التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (3)

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ ( 1 ) وَالْمُنْخَنِقَةُ ( 2 ) وَالْمَوْقُوذَةُ ( 3 ) وَالْمُتَرَدِّيَةُ ( 4 ) وَالنَّطِيحَةُ ( 5 ) وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ( 6 ) إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ( 7 ) وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ( 8 ) وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ( 9 ) ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ ( 10 ) غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ( 11 ) فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 3 ) } ( 3 ) .

( 1 ) وما أهل لغير الله به : وما ذبح باسم غير الله أو ما ذكر حين ذبحه اسم غير اسم الله .

( 2 ) المخنقة : المخنوقة أو الميتة خنقا .

( 3 ) الموقوذة : الميتة من الطعن والنخز والضرب .

( 4 ) المتردية : الميتة بسبب سقوطها من محل مرتفع .

( 5 ) النطيحة : الميتة بسبب نطح حيوان آخر لها .

( 6 ) وما أكل السبع : الذي يأكله وحش ضار .

( 7 ) إلا ما ذكيتم : باستثناء ما ذبحتموه ذبحا شرعيا وذكرتم اسم الله عليه قبل أن يموت من تأثير العوارض المذكورة .

( 8 ) وما ذبح على النصب : وما ذبح عند الأوثان .

( 9 ) وان تستقسموا بالأزلام : الأزلام : هي سهام كانوا يلقونه على سبيل المراهنة أو الاقتراع أو الاستخارة . والاستقسام : هو الاقتراع أو الاستخارة أو المراهنة . وسيأتي شرح ذلك بعد .

( 10 ) في مخمصة : في مجاعة .

( 11 ) غير متجانف لإثم : غير قاصد مقارفة الإثم أو متعمد له .

في الآية :

( 1 ) بيان حالات الأنعام التي حرم الله أكلها على المسلمين . وهي التي تموت ميتة طبيعية . أو خنقا . أو سقوطا من محل مرتفع ، أو نطحا . أو ضربا ووقذا ، أو من نهش وحش ضار مفترس ، أو التي يذكر غير اسم الله عليها حين ذبحها . أو التي تذبح عند الأوثان كقربان لها ، أو التي يستقسم عليها بالأزلام . والدم ولحم الخنزير . مع استثناء أمرين في صدد محرمات الأنعام المذكورة حالاتها ( الأول ) في حالة بقاء رمق حياة في البهيمة التي تتعرض للموت خنقا أو سقوطا أو نطحا أو وقذا أو نهشا ؛ حيث يحل أكلها إذا ذبحت ذبحا شرعيا وذكر عليها اسم الله . ( والثاني ) في حالة الجوع الملجئ على شرط أن لا يتجاوز الأكل إلى أكثر من دفع الحاجة والخطر ، وأن لا يكون فيه تعمد إثم ومعصية .

( 2 ) إيذان تنويهي وجه الخطاب فيه إلى المسلمين بما كان من إكمال الله لهم دينهم وإتمام نعمته عليهم وارتضاء الإسلام لهم دينا ، ويأس الكفار منهم بعد ذلك . مع هتاف لهم بعدم خشيتهم من الكفار وبخشية الله تعالى وحده .

ومن المحتمل أن تكون جملة { ذلكم فسق } التي هي بمعنى العصيان والتمرد على الله خاصة بالمحرمين الأخيرين ، وهما ما أهل به لغير الله والاستقسام بالأزلام ، كما أن من المحتمل أن تكون شاملة لجميع المحرمات على الاعتبار نفسه ، والعبارة تتحمل الاحتمالين . وقد تتحمل الاحتمال الأخير أكثر ؛ لأنها جاءت بعد ذكر جميع المحرمات . غير أن آية الأنعام ( 145 ) احتوت وصفين للنوعين ؛ حيث وصف الدم ولحم الخنزير والميتة بأنها رجس أي نجسة ووصفت ما أهل لغير الله به بأنه فسق حيث يمكن الاستئناس بهذا على أن الجملة هي خاصة بالمحرمين الأخيرين والله أعلم .

تعليق على الآية :

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ . . . . . . . . . . . . . . . . . } الخ

وما فيها من أحكام وتلقين ، وما ورد في صددها من أقوال وأحاديث وتمحيص مسألة تاريخ الإنشاء نزول : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي }

وتعليق على مدى متناولها

لم يرو المفسرون مناسبة خاصة لنزول الآية كمجموعة . وإنما رووا روايات في صدد نزول مقطع : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } أو هذا المقطع مع المقطع الذي قبله : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } حيث روى الطبري عزوا إلى ابن عباس والسدي ومجاهد وقتادة وابن جريج أنه أو أنهما نزلا في حجة الوداع في يوم عرفة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يلقي خطبة على المسلمين ؛ حيث نظر أمامه فلم ير إلا موحدا ولم ير مشركا ، فحمد الله فنزل عليه جبريل بالمقطع أو المقطعين . وأنه لم يعش بعد نزولها إلا نحو ثمانين ليلة . ومما رواه الطبري في صدد ذلك أنه لما نزلت الآية أو المقطعان . منها يوم الحج الأكبر بكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما يبكيك ؟ فقال : أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا ، فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص . قال له : صدقت . وروى كذلك حوارا جرى بين عمر وبين كعب الأحبار رواه الشيخان والترمذي بهذه الصيغة : ( قال رجل من اليهود لعمر بن الخطاب لو علينا أنزلت هذه الآية : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } لاتخذنا ذلك عيدا . فقال عمر : إني أعلم أي يوم أنزلت هذه الآية . أنزلت يوم عرفة في يوم جمعة ) ( 1 ){[721]}وفي رواية الطبري زيادة غير اسم كعب ، وهي قول عمر ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد .

وننبه على أن الطبري روى حوارا مماثلا لما روي بين عمر وكعب جرى بين ابن عباس ويهودي أيضا .

ويلحظ أن الروايات مع ذكرها كلمة : { اليوم } لم تذكر إلا المقطعين غير مترافقين مع ما قبلها ومع ما بعدها ، مع أنهما جزء من آية سبقه آية فيها تشريعات في صدد الحالات المحرمة من الأطعمة الحيوانية ولحقه مقطع ذو صلة وثيقة بالمقاطع السابقة له ، بحيث لا يفهم أية حكمة من إدماج هذا الجزء في آية يتصل أولها بآخرها اتصالا موضوعيا وثيقا لو كان نزل لحدته . وقد يقال ما دام قد ذكر ( الآية ) فيكون المراد بذلك جميع الآية ، وأن اختصاص ذكر هذا الجزء في الروايات لا يعني بالضرورة نزوله منفردا عنها ، وهذا وارد . ولكن يرد معه أن الموضوع الرئيسي الذي احتوته الآية متصل بالآية الأولى من السورة اتصال توضيح وتفسير عبرت عنه جملة : { إلا ما يتلى عليكم } في هذه الآية التي قال جمهور المؤولين والمفسرين : إنها تعني ما جاء في الآية الثالثة من السورة ، وهذا يجعل احتمال نزول هذه الآية مع الآيتين السابقتين لها قوي الورود . وبقية الآية بخاصة تقوي ذلك . والآيتان السابقتان وبخاصة الثانية قد نزلتا على ما رجحناه استلهاما من فحواها بعد وقت قصير من صلح الحديبية الذي بينه وبين حجة الوداع نحو أربع سنين . وهذا يحمل على التوقف في التسليم بالروايات المروية عن نزول الآية أو المقطعين يوم عرفة في حجة الوداع . ويسوغ الترجيح بأن ما جاء في الآية من أحكام عن محرمات الذبائح هو إتمام وتوضيح لجملة : { أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } في الآية الأولى من السورة ، وبأن الآية الثالثة مع المقطعين نزلت مع الآيتين السابقتين لها ، وبأن حكمة التنزيل استهدفت بالمقطعين تدعيم الأوامر والنواهي والأحكام التي احتوتها الآيات الثلاث وتثبيت قلوب المسلمين حولها وحول الدين العظيم الذي جاءت لبيان مداه . وبأن من المحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلا المقطعين في حجة الوداع في عرفة الذي يمكن أن يكون قد صادف يوم الجمعة ، فالتبس الأمر على الرواة . وقد يتبادر لنا احتمال آخر ، وهو أن تكون الآيات الثلاث نزلت أثناء زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين للكعبة في السنة التالية لصلح الحديبية حسب الشروط التي تم الاتفاق عليها مع قريش ؛ حيث اقتضت حكمة التنزيل تنزيلها آمرة بالوفاء بالعهود ، ومنبهة على ما يحسن بالمسلمين وموضحة ما هو حلال لهم وحرام عليهم من الصيد والذبائح وهاتفة بهم ، فإن الله قد أكمل لهم دينهم وأتم عليهم نعمته ، وبأن الكفار قد يئسوا من إطفاء نور دينهم والتغلب عليهم ، فالتبس الأمر على الرواة . وهذا التخريج أو ذاك يشمل ما رواه الشيخان والترمذي من حوار بين عمر بن الخطاب واليهودي . والله تعالى أعلم . ومما يحسن التنبيه عليه أن الآية الخامسة من السورة احتوت كلمة : { اليوم } مع احتوائها أحكاما وتشريعات جديدة . ولم يرد في آية رواية أنها نزلت مع المقطعين ، أو مع الآية التي فيها المقطعان ، وفحوى الآية الرابعة التي قبلها يفيد أنها نزلت هي والآية الخامسة معا بسبب سؤال عن بعض الأمور أورد من بعض المسلمين نتيجة لما احتوته الآيات السابقة من أحكام واحتوت هي الأخرى أحكاما جديدة ؛ حيث يسوغ القول إن كلمة { اليوم } في الآية الثالثة والآية الخامسة معا أسلوبية .

