قوله تعالى : { مِمَّنْ أَسْلَمَ } متعلِّقٌ ب " أَحْسَنُ " فهي " مِنْ " الجارة للمفضول ، و " لله " متعلقٌ ب " أَسْلَم " وأجاز أبو البقاء أن يتعلَّق بمحذوف على أنه حالٌ من " وجهه " وفيه نظرٌ لا يخفى . " وهو مُحْسِنٌ " حالٌ من فاعل " أَسْلم " و " اتَّبع " يجوز أن يكون عطفاً على " أسلم " وهو الظاهر ، وأن يكونَ حالاً ثانية من فاعل " أسلم " بإضمار " قد " عند مَنْ يشترط ذلك ، وقد تقدَّم الكلام على { حَنِيفاً } [ الآية : 135 ] في البقرة ، إلا أنه يجوزُ هنا أن يكونَ حالاً من فاعلِ " اتّبع " .
قوله : { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } فيه وجهان ، وذلك أن اتَّخذ " إنْ عَدَّيْناها لاثنين كان مفعولاً ثانياً وإلا كانَ حالاً ، وهذه الجملة عطف على الجملةِ الاستفهاميةِ التي معناها الخبرُ نَبَّهَتْ على شرف المتبوع وأنه جديرٌ بأن يُتَّبع لاصطفاءِ الله له بالخُلّة ، ولا يجوز عطفها على ما قبلها لعدم صلاحيتِها صلةً للموصول . وجعلها الزمخشري جملةً معترضة قال : " فإنْ قلت ما محلُّ هذه الجملةِ ؟ قلت : لا محلَّ لها من الإِعراب لأنها مِنْ جمل الاعتراضاتِ نحو ما يجيء في الشعر من قولهم " والحوادثُ جَمَّةٌ " فائدتُها تأكيدُ وجوبِ اتِّباع مِلَّته ، لأنَّ مَنْ بَلَغ من الزُّلفى عند الله أَن اتَّخذه خليلاً كان جديراً بأن يُتَّبع " فإنْ عنى بالاعتراضِ المصطلحَ عليه فليس ثَمَّ اعتراضٌ ، إذ الاعتراضُ بين متلازمين كفعلٍ وفاعل مبتدأ وخبر وشرط وجزاء وقسم وجواب ، وإن عَنَى غيرَ ذلك احتُمِل ، إلا أنَّ تنظيرَه بقولهم : " والحوادثُ جَمَّةٌ " يُشْعِر بالاعتراض المصطلح عليه ؛ فإن قولهم " والحوادث جمة " وَرَدَ في بيتينِ ، أحدُهما بين / فعل وفاعل كقوله :
وقد أَدْرَكَتْني والحوادثُ جَمَّةٌ *** أَسِنَّةُ قومٍ لا ضعافٍ ولا عُزْلِ
والآخرُ يحتمل ذلك ، على أن تكونَ الباءُ زائدةً في الفاعل كقوله :
ألا هل أتاها والحوادثُ جَمَّةٌ *** بأنَّ امرأ القيس بنَ تَمْلِكَ بَيْقَرا
ويحتمل أن يكونَ الفاعلُ ضميراً دلَّ عليه السياق أي : هل أتاها الخبر بأن امرأ القيس ، فيكون اعتراضاً بين الفعل ومعموله .
والخليلُ : مشتق من الخَلَّة بالفتح وهي الحاجة ، أو من الخُلَّة بالضم ، وهي المودة الخالصة ، أو من الخَلَل . قال ثعلب : " سُمِّي خليلاً لأن مودته تَتَخَلَّلُ القلبَ " وأنشد :
قد تَخَلَّلْتَ مسلكَ الروحِ مني *** وبه سُمِّي الخليلُ خليلا
وقال الراغب : " الخَلَّة - أي بالفتح- الاختلالُ العارضُ للنفس : إمَّا لشَهْوَتِها لشيء أو لحاجتِها إليه ، ولهذا فَسَّر الخَلّة بالحاجة ، والخُلّة - أي بالضم - المودة : إما لأنها تتخلل النفس أي تتوسطها ، وإما لأنها تُخِلُّ النفسَ فتؤثِّر فيها تأثيرَ السهم في الرميَّة ، وإمَّا لفَرْطِ الحاجة إليها " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.