كثير من فروع الشريعة :
أولهما : أن الضرورات تبيح المحظورات .
ثانيهما : أن الضرورة تقدر بقدرها . . وهذا من يسر الإسلام وسماحته قال تعالى : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ . ( الحج : 78 )