ولقد روى الطبري عن ابن عباس أن كلمة { اليوم } لا تعني يوما بعينه . وقال الزمخشري : إن المراد هو الزمان والحاضر وما يدانيه ويتصل به ، كقولك : كنت بالأمس شابا وأنت اليوم أشيب ؛ حيث لا يراد بهذا تخصيص الأمس واليوم بمدلولهما الزمني . وهذا مما يؤيد قولنا : إن الكلمة أسلوبية .

ولقد عقب الطبري على تأويل المؤولين بأن الآية أو مقطعيها عنت إكمال فرائض الله وما للمسلمين من حاجة من أمر دينهم بعدها قائلا : ( إنه لا يدفع ذو علم أن الوحي لم ينقطع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن قبض ، بل كان قبل وفاته أكثر تتابعا . ويكون بذلك معنى : { أكملت لكم دينكم } والحالة هذه خلاف الوجه الذي تأوله من تأوله بكمال العبادات والأحكام والفرائض ) . وهذا تعقيب سديد ، ولو أن المستفاد من كلام الطبري أنه فهم من حديث الشيخين والترمذي عن الحوار أن الآية أو المقطعين نزلا يوم عرفة في حجة الوداع . وقد تابعه معظم المفسرين ؛ لأنهم جروا على أن يكون ما ثبت عندهم من الأحاديث الصحابية أيضا هو الأولى بالتسليم في تفسير وتأويل القرآن . وهو ما نراه غير متسق مع ما تلهمه الآيات فحوى ومقاما مع ما شرحناه ، ونرجو أن يكون فيه الصواب إن شاء الله .

ولقد روى المفسرون عن ابن عباس وغيره في تأويل جملة : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } أقوالا . منها أنها بمعنى أنهم يئسوا من رجوع المسلمين إلى دين الآباء القديم . ومنها أنهم يئسوا من قهر المسلمين والتغلب عليهم . ومنها أنهم لم يبق فيهم أي قوة يخشاها المسلمون منهم على دينهم . وكل هذا وارد .

والمقطعان في حد ذاتهما قويان رائعان في تنويههما وهتافهما ومداهما .

