جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (3)

{ حرّمت عليكم الميتة والدم } أي : المسفوح{[1191]} . { ولحم الخنزير وما أُهل لغير الله{[1192]} به } لقوله عند الذبح : بسم اللات والعزى ، والإهلال : رفع الصوت { والمُنخنقة } : التي ماتت بالخنق { والموقوذة } هي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد حتى تموت ، وذلك من عادات الجاهلية { والمُتردّية } التي أطيحت{[1193]} من موضع فماتت { والنطيحة } كشاتين تناطحتا فماتتا أو ماتت إحداهما ، والتاء فيها للنقل { وما أكل السبُع } : منه فمات { إلا ما ذكّيتم } إلا ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء ، وفيه حياة{[1194]} مستقرة فإنه حلال { وما ذُبح على النّصب{[1195]} } هي حجارة حول البيت يذبحون عندها وينضحونها بدماء تلك الذبائح ، ويشرحون اللحم ويضعونه على النصب ، فحرّم الله أكل هذا اللحم وإن ذكر عليها اسم الله لما فيه من الشرك ، وقال بعضهم : هي الأصنام ومعناه : ما ذبح على النصب ، وعلى هذا هو وما أهل لغير الله واحد { وأن تستقسموا بالأزلام } أي : حرم الاستقسام بالأزلام وهي عبارة عن قداح مكتوب في بعضها افعل وفي بعضها لا تفعل ، وبعضها غفل لا شيء عليه ، يستقسمون بها في الأمور فإذا خرج الأمر فعلوه وإذا خرج الناهي تركوه وإذا خرج الغفل أجالوها ثانيا { ذلكم فسق } أي : تعاطيه فسق وضلالة وجهالة { اليوم } أريد به الأزمان الحاضرة { يئس الذين كفروا من دينكم } : من إبطاله بأن ترجعوا إلى دينهم { فلا تخشوهم } : بعد ما أظهرت دينكم { واخشون } : أخلصوا الخشية لي { اليوم } قيل المراد يوم النزول يوم عرفة في حجة الوداع { أكملت{[1196]} لكم دينكم } فلا زيادة بعده ولم ينزل بعده حرام ولا حلال { وأتممت عليكم نعمتي } : بالهداية وإكمال الدين { ورضيت } اخترت { لكم الإسلام دينا } من بين الأديان فلا أسخطه أبدا ، ودينا ، إما حال أو تمييز ، { فمن اضطُرّ } إلى تناول شيء من هذه المحرمات وهو متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض { في مخمصة } : مجاعة { غير مُتجانف لإثم } غير مائل لمعصية بأن يأكلها تلذذا أو مجاوزا حد الرخصة { فإن الله غفور رحيم } حيث رخص فلا يؤاخذه به .


[1191]:أي: المصبوب السائل/12.
[1192]:فإنه وإن ذكر معه اسم الله فقد عارض المطهر فيه المنجس مع نجاسته بالموت وإن لم يذكر فقد زيد في تنجيسه/12 تبصير الرحمن.
[1193]:تطاوحت بهم النوى: أي ترامت/12 صراح.
[1194]:قال الشوكاني: وأما البنادق المعروفة الآن وهي بنادق الحديد التي يجعل فيها البارود والرصاص ويرمي بها فلم يتكلم عليها أهل العلم لتأخر حدوثها، فإنها لم تصل إلى الديار اليمنية إلا في المائة العاشرة من الهجرة وقد سألني جماعة من أهل العلم عن الصيد بها إذا مات ولم يتمكن الصائد من تزكيته حيًّا، والذي يظهر لي أنه حلال لأنها تخرق وتدخل في الغالب من جانب منه وتخرج من جانب الآخر، وفي الحديث الصحيح في الصحيحين: (إذا رميت بالمعراض فخرق فكله) فاعتبر الخرق في تحليل الصيد/12 فتح. [أخرجه البخاري (5477) ومسلم (4/590) ط الشعب].
[1195]:وإن لم يسمع فيه إهلال غير الله وزعم صاحبه أنه ذبح لله فلا يسمع منه. هذا ما في تبصير الرحمن، والأنصاب: جمع نُصُب بضمتين أو جمع نَصْب بالفتح والسكون، وهو كل ما نصب وعبد من دون الله تعالى من شجر أو حجر أو قبر أو غير ذلك، هذا في مجالس الأبرار، وقال الشيخ ولي الله الدهلوي في الترجمة الفارسية: المشهور بفتح الرحمن وحرام است انجه ذبح كرده باشيد برنشا نهائى معبود باطل مترجم كَويد يعني برصورت وقبر والله أعلم، وفي الحديث الذي رواه أبو داود: (لا عقر في الإسلام قال أبو داود: قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر يعني ببقرة أو بشيء، وقال الشوكاني: قال بعض أهل العلم: إن إراقة دماء الأنعام عبادة؛ لأنها إما هدي أو أضحية أو نسك، وكذلك ما يذبح للبيع لأنه مكسب حلال فهو عبادة لا تكون إلا لله فإراقة دماء الأنعام لا تكون إلا لله ودليل الكبرى قوله تعالى: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (هود: 50) و(فإياي فاعبدون) (العنكبوت: 56) و(وإياك نعبد) (الفاتحة: 5) و(قضى غيره)(هود: 50) و(فإياي فاعبدون) (العنكبوت: 56) و(إياك نعبد) (الفاتحة: 5) و(قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) (الإسراء: 23) (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (البينة: 5) انتهى. أقول: ودليل الصغرى قوله تعالى: (فصل لربك وانحر) (الكوثر: 2) (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) (الأنعام: 162) وفي حديث مسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله)، وأخرج أحمد عن طارق بن شهاب قال: (مر رجلا، على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب إليه شيئا فقالوا لأحدهم: قرّب ولو ذبابا فقرب ذبابا فخلوا سبيله فدخل النار قالوا للآخر قرب فقال: ما كنت أقرب لأحد غير الله عز وجل فضربوا عنقه فدخل الجنة. وفي حديث آخر رواه أبو داود: (اذبحوا لله في أي شهر) كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله رجل العتيرة وفي التفسير النيسابوري قال العلماء: ولو مسلما ذبح ذبيحة وقصد بذبحها التقرب إلى غير الله صار مرتدا ذبيحته ذبيحة مرتد، وفي الدر المختار ذبح لقدوم الأمير ونحوه كواحد من العظماء يحرم لأنه أهل به لغير الله ولو ذكر اسم الله تعالى عليه ومثل هذا في القاضي خان والعالمكيرية وفتاوى الإبراهيم الشامي وقد ذكرنا عبارة الصراط في البقرة فارجع إليها تجدها شافية مغنية في المسألة/12.
[1196]:إذ لو بقي بعضها غير مبين الحكم لم يكن الدين كاملا وإذا حصل النص في الوقائع وفي الآية دلالة على بطلان القياس وعلى أنه تعالى قد نص على الحكم في جميع الوقائع إذ لو بقي بعضها غير مبين الحكم لم يكن الدين كاملا وإذا حصل النص في جميع الوقائع فالقياس إن كان على وفق ذلك النص كان عبثا وإن كان على خلافه كان باطلا، وقد أجاب مثبتو القياس عن هذا بما لا يكفي في الجواب والله أعلم بالصواب/12 فتح البيان.