هذا شروع في المحرّمات التي أشار إليها سبحانه بقوله : { إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ } . والميتة قد تقدّم ذكرها في البقرة ، وكذلك الدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل به لغير الله ، وما هنا من تحريم مطلق الدم مقيد بكونه مسفوحاً كما تقدّم ، حملاً للمطلق على المقيد ، وقد ورد في السنة تخصيص الميتة بقوله صلى الله عليه وسلم : «أحلّ لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان : فالحوت والجراد ، وأما الدمان : فالكبد والطحال » أخرجه الشافعي ، وأحمد ، وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وفي إسناده يقال ، ويقوّيه حديث : «هو الطهور ماؤه والحلّ ميتته » ، وهو عند أحمد وأهل السنن وغيرهم ، وصححه جماعة منهم ابن خزيمة وابن حبان ، وقد أطلنا الكلام عليه في شرحنا للمنتقى . والإهلال : رفع الصوت لغير الله كأن يقول : بسم اللات والعزى ونحو ذلك ، ولا حاجة بنا هنا إلى تكرير ما قد أسلفناه ، ففيه ما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره .
{ والمنخنقة } هي التي تموت بالخنق : وهو حبس النفس ، سواء كان ذلك بفعلها كأن تدخل رأسها في حبل أو بين عودين ، أو بفعل آدميّ أو غيره . وقد كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة ، فإذا ماتت أكلوها . { والموقوذة } هي التي تضرب بحجر أو عصا ، حتى تموت من غير تذكية ، يقال : وقَذَهَ يقَذُهَ وَقْذاً فهو وَقِيذٌ ، والوقذ : شدّة الضرب ، وفلان وقيذ ، أي مثخن ضرباً ، وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ، فيضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى تموت ثم يأكلونها ، ومنه قول الفرزدق :
شغارةٌ تقِذ الفَصيلَ بِرِجْلها *** فطارةٌ لِقَوادِمِ الأظْفَارِ
قال ابن عبد البر : واختلف العلماء قديماً وحديثاً في الصيد بالبندق والحجر والمعراض ، ويعني بالبندق : قوس البندقة ، وبالمعراض : السهم الذي لا ريش له . أو العصا التي رأسها محدّد ، قال : فمن ذهب إلى أنه وقيذ لم يجزه إلا ما أدرك ذكاته ، على ما روى عن ابن عمر ، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي ، وخالفهم الشاميون في ذلك . قال الأوزاعي في المعراض : كله خرق أو لم يخرق ، فقد كان أبو الدرداء وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عمر ومكحول لا يرون به بأساً . قال ابن عبد البرّ : هكذا ذكر الأوزاعي عن عبد الله بن عمر ، والمعروف عن ابن عمر ما ذكر مالك عن نافع ، قال : والأصل في هذا الباب والذي عليه العمل وفيه الحجة ، حديث عديّ بن حاتم ، وفيه : «ما أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ » انتهى .
قلت : والحديث في الصحيحين وغيرهما . عن عديّ قال : قلت : يا رسول الله ، إني أرمي بالمعراض الصيد ، فأصيب فقال : «إذا رميت بالمعراض فخرق فكله ، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله »
فقد اعتبر صلى الله عليه وسلم الخرق وعدمه ، فالحق : أنه لا يحلّ إلا ما خرق لا ما صدم ، فلا بد من التذكية قبل الموت وإلا كان وقيذاً . وأما البنادق المعروفة الآن : وهي بنادق الحديد التي تجعل فيها البارود والرصاص ويرمى بها ، فلم يتكلم عليها أهل العلم لتأخر حدوثها ، فإنها لم تصل إلى الديار اليمنية إلا في المائة العاشرة من الهجرة ، وقد سألني جماعة من أهل العلم عن الصيد بها إذا مات ولم يتمكن الصائد من تذكيته حياً ؟ والذي يظهر لي أنه حلال ؛ لأنها تخرق وتدخل في الغالب من جانب منه وتخرج من الجانب الآخر ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح السابق : " إذا رميت بالمعراض فخرق فكله " ، فاعتبر الخرق في تحليل الصيد .
