فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (16)

وجملة : { قَالَ فبِمَا أَغْوَيْتَنِي } مستأنفة كالجمل السابقة ، واردة جواباً لسؤال مقدّر ، والباء في { فبِمَا } للسببية ، والفاء لترتيب الجملة على ما قبلها . وقيل : الباء للقسم كقوله : { فَبِعِزَّتِكَ لأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } أي فبإغوائك إياي { لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم } ، والإغواء : الإيقاع في الغيّ . وقيل : الباء بمعنى اللام ، وقيل : بمعنى مع . والمعنى : فمع إغوائك إياي . وقيل : «مَا » في { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي } للاستفهام . والمعنى : فبأي شيء أغويتني والأوّل : أولى . ومراده بهذا الإغواء الذي جعله سبباً لما سيفعله مع العباد هو ترك السجود منه ، وأن ذلك كان بإغواء الله له ، حتى اختار الضلالة على الهدى . وقيل : أراد به اللعنة التي لعنه الله ، أي فبما لعنتني فأهلكتني ، لأقعدنّ لهم ومنه : { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } أي هلاكاً . وقال ابن الأعرابي : يقال : غوى الرجل يغوي غياً ، إذا فسد عليه أمره أو فسد هو في نفسه ، ومنه : { وعصى آدَمَ رَبَّهُ فغوى } أي فسد عيشه في الجنة { لأقْعُدَنَّ لَهُمْ } أي لأجهدنّ في إغوائهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسبب تركي السجود لأبيهم . والصراط المستقيم هو الطريق الموصل إلى الجنة . وانتصابه على الظرفية ، أي في صراطك المستقيم كما حكى سيبويه ضرب زيد الظهر والبطن ، واللام في ( لأقعدنّ ) لام القسم ، والباء في { بِمَا أَغْوَيْتَنِي } متعلقة بفعل القسم المحذوف ، أي فبما أغويتني أقسم لأقعدنّ .

/خ18