جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينٗا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا} (125)

{ ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله } أخلص العمل لربه { وهو مُحسن{[1132]} } تابع للشرع في علمه أو أخلص نفسه له لا يعرف لها ربا سواه ثم يعمل الحسنات ويترك السيئات أو خضع في عبادته وهو موحد { واتّبع ملة إبراهيم } الموافقة لدين الإسلام { حنيفا } مائلا عن سائر الأديان حال من إبراهيم ، أو من فاعل اتبع ، أو من ملة { واتخذ الله إبراهيم خليلا } صفيا خالصا ليس في محبته خلل ، روى أنه لما نزلت ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب إلخ قال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء فنزلت : ( ومن يعمل من الصالحات ) ( ومن أحسن دينا ) إلخ فتبجح{[1133]} به المسلمون


[1132]:اعلم أن دين الإسلام مبني على أمرين: الاعتقاد والعمل. أما الاعتقاد فإليه الإشارة بقوله: (أسلم وجهه) ذلك لأن الإسلام هو الانقياد والخضوع والوجه أحسن أعضاء الإنسان فالإنسان إذا عرف بقلبه ربه وأقر بربوبيته وبعبودية نفسه فقد أسلم وجهه لله. وأما العمل فإليه الإشارة بقوله: (وهو محسن) فيدخل فيه الحسنات وترك السيئات فتأمل في هذه اللفظة المختصرة واحتوائها على جميع المقاصد والأغراض وأيضا فقوله: (أسلم وجهه لله) يفيد الحصر معناه أنه أسلم نفسه لله، وما أسلم لغير الله، وهذا تنبيه على أن كمال الإيمان لا يحصل إلا عند تفويض جميع الأمور إلى الخالق وإظهار التبري من الحول والقوة، وأيضا ففيه تنبيه على فساد طريقة من استعان بغير بالله، فإن المشركين كانوا يستعينون بالأصنام ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، والدهرية والطبيعيون يستعينون بالأفلاك والكواكب والطبائع وغيرها، واليهود كانوا يقولون في دفع عذاب الآخرة عنهم أنهم من أولاد الأنبياء والنصارى كانوا يقولون: ثالث ثلاثة، فجميع الفرق قد استعانوا بغير الله، وأما المعتزلة فهم في الحقيقة ما أسلمت وجوههم لله يرون الطاعة الموجبة لثوابهم من أنفسهم فهم في الحقيقة لا يرجون إلا أنفسهم، ولا يخافون إلا أنفسهم، وأما أهل السنة الذين فوضوا التدبير والتكوين والخلق إلى الحق سبحانه انقطع نظرهم عن كل شيء سوى الله/12 كبير.
[1133]:بجحته فتبجح أي: فرحته ففرح/12 صراح.