قوله : { والمتردية } هي التي تتردى من علو إلى أسفل فتموت ، من غير فرق بين أن تتردّى من جبل ، أو بئر ، أو مدفن ، أو غيرها ، والتردّي مأخوذ من الردى وهو الهلاك ، وسواء تردّت بنفسها أو ردّها غيرها . قوله : { والنطيحة } هي فعيلة بمعنى مفعولة ، وهي التي تنطحها أخرى فتموت من دون تذكية ، وقال قوم أيضاً : فعيلة بمعنى فاعلة ، لأن الدابتين تتناطحان فتموتان ، وقال : نطيحة ولم يقل : نطيح مع أنه قياس فعيل ، لأن لزوم الحذف مختص بما كان من هذا الباب ، صفة لموصوف مذكور ، فإن لم يذكر ثبتت التاء للنقل من الوصفية إلى الإسمية . وقرأ أبو ميسرة «والمنطوحة » .
قوله : { وَمَا أَكَلَ السبع } أي : ما افترسه ذو ناب كالأسد ، والنمر ، والذئب ، والضبع ، ونحوها ، والمراد هنا : ما أكل منه السبع ، لأن ما أكله السبع كله قد فني ، ومن العرب من يخص اسم السبع بالأسد ، وكانت العرب إذا أكل السبع شاة ، ثم خلصوها منه أكلوها ، وإن ماتت ، ولم يذكوها . وقرأ الحسن أبو حيوة " السبع " بسكون الباء ، وهي لغة لأهل نجد ومنه قول حسان في عتبة بن أبي لهب :
من يرجع العامَ إلى أهله *** فَما أكِيلُ السّبْع بالرَّاجعِ
وقرأ ابن مسعود «وأكيلة السبع » . وقرأ ابن عباس : «وأكيل السبع » . قوله : { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } في محل نصب على الاستثناء المتصل عند الجمهور ، وهو راجع على ما أدركت ذكاته من المذكورات سابقاً ، وفيه حياة ، وقال المدنيون : وهو المشهور من مذهب مالك ، وهو أحد قولي الشافعي أنه : إذا بلغ السبع منها إلى ما لا حياة معه فإنها لا تؤكل . وحكاه في الموطأ عن زيد بن ثابت ، وإليه ذهب إسماعيل القاضي ، فيكون الاستثناء على هذا القول منقطعاً ، أي حرمت عليكم هذه الأشياء ، لكن ما ذكيتم فهو الذي يحلّ ولا يحرم ، والأوّل أولى . والذكاة في كلام العرب : الذبح ، قاله قطرب وغيره . وأصل الذكاة في اللغة : التمام ، أي تمام استكمال القوّة ، والذكاء حدة القلب ، والذكاء سرعة الفطنة ، والذكوة ما تذكى منه النار ، ومنه أذكيت الحرب والنار : أوقدتهما ، وذكاء اسم الشمس ، والمراد هنا : إلا ما أدركتم ذكاته على التمام ، والتذكية في الشرع : عبارة عن إنهار الدم ، وفري الأوداج في المذبوح ، والنحر في المنحور ، والعقر في غير المقدور ، مقروناً بالقصد لله ، وذكر اسمه عليه .
وأما الآلة التي تقع بها الذكاة : فذهب الجمهور إلى أن كل ما أنهر الدم ، وفري الأوداج فهو آلة للذكاة ما خلا السن والعظم ، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة .
قوله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب } قال ابن فارس : النصب : حجر كان ينصب فيعبد ويصبّ عليه دماء الذبائح . والنصائب حجارة تنصب حوالي شفير البئر فتجعل عضائد . وقيل : النصب : جمع واحده نصاب ، كحمار وحمر . وقرأ طلحة بضم النون وسكون الصاد . وروى عن أبي عمرو بفتح النون وسكون الصاد . وقرأ الجحدري بفتح النون والصاد ، جعله اسماً موحداً كالجبل والجمل ، والجمع أنصاب كالأجبال والأجمال ، قال مجاهد : هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها . قال ابن جريج : كانت العرب تذبح بمكة ، وتنضح بالدم ما أقبل من البيت ، ويشرّحون اللحم ويضعونه على الحجارة ، فلما جاء الإسلام قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم : نحن أحقّ أن نعظم هذا البيت بهذه الأفعال ، فأنزل الله { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب } والمعنى : والنية بذلك تعظيم النصب لا أن الذبح عليها غير جائز ، ولهذا قيل : إن «على » بمعنى اللام : أي لأجلها . قاله قطرب ، وهو على هذا داخل فيما أهلّ به لغير الله ، وخصّ بالذكر لتأكيد تحريمه ، ولدفع ما كانوا يظنونه من أن ذلك لتشريف البيت وتعظيمه .
