معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (16)

قوله تعالى : { قال فبما أغويتني } ، اختلفوا في ( ما ) قيل : هو استفهام ، يعني فبأي شيء أغويتني ؟ ثم ابتدأ فقال : { لأقعدن لهم } وقيل : هو ما الجزاء ، أي : لأجل أنك أغويتني أقعدن لهم . وقيل : هو ما المصدر موضع القسم تقديره : فبإغوائك إياي لأقعدن لهم ، كقوله { بما غفر لي ربي } [ يس :27 ] ، يعني بغفران ربي . والمعنى بقدرتك علي ونفاذ سلطانك . وقال ابن الأنباري : أي فيما أوقعت في قلبي من الغي الذي كان سبب هبوطي من السماء ، أغويتني : أضللتني عن الهدى . وقيل : أهلكتني ، وقيل : خيبتني .

قوله تعالى : { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } ، أي : لأجلسن لبني آدم على طريقك القويم ، وهو الإسلام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (16)

{ 16 - 17 } { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }

أي : قال إبليس - لما أبلس وأيس من رحمة اللّه - { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ } أي : للخلق { صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } أي : لألزمن الصراط ولأسعى غاية جهدي على صد الناس عنه وعدم سلوكهم إياه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (16)

يخبر تعالى أنه لما أنظر إبليس { إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }{[11590]} واستوثق إبليس بذلك ، أخذ في المعاندة والتمرد ، فقال : { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } أي : كما أغويتني .

قال ابن عباس : كما أضللتني . وقال غيره : كما أهلكتني لأقعدن لعبادك - الذين تخلقهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه - على { صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } أي : طريق الحق وسبيل النجاة ، ولأضلنهم{[11591]} عنها لئلا يعبدوك ولا يوحدوك بسبب إضلالك إياي .

وقال بعض النحاة : الباء هاهنا قسمية ، كأنه يقول : فبإغوائك إياي لأقعدن لهم صراطك المستقيم .

قال مجاهد : { صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } يعني : الحق .

وقال محمد{[11592]} بن سوقة ، عن عون بن عبد الله : يعني طريق مكة .

قال ابن جرير : والصحيح أن الصراط المستقيم أعم من ذلك [ كله ]{[11593]} .

قلت : لما روى الإمام أحمد :

حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا أبو عَقِيل - يعني الثقفي عبد الله بن عقيل - حدثنا موسى بن المسيب ، أخبرني سالم بن أبي الجَعْد عن سَبْرَة بن أبي فَاكِه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الشيطان قعد لابن آدم بطرقه ، فقعد له بطريق الإسلام ، فقال : أتسلم وتذر دينك ودين آبائك ؟ " . قال : " فعصاه وأسلم " . قال : " وقعد له بطريق{[11594]} الهجرة فقال : أتهاجر وتدع{[11595]} أرضك وسماءك ، وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطّوَل ؟ فعصاه وهاجر ، ثم قعد له بطريق{[11596]} الجهاد ، وهو جهاد النفس والمال ، فقال : تقاتل فتقتل ، فتنكح المرأة ويقسم المال ؟ " . قال : " فعصاه ، فجاهد " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فمن فعل ذلك منهم{[11597]} فمات ، كان حقًا على الله أن يدخله الجنة ، أو قتل كان{[11598]} حقا على الله ، عز وجل ، أن يدخله الجنة ، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، أو{[11599]} وَقَصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة " {[11600]} .


[11590]:في م: "الدين" وهو خطأ.
[11591]:في أ: "أفلأضلنهم".
[11592]:في أ: "مجاهد".
[11593]:زيادة من ك.
[11594]:في د: "في طريق".
[11595]:في د، ك، م، أ: "وتذر".
[11596]:في د: "في طريق".
[11597]:في د: "منهم ذلك".
[11598]:في ك: "وإن قتل كان"، وفي م: "وإن كان قتل".
[11599]:في م: "وإن".
[11600]:المسند (3/483).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (16)

وقوله : { فبما } يحتمل أن يريد به القسم كما تقول فبالله لأفعلن ، ويحتمل أن يريد به معنى المجازاة كما تقول فبإكرامك يا زيد لأكرمنك .

قال القاضي أبو محمد : وهذا أليق المعاني بالقصة ، ويحتمل أن يريد فمع إغوائك لي ومع ما أنا عليه من سوء الحال لأتجلدن ولأقعدن ، ولا يعرض لمعنى المجازاة ويحتمل أن يريد بقوله { فبما } الاستفهام عن السبب في إغوائه ، ثم قطع ذلك وابتدأ الإخبار عن قعوده لهم ، وبهذا فسر الطبري أثناء لفظه . و { أغويتني } قال الجمهور معناه أضللتني ، من الغي . وعلى هذا المعنى قال محمد بن كعب القرظي فيما حكى الطبري : قاتل الله القدرية َلإبليس أعلم بالله منهم ، يريد في أنه علم أن الله يهدي ويضل ، وقال الحسن { أغويتني } لعنتني . وقيل معناه خيبتني .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله تفسير بأشياء لزمت إغواءه ، وقالت فرقة { أغويتني } معناه أهلكتني ، حكى ذلك الطبري ، وقال : هو من قولك غوى الفصيل يغوي غوى إذا انقطع عنه اللبن فمات ، وأنشد : [ الطويل ]

معطَّفةُ الأثناءِ لَيْسَ فَصيلُها*** بِرَازِئها دراً ولا ميت غوى

قال : وقد حكي عن بعض طيىء : أصبح فلان غاوياً أي مريضاً . وقوله : { لأقعدن لهم صراطك } يريد : على صراطك ، وفي صراطك ، وحذف كما يفعل في الظروف ، ونحوه قول الشاعر : [ ساعدة بن جؤية ] .

لدن بهز الكف يعسل متنه*** فيه كما عسل الطريق الثعلب

وقال مجاهد : { صراطك المستقيم } يريد به الحق . وقال عون بن عبد الله : يريد طريق مكة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا تخصيص ضعيف وإنما المعنى لأتعرضن لهم في طريق شرعك وعبادتك ومنهج النجاة فلأصدنهم عنه . ومنه قوله عليه السلام : «إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ، نهاه عن الإسلام وقال تترك دين آبائك فعصاه فأسلم ، فنهاه عن الهجرة وقال تدع أهلك وبلدك فعصاه فهاجر ، فنهاه عن الجهاد وقال تقتل وتترك ولدك فعصاه فجاهد ، فله الجنة » الحديث .