ولعلهما من أروع المقاطع القرآنية في بابهما . ولعل هذه الروعة والمدى هما اللذان جعلا المؤولين ينظرون إليهما نظرة خاصة مستقلة . وإن لمن شأنهما من دون ريب أن يبعثا كل الطمأنينة والرخاء والغبطة والفرح والاعتزاز في المسلمين في أي ظرف ومكان ، وسواء منهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين وجه الخطاب إليهم مباشرة أم الذين يأتون بعدهم لما خصهم الله به من السعادة والرعاية في الانضواء إلى الإسلام الذي ارتضاه لهم دينا وجعله شريعة تامة خالدة أكملها لهم وأتم نعمته بذلك عليهم لتستجيب إلى جميع حاجاتهم ولتحل جميع مشكلاتهم الروحية والمادية والدنيوية والأخروية ، ثم لتستجيب إلى جميع مشاكل البشر الذين رشحت لتكون لهم دينا وتحل جميع مشكلاتهم . وإن لمن شأنهما كذلك أن يوثقا بينهم رباط الأخوة والتضامن ، وأن يبعثا فيهم القوة وعدم المبالاة بالأعداء والمضادين في تلك الظروف التي نزلا فيها وكان النضال قائما فيها بين الكفر والإيمان والشرك والتوحيد ، والضلال والهدى ، والظلمات والنور ، والعصبية القبلية الضيقة والأخوة العامة ، والتقاليد التي تحتوي كثيرا من الشذوذ والسخف والبغي والتمايز في الطبقات واستقطاب الثروة والغنى في جانب والفقر والعوز في جانب والدين الذي يدعو إلى الحق والهدى والمساواة والخير والتراحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى ، ويقرر أن ما في أيدي الناس من مال هو مال الله وهم مستخلفون فيه ، وأن فيه لحقا معلوما للمحرومين والمعوزين يجب أداؤه إليهم بدون من ولا تبرم . ويحل الطيبات ويحرم الخبائث والفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي ثم في أي ظرف آخر ؛ لأن هذه الدعوة قد ظلت في أصولها القرآنية والنبوية صافية نقية تحتفظ بكل مزاياها وقوتها وفضائلها وعظمتها وسطوعها وسنائها .

ومن العجيب أن رواة الشيعة ومفسريهم لم يتركوا هذه الآية أو هذا المقطع على روائه وسنائه وإطلاقه وهتافه العام ، فأولوه بما فيه تأييد لهواهم ؛ حيث روى الطبرسي عن الإمامين أبي جعفر وأبي عبد الله : ( أن الآية نزلت بعد أن نصب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا رضي الله عنه للأنام يوم غدير خم منصرفه من حجة الوداع ، وكان ذلك آخر فريضة أنزلها الله تعالى ) كما روى قولا معزوا إلى أبي سعيد جاء فيه : ( أن الآية لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه . الله وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ) .

