قوله تعالى : { ومن أحسن ديناً } ، أحكم ديناً .
قوله تعالى : { ممن أسلم وجهه لله } أي : أخلص عمله لله ، وقيل : فوض أمره إلى الله .
قوله تعالى :{ وهو محسن } أي : موحد .
قوله تعالى : { واتبع ملة إبراهيم } ، يعني : دين إبراهيم عليه السلام .
قوله تعالى : { حنيفاً } أي : مسلماً مخلصاً ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ومن دين إبراهيم الصلاة إلى الكعبة ، والطواف بها ، ومناسك الحج ، وإنما خص إبراهيم لأنه كان مقبولاً عند الأمم أجمع ، وقيل : لأنه بعث على ملة إبراهيم وزيد له أشياء . قوله تعالى : { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } صفياً ، والخلة : صفاء المودة ، وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان إبراهيم عليه السلام أبا الضيفان ، وكان منزله على ظهر الطريق ، يضيف من مر به من الناس ، فأصاب الناس سنة فحشروا إلى باب إبراهيم عليه السلام يطلبون الطعام ، وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر ، فبعث غلمانه بالإبل إلى الخليل الذي له بمصر ، فقال خليله لغلمانه : لو كان إبراهيم عليه السلام إنما يريده لنفسه احتملنا ذلك له ، فقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة ، فرجع رسل إبراهيم عليه السلام ، فمروا ببطحاء فقالوا فيما بينهم : لو إنا أنا حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة ، فإنا نستحي أن نمر بهم إبلنا فارغة ، فملأوا تلك الغرائر سهلة ، ثم أتوا إبراهيم فأعلموه وسارة نائمة ، فاهتم إبراهيم لمكان الناس ببابه ، فغلبته عيناه فنام ، واستيقظت سارة وقد ارتفع النهار ، فقالت : سبحان الله ! ما جاء الغلمان ؟ قالوا : بلى ، قالت : فما جاؤوا بشيء ؟ قالوا : بلى ، فقامت إلى الغرائر ففتحتها فإذا هي ملأى بأجود دقيق حواري يكون ، فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس ، فاستيقظ إبراهيم فوجد ريح الطعام ، فقال : يا سارة من أين هذا ؟ قالت : من عند خليلك المصري ، فقال : هذا من عند خليلي الله ، قال : فيومئذ اتخذه الله إبراهيم خليلاً .
قال الزجاج : معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل ، والخلة : الصداقة ، فسمي خليلاً لأن الله أحبه واصطفاه . وقيل : هو من الخلة وهي الحاجة ، سمي خليلاً ، أي : فقيراً إلى الله ، لأنه لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله عز وجل ، والأول أصح ، لأن قوله { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } يقتضي الخلة من الجانبين ، ولا يتصور الحاجة من الجانبين .
حدثنا أبو المظفر بن أحمد التيمي ، ثنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ، ثنا خيثمة بن سليمان بن حيضرة الأطرابلسي ، ثنا أبو قلابة الرقاشي ، ثنا بشر بن عمر ، ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكنه أخي وصاحبي ، ولقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً " .
{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًاْ }
أي : لا أحد أحسن من دين من جمع بين الإخلاص للمعبود ، وهو إسلام الوجه لله الدال على استسلام القلب وتوجهه وإنابته وإخلاصه ، وتوجه الوجه وسائر الأعضاء لله .
{ وَهُوَ ْ } مع هذا الإخلاص والاستسلام { مُحْسِنٌ ْ } أي : متبع لشريعة الله التي أرسل بها رسله ، وأنزل كتبه ، وجعلها طريقا لخواص خلقه وأتباعهم .
{ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ْ } أي : دينه وشرعه { حَنِيفًا ْ } أي : مائلا عن الشرك إلى التوحيد ، وعن التوجه للخلق إلى الإقبال على الخالق ، { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ْ } والخُلة أعلى أنواع المحبة ، وهذه المرتبة حصلت للخليلين محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، وأما المحبة من الله فهي لعموم المؤمنين ، وإنما اتخذ الله إبراهيم خليلا لأنه وفَّى بما أُمر به وقام بما ابْتُلي به ، فجعله الله إماما للناس ، واتخذه خليلا ، ونوه بذكره في العالمين .
{ ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله } أخلص نفسه لله لا يعرف لها ربا سواه . وقيل بذل وجهه له في السجود وفي هذا الاستفهام تنبيه على أن ذلك منتهى ما تبلغه القوة البشرية . { وهو محسن } آت بالحسنات تارك للسيئات . { واتبع ملة إبراهيم } الموافقة لدين الإسلام المتفق على صحتها { حنيفا } مائلا عن سائر الأديان ، وهو حال من المتبع أو من الملة أو إبراهيم . { واتخذ الله إبراهيم خليلا } اصطفاه وخصصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله ، وإنما أعاد ذكره ولم يضمر تفخيما لشأنه وتنصيصا على أنه الممدوح . والخلة من الخلال فإنه ود تخلل النفس وخالطها . وقيل من الخلل فإن كل واحد من الخليلين يسد خلل الآخر ، أو من الخل وهو الطريق في الرمل فإنهما يترافقان في الطريقة ، أو من الخلة بمعنى الخصلة فإنهما يتوافقان في الخصال . والجملة استئناف جيء بها للترغيب في اتباع ملته صلى الله عليه وسلم والإيذان بأنه نهاية في الحسن وغاية كمال البشر . روي ( أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعث إلى خليل له بمصر في أزمة أصابت الناس يمتاز منه فقال خليله : لو كان إبراهيم يريد لنفسه لفعلت ، ولكن يريد للأضياف وقد أصابنا ما أصاب الناس ، فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملؤوا منها الغرائر حياء من الناس فلما أخبروا إبراهيم ساءه الخبر ، فغلبته عيناه فنام وقامت سارة إلى غرارة منها فأخرجت حوارى واختبزت ، فاستيقظ إبراهيم عليه السلام فاشتم رائحة الخبز فقال : من أين لكم هذا ؟ فقالت : من خليلك المصري ، فقال : بل هو من عند خليلي الله عز وجل فسماه الله خليلا ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.