الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينٗا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا} (125)

{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً } [ قد علم ربّنا ] { مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله } .

الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : يعني أخلص لله عمله ، وقيل : فوّض أمره إلى الله ، وقيل : مفلح { وَهُوَ مُحْسِنٌ } أي موحد { واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } يعني دين إبراهيم { حَنِيفاً } مسلماً مخلصاً .

قال ابن عباس : ومن دين إبراهيم الكعبة والصلاة ويطوفون بها وحولها والسعي بين الصفا والمروة ورمى الجمرات وحلق الرأس والموقفان ، وسائر المناسك فمن صلى نحو القبلة وأقرّ بهذه الصفة فقد اتبع ابراهيم ( عليه السلام ) { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } .

الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، في قوله تعالى { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } صفياً وخليلا من [ قولهم ] : أبا الضيفان يضيف من مرّ بهِ من الناس ، وكان منزله على ظهر الطريق ، فأصاب الناس سنة وجهدوا عنها واجتمعوا على باب داره يطلبون الطعام ، وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر فبعث غلمانه بالإبل إلى ذلك الخليل فسأله الميرة . قال خليله لغلمانه : لو كان إبراهيم إنّما يريده لنفسه احتملنا ذلك له فقد دخل علينا مادخل على الناس من الشدة ، فرجع رُسُلُ إبراهيم إليه فمروا بالبطحاء يعني السهلة ، فقالوا : لو انا حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس إنا قد جئنا بميرة ، إنا نستحي أن نمر بهم وإبلنا فارغة ، قال : فملأوا تلك الغرائر سهلة ثم إبراهيم ( عليه السلام ) وساره نائمة ، فأعلموا ذلك ، واهتم إبراهيم لمكان الناس ببابه ، فغلبته عيناه فنام واستيقظت سارة ، وقد ارتفع النهار ، فقالت : سبحان الله ما جاء الغلمان فقالوا لها : بلى قالت : فما جاءوا بشيء ، قالوا : بلى ، فقامت إلى تلك الغرائر ففتحتها فإذا هو أجود حواري يكون فأمرت الخبازين فخبزوا وطعموا ، قال : فلمّا استيقظ إبراهيم فوجد ريح الطعام ، فقال : ياسارة من أين هذا الطعام ؟ قالت : من عند خليلك المصري ؟

قال : هذا من عند خليلي الله ، لا من عند خليلي المصري . قال : فيومئذ إتخذه الله خليلاً مصافياً .

وقال الزجاج : الخليل الذي ليس في محبته خلل فجائز أن يكون سمي خليل الله بانه الذي أحبه واصطفاه بالجنة تامة .

وجائز أن يسمّى خليل الله أي فقير إلى الله لأنه لم يجعل فقره وفاقته إلاّ إلى الله مخلصاً في ذلك .

قال الله { أْنُتُم الفُقَرَاءُ إلى اللَّهُ } لإن معنى الخليل في اللغة . قد قيل : هو الفقير .

قال زهير يمدح هرم بن سنان :

فإن أتاه خليل يوم مسألة *** يقول لا غايب مالي ولا حرم

والخلة : الصداقة ، والخلة : [ الحاجة ] ، فإذا جعلنا اشتقاق الخليل من الخلة فهو الإخلال الذي يلحق الانسان فيما يحتاج إليه ، وإن جعلنا من الخلة فهو أصل الصداقة ومعناهما جميعاً واحد لأن كل واحد منهما يسد خلل صاحبه في المودة والحاجة إليه .

والخلل : كل فرجة يقع في شيء ، والخلال الذي يتخلل به ، وإنما سمي خلالاً لأنه منع به الخلل من الأسنان ، والخل : الطريق في الرمل ، معناه إنه إنفرجت فيه فرجة ، فصارت طريقاً في الأرض والخلّ الذي يؤكل إنما سمي خلا لأنه أخل منه طعم الحلاوة