ولقد أورد ابن كثير نص هذا الحديث وقال : إنه غير صحيح . والهوى الشيعي بارز عليه . وننبه هنا كما نبهنا في مناسبات سابقة على أننا لسنا في صدد إنكار مزايا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومنزلته عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وكما اختلف أهل التأويل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتبايعهم في مدى جملة : { أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } اختلف فيه أصحاب المذاهب الكلامية الذين جاءوا بعدهم ؛ حيث استدل بعضهم بالآية على أن القياس – وهو من أصول التشريع في الإسلام – باطل ؛ لأنها دلت على أن الله تعالى قد نص على الحكم في جميع الوقائع ؛ إذ لو بقي بعضها غير مبين الحكم لم يكن كاملا ، وإذا حصل النص في جميع الوقائع فالقياس إن كان على وفق ذلك كان عبثا ، وإن كان على خلافه كان باطلا . وحيث استدل بعضهم بها على بطلان الاجتهاد والرأي من حيث إن القرآن يذكر أن الله قد أكمل للمسلمين دينهم ، فلم يعد هناك مجال لاجتهاد ولا رأي . وقد رد عليهم مخالفوهم ردودا عديدة موجز ما تفيده : أن الجملة القرآنية قد عنت الأمور العامة والعموميات الشاملة مما يحتاج إليه المسلمون في عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم دون المسائل الفردية . وإن مما يدخل في الباب ما جاء في آيات مكية من الإشارة إلى أن الله قد أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء ( 1 ){[722]} . وأنه لم يفرط في الكتاب من شيء ( 2 ){[723]} . مع أنه لم يكن نزل من التشريعات والأحكام شيء هام ؛ لأن ذلك إنما كان في العهد المدني . وأن السنة النبوية قد احتوت أمورا كثيرة رئيسية وثانوية لم ينص عليها القرآن صدرت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول هذه الجملة وبعدها . وأن القياس واستنباط الأحكام الجزئية والفردية من عموميات النصوص القرآنية والسنة النبوية الثابتة لا يناقض ذلك ( 3 ){[724]} . وفي هذا من السداد والوجاهة ما هو ظاهر . وإذا كان من شيء يحسن أن نقوله أيضا ، فهو أن القرآن والسنة قد احتويا من المبادئ والتقريرات والقواعد والأحكام ما فيه سداد لجميع حاجات المسلمين والبشر في مختلف الشؤون ومختلف الأزمنة والأمكنة بوجه عام بحيث يصح القول : إن الشريعة الإسلامية التي يمثلها القرآن والسنة دين كامل وشريعة تامة . ومن هذه المبادئ والتقريرات والقواعد والأحكام ما هو محدود ، ومنه ما هو خطوط وتلقينات عامة . ولما كانت حاجات الحياة في مختلف مجالاتها كثيرة ومتجددة ثم متبدلة بتبديل الظروف ، فقد اقتضت حكمة الله ورسوله أن يكون المحدود هو الأقل . وأن يترك للمسلمين أن يجدوا الحلول لمختلف حاجاتهم الأخرى بالاجتهاد والقياس والاقتباس والاستنباط ، على شرط أن يكون ذلك في نطاق تلك الخطوط والتلقينات العامة . ويصح أن نورد أمثلة كثيرة على ذلك . ونكتفي بمثل واحد . فالشريعة الإسلامية القرآنية والنبوية أوجبت أن يكون أمر المسلمين شورى بينهم ، وأمرت باستشارة المسلمين في الشؤون العامة السياسية والحربية مما شرحناه في سياق تفسير آية آل عمران ( 159 ) وسكتت عن بيان الكيفية ؛ لأن ذلك عرضة للتبدل والتطور على ما هو المتبادر . فهناك مجال اجتهاد أولي العلم والأمر والشأن من المسلمين لاختيار الطريقة المناسبة لتحقيق هذا الواجب . ولا يرد أي وارد لمنع ذلك ، وقد نبهنا على كل هذا بشيء من الإسهاب أيضا في سياق تفسير آيات سورة النساء ( 59 و 83 و 115 ) .

وهذا هو في صدد موضوعية الجملة الحرفية . غير أن من الحق أن ننبه مع ذلك في صدد مقام ورودها إلى ما ذكرناه قبل من أن الآية الثالثة احتوت إتماما وتوضيحا لجملة : { أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } في الآية الأولى من السورة ومن أن المقطعين استهدفا التدعيم والتثبيت والتنويه . وإلى ما رجحناه من نزولها بعد قليل من صلح الحديبية الذي عاش النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعده أربع سنوات أخرى نزل في أثنائها كثير من الأحكام القرآنية ، وصدر عن الرسول عليه السلام كثير من البيانات في مختلف الشؤون ، وإلى ما أوردناه من قول الطبري من عدم اتفاق أهل التأويل في القرن الهجري الأول على كون الجملة تعني كمال العبادات والأحكام والشرائع حين نزولها ؛ حيث يسوغ القول بناء على ذلك أنها في مقامها دون موضوعها لا تستوجب الخلاف الكلامي الذي دار حولها بعد ذلك القرن . والله تعالى أعلم .

والمحرمات الأربع الأول في مطلع الآية قد ذكر تحريمها في آيات عديدة مكية ومدنية في معرض الجدل بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار على ما شرحناه في مناسبات آيات سورة البقرة ( 167 – 176 ) والأنعام ( 125 – 147 ) والنحل ( 113 – 118 ) .

ويبدو أن حكمة التنزيل اقتضت إعادة ذكرها في هذه الآية في معرض تقريري وتشريعي عام مع غيرها من المحرمات لتكون جامعة مانعة . وقد اقتضت هذه الحكمة تكرار وتوكيد ما جاء في الآيات السابقة المذكورة من الرخصة للمضطر بنفس الشروط حتى يكون التشريع متساوقا .

