بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينٗا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا} (125)

ثم فضل دين الإسلام على سائر الأديان فقال تعالى :

{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ } أي أخلص دينه { لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } في عمله ويقال : وهو موحد { واتَّبَعَ مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفاً } أي مستقيماً ، ويقال : مائلاً إلى دين الإسلام . ثم قال تعالى { واتخذ الله إبراهيم خَلِيلاً } وذلك أن إبراهيم عليه السلام كان يوسع على الضعفاء الطعام ، واحتاج في بعض الأوقات إلى الطعام ، فبعث غلمانه مع الجمال إلى خليل له بمصر ليقرضه شيئاً من الطعام فيرد عليه إذا أدرك إنزاله ، فلما انتهوا إليه قال : إني أخاف أن أحتاج قبل إدراك الإنزال ، فلم يدفع إليهم ورجعوا ، فاستحيا الغلامان أن يدخلوا في قرية إبراهيم والناس ينظرون إليهم وليس معهم شيء ، فجعلوا الرحل في الجواليق وحملوا على الجمال ، وجاؤوا إلى منزل إبراهيم عليه السلام وألقوا الأحمال وتفرقوا ، وجاء واحد منهم وأخبر إبراهيم بالقصة فاغتمّ لذلك ودخل البيت ونام ، فخرجت جواريه ونظرن إلى الأحمال فإذا الجواليق دقيق ، فرفعن منها وجعلن يخبزن خبزاً ، حتى إذا استيقظ إبراهيم عليه السلام وخرج وقال : من أين هذا الدقيق ؟ فقلن : من عند خليلك المصري . فقال إبراهيم : ليس هذا من عند خليلي المصري ولكن من عند خليل السماء . فاتخذه الله تعالى خليلاً بذلك .

ويقال : لما دخلت عليه الملائكة في شبه الآدميين ، وجاءهم بعجل سمين فلم يأكلوا منه ، وقالوا : إنا لا نأكل شيئاً بغير ثمن . فقال لهم : أعطوني ثمنه وكلوه . قالوا : وما ثمنه ؟ قال : أن تقولوا في أوله بسم الله وفي آخره الحمد لله . فقالوا فيما بينهم : حقاً على الله أن يتخذه خليلاً فاتخذه الله خليلاً .

ويقال : إنه أضاف رؤساء الكفار ، وأهدى لهم هدايا وأحسن إليهم فقالوا له : ما حاجتك ؟ فقال : حاجتي أن تسجدوا لله سجدة ، فسجدوا . فدعا الله تعالى وقال : اللهم إني قد فعلت ما أمكنني ، فافعل أنت ما أنت أهل لذلك . فوفقهم الله تعالى للإسلام فاتخذه الله خليلاً لذلك .

وروى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « اتَّخَذَ الله إِبْراهِيمَ خَلِيلاً لإطْعَامِهِ الطَّعَامَ وَإِفْشَائِهِ السَّلاَمَ وَصَلاَتِهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ »