الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينٗا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا} (125)

قوله : ( وَمَنَ اَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنَ اَسْلَمَ وَجْهَهُ ) الآية [ 125-126 ] .

روي أن هذه الآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه .

والمعنى : ( وَمَنَ اَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنَ اَسْلَمَ ) أي : استسلم لله ، وانقاد له ( وَمَنَ اَحْسَنُ ) أي : عمل بهما بما أمر به ( وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ) أي : دينه ( حَنِيفاً ) مستقيماً .

وقيل : ( حَنِيفاً ) مائلاً عن سائر الأديان غير دين إبراهيم( {[13653]} ) .

( وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ) أي : اتخذ[ ه( {[13654]} ) ] يعادى فيه ، ويحب فيه ، ويوالي فيه ، والخلة التي في إبراهيم النبي( {[13655]} ) ، والخلة التي في الله لإبراهيم صلى الله عليه وسلم هي نصره له على من حاوله بشر كالذي فعل به إذ أراده( {[13656]} ) نمرود بالإحراق ، وكالذي فعل به إذ أعانه على ملك مصر إذ أراد عن أهله ، ومن ذلك تصييره إماماً لمن بعده من عباده وشبه ذلك .

وقيل : سمي خليلاً للفظة( {[13657]} ) خرجت منه صلى الله عليه وسلم فسمي بها خليلاً( {[13658]} ) .

وذلك أنه أصاب أهل ناحيته جدب فارتحل إلى خليل له من أهل الموصل( {[13659]} ) ، وقيل : من أهل مصر( {[13660]} ) يمتار( {[13661]} ) طعاماً من عنده لأهله فلم يصب عنده حاجته .

فرجع فلما قرب من أهله مر( {[13662]} ) بمغارة( {[13663]} ) فيها رمل فقال : لو ملأت غرائري( {[13664]} ) من هذا الرمل لئلا أُغم( {[13665]} ) أهلي بدخولي إليهم بغير ميرة( {[13666]} ) ، وليظنوا أني قد أتيتهم بما يحبون ، ففعل( {[13667]} ) ذلك فحول الله ما في غرائره من الرمل دقيقاً .

فلما صار إلى منزله ، نام ، وقام أهله ففتحوا الغرائر فوجدوا دقيقاً فعجنوا منه وخبزوا ، واستيقظ فسألهم عن الدقيق الذي منه خبزوا من أين هو ؟ فقالوا من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك ، فعلم ما صنع الله عز وجل له ، فقال نعم . هو من عند خليلي فسماه الله عز وجل بذلك خليلاً( {[13668]} ) .

والخليل( {[13669]} ) في اللغة يكون للفقير كأنه الذي به( {[13670]} ) اختلال( {[13671]} ) .

وقد قيل : ( {[13672]} ) في قوله ( وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ) معناه فقيراً محتاجاً إليه ، ويكون الخليل المحب المنقطع إلى الله عز وجل الذي ليس في انقطاعه إليه اختلال ، فيكون سمي ( خليلاً ) لانقطاعه إلى الله سبحانه ، ومحبته له من غير خلل يدخل ذلك .

ويكون الخليل أيضاً الذي يختص الإنسان فيكون سمي بذلك لأن الله عز وجل قد اختصه في الوقت بالرسالة دون غيره .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " واتخذ الله صاحبكم خليلاً يعني نفسه( {[13673]} ) ، أي : اختصه بالرسالة ، وهذا القول قول مختار( {[13674]} ) .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً( {[13675]} ) أي : لو اختصصت أحداً بشيء من الدنيا لاختصصت أبا بكر .

وقد قال بعض أهل اللغة : الخليل الذي ليس في محبته خَلَل فسمي إبراهيم خليلاً لذلك( {[13676]} ) .


[13653]:- انظر: معاني الزجاج 1/215 وجامع البيان 2/565.
[13654]:- ساقط من (أ).
[13655]:- (د): الله.
[13656]:- (د): إذ راده.
[13657]:- (د): لا للفظة، ولا زيادة.
[13658]:- انظر: معاني الزجاج 1/215 وجامع البيان 2/565.
[13659]:- الموصل بلدة بالعراق تصل بين دجلة والفرات، انظر: معجم البلدان 5/223.
[13660]:- بلدة تقع على البحرين بمحاذاة جزيرة العرب. انظر: معجم البلدان 5/135.
[13661]:- (د): يمتاز.
[13662]:- المفازة والمفاز: البرية القفر، انظر: اللسان 5/393.
[13663]:- (أ): بفازة.
[13664]:- أي جرابي، انظر: اللسان 5/15 و188.
[13665]:- (أ): يغم، أغم (د): يغم.
[13666]:- الميرة: الطعام، انظر: اللسان مير 5/188.
[13667]:- (د): فعل.
[13668]:- ذكرت هذه القصة بدون نسبة في معاني الفراء 1/289، وجامع البيان 5/295، ومعاني الزجاج 2/213، ولخص ابن عطية وقال معقباً: وفي هذا ضعف، ولا تقتضي هذه القصة أن يسمى بذلك اسماً عالياً، وإنما هو شيء شرفه الله به. انظر: المحرر 4/266.
[13669]:- (د): والخال.
[13670]:- (أ): كأنه به الذي.
[13671]:- انظر: معاني الزجاج 2/112، والمفردات 154، واللسان 11/216.
[13672]:- انظر: معاني الزجاج 1/215، و2/113-114.
[13673]:- خرجه الترمذي –موصولاً بالحديث الذي بعده كأنه حديث واحد –في مناقب أبي بكر 5/267- وفي الشفا: أصل في تفضيله بالمحبة والخلة أورد فيه هذا الحديث بأسانيد، الشفا 1/279. وابن أبي شيبة 7/428.
[13674]:- هو اختيار النحاس، انظر: إعراب النحاس 1/456.
[13675]:- خرجه بألفاظ متقاربة وزيادات مختلفة: البخاري في باب مناقب المهاجرين 4/191 بل خرجه في المساجد (446) وأطرافه كثيرة وكذا مسلم أخرجه في كتاب المساجد (827) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة 7/108 وأحمد في المسند – تحقيق شاكر 3/305.
[13676]:- انظر: معاني الزجاج 2/112.