والمتبادر أن تحريم أكل البهيمة التي تموت في الحالات الخمس هو تبع للأصل المحرم وهو أكل الميتة إطلاقا . وكان العرب يأكلونها على ما شرحناه في سياق تفسير آيات سورة الأنعام المذكورة آنفا . والمتبادر أن العرب كانوا يأكلون ميتة البهيمة في جميع حالات موتها ، فقضت الآية بتحريم جميع الحالات تبعا للأصل في هذه الآية التشريعية الجامعة .

وكلمة : { والدم } تأتي هنا بدون وصف . ومثل ذلك جاء في آية البقرة ( 123 ) وآية النحل ( 115 ) غير أنها جاءت بوصف { مسفوحا } في آية الأنعام ( 145 ) وهو الوصف الذي يحرم به أكل الدم مطبوخا أو شربه حسب ما كان جاريا في الجاهلية على ما عليه جمهور العلماء الذين قالوا إن فيه إخراجا للدم الذي يكون عالقا باللحم والعروق وللطحال والكبد الذين هما دم متجمد على ما شرحناه في سياق آية الأنعام المذكورة .

وفي كتب التفسير أحاديث وتأويلات متنوعة أخرى في صدد مدلول عبارات الآية وأحكامها رأينا من المفيد إيجازها والتعليق عليها ما يلي :

1 – لقد روي في صدد جملة : { إلا ما ذكيتم } أن الاستثناء شامل للحالات التي ذكرت قبلها جميعها ، كما روي أن الاستثناء خاص بما نهشه السبع فقط . وقد صوب الجمهور القول الأول وهو الأوجه .

2 – لقد نبه المفسرون والمؤولون على أن كلمة : { السبع } تشمل كل حيوان مفترس آكل للحوم ، وهذا سديد .

3 – لقد أجمعوا على أن الاستثناء لا يشمل الخنزير ؛ لأن لحمه محرم أصلا ، وهذا حق وصواب .

4 – مذهب الجمهور أن رمق الحياة الذي يصح أن يذكي الحيوان ليحل أكله إذا تعرض للحالات المذكورة في الآية هو أن يكون فيه على الأقل عين تطرف ، أو أذن أو يد أو رجل أو ذنب يتحرك . وهذا وجه يتسق مع روح الرخصة القرآنية .

5 – هناك من قال : إن الإصابة إذا كانت في العنق وبنهش سبع بنوع خاص ، وصار الحيوان في حكم المذبوح فلا يحل أكله . والمتبادر أن هذا غير متسق مع عبارة الآية وروحها المطلقين . فما دام ظل في الحيوان رمق يصح تذكيته وأكله في أي جهة منه كان أثر الحادث وبأي سبب . والله أعلم .

6 – لقد رويت في مدى أداة الذبح وطريقته أحاديث عديدة . منها حديث رواه الخمسة عن رافع بن خديج جاء فيه : ( قلت يا رسول الله : إنا ملاقو العدو غدا ، وليست معنا مدى . قال : أعجل أو أرن ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل . ليس السن والظفر ، وسأحدثك ، أما السن فعظم . وأما الظفر فمدى الحبشة . قال : وأصبنا نهب إبل وغنم فند منها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش ، فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا ) ( 1 ){[725]} . ومنها حديث رواه البخاري جاء فيه : ( كانت جارية لكعب بن مالك ترعى غنما له بسلع ، فأصيبت شاة منها فأدركتها فذبحتها بحجر ، فسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : كلوها ) ( 2 ){[726]} . ومنها حديث رواه أبو داود جاء فيه : ( نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شريطة الشيطان ، وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج ثم تترك حتى تموت . قيل : يا رسول الله ، أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة قال : لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك ) ( 3 ){[727]} .

7 – في كتب التفسير أقوال وأحاديث عديدة في مدى الاضطرار والمخمصة الذي يحل للمسلم به أن يتناول المحرمات في الآية ( 1 ){[728]} . ولقد أوردنا طائفة منها وعلقنا عليها في سياق تفسير الآيتين : ( 118 و 145 ) من سورة الأنعام ، فنكتفي بهذا التنبيه .

8 – قال المفسرون والمؤولون : إن النصب التي حرم أكل ما ذبح عليها هي حجارة كانت تنصب عند أوثان الكعبة وغيرها . وكان المشركون يذبحون قرابينهم عندها . وكان بعضهم يتعبد لها ويتقرب إليها رأسا أيضا . ولم تكن أصناما مخلقة . والمتبادر أن القرآن حرم أكل الذبائح التي تذبح عندها ؛ لأنها بمثابة ذبح لغير الله .

9 – إن كلام المفسرين في صدد الاستقسام بالأزلام الوارد في الآية يفيد أنه إجابة الأقداح أو السهام على سبيل الاستفتاء أو الاستخارة . ورووا بهذه المناسبة عادة عربية جاهلية في مكة أنه كان عند سادن صنم ( هبل ) سبعة سهام أو أقداح – وهي ما تعنيه كلمة الأزلام على ما فسره المفسرون – كتب على واحد منها ( افعل ) وعلى ثان منها ( لا تفعل ) وعلى ثالث ( منكم ) وعلى رابع ( من غيركم ) وعلى خامس ( ملصق بكم ) وعلى سادس ( عقل ) ( 2 ){[729]} وترك السابع غفلا بدون كتابة ( 3 ){[730]} . فإذا أراد امرؤ أو جماعة استفتاء الآلهة في مشكل أو موقف محرج أو محير من شؤون الدماء والأنساب والأسفار أو العزائم الأخرى جاؤوا إلى السادن ، فطلبوا منه لقاء جعل مناسب إجالة الأقداح التي تناسب المطلب في كيس من جلد وتناولوا أحدها وعملوا بما يكون مكتوبا عليه . وإن كان السهم هو الغفل كان لهم الخيار بدون حرج . على أن في الروايات طريقة أخرى تسمى الاستقسام بالأزلام ، وهي من طرائق الميسر التي كان يذبح كان يذبح فيها بعير ، ثم يقترع بالسهام على من يغرم ثمنها وعلى كيفية توزيع لحمها على ما شرحناه في سياق تفسير آية البقرة ( 219 ) .

والذي نرجحه أن الاستقسام الوارد في الآية قد عنى هذه الطريقة دون تلك ؛ لأنها أكثر تناسبا من بيان ما يحرم أكله من البهائم ؛ حيث أريد بذلك تحريم لحم البهيمة التي تذبح على سبيل الميسر . وقد عزا ابن كثير إلى مجاهد أنه قال : إن الذي عنته الجملة هو القمار . وهذا مؤيد لترجيحنا .

ولقد روى المفسرون أحاديث نبوية عديدة في صدد الاستخارة ، وما يدخل في بابها أو معناها كالتنجيم والرمل والتطير والطرق والعرافة والكهانة والعيافة على هامش الجملة باعتبار أن الاستقسام يعني ذلك ، فيها أحكام وتلقينات مفيدة ، فرأينا أن نوردها برغم ترجيحنا أن الجملة متصلة بالميسر أو القمار أو المراهنة ، وبعض هذه الأحاديث وارد في بعض الكتب الخمسة . منها حديث رواه أبو داود عن قبيصة قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : العيافة والطيرة والطرق من الجبت ) ( 1 ){[731]} وحديث رواه مسلم وأحمد جاء فيه : ( من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) ( 2 ){[732]} وحديث أخرجه ابن مردويه عن أبي الدرداء قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لن يلج الدرجات من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر طائرا ) ( 3 ){[733]} وحديث عن ابن عباس رواه أبو داود وأحمد قال : ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ) ( 4 ){[734]} وحديث عن عمران بن حصين مرفوعا رواه البزار بإسناد حسن ورواه الطبراني بإسناد حسن كذلك جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) ( 5 ){[735]} .

وظاهر من هذا أن الشرع الإسلامي قرآنا وسنة يحرم هذه الأمور . وفي ذلك من الحكمة والجلال ما لا يخفى .