قوله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام } معطوف على ما قبله ، أي وحرّم عليكم الاستقسام بالأزلام ، والأزلام : قداح الميسر واحدها : زلم ، قال الشاعر :
بات يقاسيها غلام كلذم *** ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزار على لحم وضم *** . . .
فلئن جذيمة قتلت ساداتها *** فنساؤها يضربن بالأزلام
والأزلام للعرب ثلاثة أنواع : أحدها : مكتوب فيه افعل ، والآخر : مكتوب فيه لا تفعل ، والثالث : مهمل لا شيء عليه ، فيجعلها في خريطة معه ، إذا أراد فعل شيء أدخل يده وهي متشابهة فأخرج واحداً منها ، فإن خرج الأوّل فعل ما عزم عليه ، وإن خرج الثاني تركه ، وإن خرج الثالث أعاد الضرب حتى يخرج واحد من الأوّلين . وإنما قيل لهذا الفعل استقسام ؛ لأنهم كانوا يستقسمون به الرزق ، وما يريدون فعله ، كما يقال استسقى : أي استدعى السقي ، فالاستقسام : طلب القسم والنصيب . وجملة قداح الميسر عشرة ، وقد قدّمنا بيانها ، وكانوا يضربون بها في المقامرة ، وقيل : إن الأزلام كعاب فارس والروم التي يتقامرون بها ، وقيل : هي الشطرنج ، وإنما حرّم الله والاستقسام بالأزلام ؛ لأنه تعرّض لدعوى علم الغيب ، وضرب من الكهانة .
قوله : { ذلكم فِسْقٌ } إشارة إلى الاستقسام بالأزلام ، أو إلى جميع المحرمات المذكورة هنا .
والفسق : الخروج عن الحدّ ، وقد تقدّم بيان معناه ، وفي هذا وعيد شديد ؛ لأن الفسق هو أشدّ الكفر ، لا ما وقع عليه اصطلاح قوم من أنه منزلة متوسطة بين الإيمان والكفر . قوله : { اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } المراد : اليوم الذي نزلت فيه الآية ، وهو يوم فتح مكة ، لثمان بقين من رمضان ، سنة تسع . وقيل : سنة ثمان ؛ وقيل المراد باليوم : الزمان الحاضر وما يتصل به ، ولم يرد يوماً معيناً . و { يئس } فيه لغتان ييس بياءين يأساً ، وأيس يأيس إياساً وإياسة . قاله النضر بن شميل ، أي حصل لهم اليأس من إبطال دينكم ، وأن يردوكم إلى دينهم ، كما كانوا يزعمون { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } أي لا تخافوا منهم أن يغلبوكم أو يبطلوا دينكم { واخشون } فأنا القادر على كل شيء ، إن نصرتكم فلا غالب لكم ، وإن خذلتكم لم يستطع غيري أن ينصركم .
قوله : { اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } جعلته كاملاً غير محتاج إلى إكمال لظهوره على الأديان كلها وغلبته لها ، ولكمال أحكامه التي يحتاج المسلمون إليها من الحلال والحرام والمشتبه ، ووفى ما تضمنه الكتاب والسنة من ذلك ، ولا يخفى ما يستفاد من تقديم قوله : { لَكُمْ } . قال الجمهور : المراد بالإكمال هنا : نزول معظم الفرائض والتحليل والتحريم . قالوا : وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآية «الربا » وآية «الكلالة » ونحوهما . والمراد باليوم المذكور هنا : هو يوم الجمعة ، وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر ، هكذا ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب . وقيل : إنها نزلت في يوم الحجّ الأكبر .
قوله : { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى } بإكمال الدين المشتمل على الأحكام ، وبفتح مكة وقهر الكفار ، وإياسهم عن الظهور عليكم ، كما وعدتكم بقولي : { وَلأِتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } قوله : { وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً } أي أخبرتكم برضاي به لكم فإنه سبحانه لم يزل راضياً لأمة نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسلام فلا يكون لاختصاص الرضا بهذا اليوم كثير فائدة ، إن حملناه على ظاهره ، ويحتمل أن يريد رضيت لكم الإسلام الذي أنتم عليه اليوم { ديناً } باقياً إلى انقضاء أيام الدنيا . وديناً منتصب على التمييز ، ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً .
قوله : { فَمَنِ اضطر فِى مَخْمَصَةٍ } هذا متصل بذكر المحرمات ، وما بينهما اعتراض ، أي من دعته الضرورة { فِى مَخْمَصَةٍ } أي مجاعة إلى أكل الميتة وما بعدها من المحرّمات . والخمص : ضمور البطن ، ورجل خميص وخمصان ، وامرأة خميصة وخمصانة ، ومنه أخمص القدم ، ويستعمل كثيراً في الجوع ، قال الأعشى :
تبيتون في المشتاء ملأى بطونكم *** وجاراتكم غرثى يبتن خمائصاً قوله : { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ } الجنف : الميل ، والإثم : الحرام أي حال كون المضطرّ في مخمصة غير مائل لإثم ، وهو بمعنى غير باغ ولا عاد ، وكل مائل فهو متجانف وجنف .
وقرأ النخعي ويحيى بن وثاب والسلمي : «متجنف » ، { فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } به لا يؤاخذه بما ألجأته إليه الضرورة في الجوع مع عدم ميله بأكل ما حرّم عليه إلى الإثم ، بأن يكون باغياً على غيره ، أو متعدياً لما دعت إليه الضرورة حسبما تقدّم .
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، والحاكم وصححه عن أبي أمامة قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله ، وأعرض عليهم شعائر الإسلام ، فبينما نحن كذلك ، إذ جاءوا بقصعة دم واجتمعوا عليها يأكلونها ، قالوا : هلم يا صدي ، فكل ، قلت : ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرّم هذا عليكم ، لما أنزل الله عليه ، قالوا : وما ذاك ؟ قال : فتلوت عليهم هذه الآية : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ } قال : وما أهلّ للطواغيت به { والمنخنقة } قال : التي تخنق فتموت . { والموقوذة } قال : الشاة التي تنطح الشاة { وَمَا أَكَلَ السبع } يقول : ما أخذ السبع ، { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } يقول : ذبحتم من ذلك ، وبه روح فكلوه { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب } قال : النصب : أنصاب كانوا يذبحون ويهلون عليها { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام } قال : هي القداح كانوا يستقسمون بها في الأمور . { ذلكم فِسْقٌ } يعني : من أكل ذلك كله فهو فسق . وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : الرداة التي تتردّى في البئر . والمتردية التي تتردى من الجبل .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام } قال : حصى بيض كانوا يضربون بها . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في الآية قال : كانوا إذا أرادوا أمراً أو سفراً يعمدون إلى قداح ثلاثة ، يكتبون على واحد منها : أمرني ، وعلى الآخر : نهاني ، ويتركون الثالث مخللاً بينهما ليس عليه شيء ثم يجيلونها ، فإن خرج الذي عليه : أمرني مضوا لأمرهم . وإن خرج الذي عليه : نهاني كفوا ، وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } قال : يئسوا أن يرجعوا إلى دينهم أبداً . وأخرج البيهقي عنه في الآية قال : يقول يئس أهل مكة أن يرجعوا إلى دينهم عبادة ، الأوثان أبداً { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } في اتباع محمد { واخشون } في عبادة الأوثان وتكذيب محمد ، فلما كان واقفاً بعرفات نزل عليه جبريل وهو رافع يديه والمسلمون يدعون الله { اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يقول : حلالكم وحرامكم ، فلن ينزل بعد هذا حلال ولا حرام { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى } قال : منتي ، فلم يحج معكم مشرك { وَرَضِيتُ } يقول : اخترت { لَكُمُ الإسلام دِيناً } فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية أحداً وثمانين يوماً ، ثم قبضه الله إليه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال : أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً ، وقد أتمه فلا ينقص أبداً ، وقد رضيه فلا يسخطه أبداً . وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن طارق بن شهاب قال : قالت اليهود لعمر : إنكم تقرأون آية في كتابكم ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ، قال : وأيّ آية ؟ قالوا : { اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } قال عمر : والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والساعة التي نزلت فيها ، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في يوم جمعة . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { فَمَنِ اضطر } يعني : إلى ما حرّم مما سمي في صدر هذه السورة : { فِى مَخْمَصَةٍ } يعني : في مجاعة { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } يقول : غير متعمد لإثم .