السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينٗا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا} (125)

{ ومن } أي : لا أحد { أحسن ديناً ممن أسلم وجهه } أي : انقاد وأخلص عمله { لله } فلا حركة ولا سكون إلا فيما يرضاه ، وفي هذا الاستفهام تنبيه على أنّ ذلك منتهى ما تبلغه القوّة البشرية { وهو } أي : والحال أنه { محسن } أي : مؤمن مراقب آت بالحسنات تارك للسيآت ، لأنه يعبد الله كأنه يراه ، وقد اشتملت هذه الكلمات العشر على الدين كله أصلاً وفرعاً مع الترغيب بالمدح الكامل لمتبعه وإفهام الذمّ الكامل لغيره { واتبع ملة إبراهيم } أي : الموافقة لملة الإسلام وقوله تعالى : { حنيفاً } حال أي : مائلاً عن الأديان كلها إلى الدين القيّم { واتخذ إبراهيم خليلاً } أي : صفياً خالص المحبة له ، وإنما أعاد ذكره ، ولم يضمره تفخيماً له ، وتنصيصاً على أنه الممدوح ، والخلة من الخلال فإنه ودّ تخلل النفس وخالطها ، قال الزجاج : الخليل الذي ليس في محبته خلل ، والخلة الصداقة فسمي خليلاً ؛ لأن الله تعالى أحبه واصطفاه .

روي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان يسمى أبا الضيفان وكان منزله على ظهر الطريق يضيف من مر به من الناس فأصاب الناس سنة فحشروا إلى باب إبراهيم يطلبون الطعام وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر فبعث غلمانه بالإبل إلى الخليل الذي بمصر فقال خليله لغلمانه : لو كان إبراهيم يريده لنفسه لفعلت ولكن يريده للأضياف وقد أصابنا ما أصاب الناس من الشدّة ، فرجع غلمانه فمرّوا ببطحاء أي : بأرض ذات حصى فقالوا : لو أنا حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة فإنا نستحيي أن نمرّ بهم وإبلنا فارغة فملؤوا تلك الغرائر ثم أتوا إبراهيم فلما أخبروه بذلك وسارة نائمة ساءه الخبر فغلبته عيناه فنام واستيقظت سارة وقد ارتفع النهار فقالت : سبحان الله ما جاء الغلمان قالوا : بلى فقامت إلى الغرائر ففتحتها فإذا هو أجود حوّاري أي : وهو بضم الحاء المهملة وتشديد الواو وفتح الراء ، الدقيق الذي نخل مرّة بعد أخرى ، فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس ، فاستيقظ إبراهيم فوجد رائحة الخبز فقال : من أين هذا لكم ؟ فقالت : من خليلك المصري فقال : بل من عند خليلي الله عز وجل ، فسماه الله خليلاً .