على أن هناك بعض أحاديث تجيز الاستخارة والتفاؤل ، فمن ذلك حديث رواه الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن ويقول : إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري – وفي رواية عاجل أمري وآجله – فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه . اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفني عنه واصرفه عني واقدر لي الخير حيث كان ، ثم رضني به ) ( 1 ){[736]}ومن ذلك حديث عن أبي هريرة رواه البخاري ومسلم والترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا طيرة وخيرها الفأل . قيل : يا رسول الله وما الفأل ؟ قال : الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم ) ، وفي رواية : ( لا طيرة ، ويعجبني الفأل الصالح والكلمة الحسنة ) ( 2 ){[737]} . وحديث رواه أبو داود عن أبي هريرة أيضا : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع كلمة فأعجبته فقال : أخذنا فالك من فيك ) ( 3 ){[738]} . وحديث عن بريدة رواه أبو داود والنسائي قال : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يتطير من شيء ، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه ، فإذا أعجبه فرح به ، ورؤي بشر ذلك في وجهه ، وإن كره اسمه رؤي ذلك في وجهه ، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها ، فإن أعجبه فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه ، وإن كره اسمها رؤي ذلك في وجهه ) ( 4 ){[739]} . وحديث رواه أبو داود وأحمد جاء فيه : ( ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أحسنها الفأل ولا ترد مسلما . فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك ) ( 1 ){[740]} . وحديث رواه الترمذي جاء فيه : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع : يا راشد يا نجيح ) ( 2 ){[741]} .

وليس في هذه المأثورات أي تناقض مع المأثورات السابقة ؛ لأنها متصلة بعقيدة التوحيد وكون الله عز وجل وحده هو القادر الباسط القابض المعطي المانع الذي يرجع إليه المؤمنون ، ويستمدون منه القوة ويتوكلون عليه في شؤونهم .

ولقد جعل بعضهم القرعة من باب المنهيات ، في حين أجازها بعضهم لتطييب نفوس أصحاب الشأن والبراءة من التهمة في الإيثار ) ( 3 ){[742]} . والمتبادر أن القول الثاني هو الأوجه ؛ لأن القرعة لا تدخل في الحقيقة في متناول المنهي عنه في المأثورات السابقة . والله أعلم .


[721]:التاج ج 4 ص 89.
[722]:آية سورة النحل 89.
[723]:آية سورة الأنعام 38.
[724]:انظر تفسير الآية في تفسير المنار والقاسمي.
[725]:التاج ج 3 ص 94 أي اذبح بأي شيء يسيل الدم بما عدا السن والظفر. وهذا يفيد أن الذبح جائز بحجر محدد أو بشق عصا وخشبة أو بكتف عظم الخ.
[726]:التاج ج 3 ص 94 و 95.
[727]:المصدر نفسه.
[728]:انظر تفسير الطبري وابن كثير فقد استوعبا هذه الأحاديث والأقوال.
[729]:بمعنى أداء الدية على القتلى.
[730]:وهناك روايات أخرى عن العبارات المكتوبة على السهام لم نر ضرورة لذكرها.
[731]:التاج ج 3 ص 201 والعيافة: زجر الطير، فإذا ذهب يمينا كان ذلك فألا حسنا، ومضى الزاجر في عزيمته، وإن ذهب شمالا تشاءم وانصرف عنها. والطيرة هي: التطير. والطرق: ضرب بالحصى لمعرفة البخت. والجبت هو: الشرك أو الوثنية.
[732]:المصدر نفسه.
[733]:النص من ابن كثير. ومعنى طائرا: متطيرا.
[734]:التاج ج 3 ص 200.
[735]:نقلا عن تفسير القاسمي.
[736]:نقلا عن ابن كثير. وقد عقب عليه قائلا (بلفظ الإمام أحمد. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي الموالي).
[737]:التاج ج 3 ص 198.
[738]:المصدر نفسه.
[739]:التاج ج 3 ص 198 – 199.
[740]:التاج ج 3 ص 198 – 199، ومعنى لا ترد مسلما أي: لا يجوز أن يرتد المسلم عن عزيمته بالطيرة.
[741]:المصدر نفسه.
[742]:تفسير القاسمي.