فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (16)

{ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى } فبسبب إغوائك إياي لأقعدنّ لهم . وهو تكليفه إياه ما وقع به في الغي ولم يثبت كما ثبتت الملائكة مع كونهم أفضل منه ومن آدم أنفساً ومناصب ، وعن الأصم : أمرتني بالسجود فحملني الأنف على معصيتك . والمعنى : فبسبب وقوعي في الغيّ لأجتهدن في إغوائهم حتى يفسدوا بسببي ، كما فسدت بسببهم . فإن قلت : بم تعلقت الباء ، فإن تعلقها بلأقعدنّ يصدّ عنه لام القسم ، لا تقول : والله بزيد لأمرّنّ ؟ قلت : تعلقت بفعل القسم المحذوف تقديره : فبما أغويتني أقسم بالله لأقعدنّ ، أي فبسبب إغوائك أقسم . ويجوز أن تكون الباء للقسم ، أي : فأقسم بإغوائك لأقعدن ، وإنما أقسم بالإغواء ؛ لأنه كان تكليفاً ، والتكليف من أحسن أفعال الله ، لكونه تعريضاً لسعادة الأبد ، فكان جديراً بأن يقسم به . ومن تكاذيب المجبرة ما حكوه عن طاوس : أنه كان في المسجد الحرام فجاء رجل من كبار الفقهاء يرمي بالقدر ، فجلس إليه فقال له طاوس : تقوم أو تقام ، فقام الرجل ، فقيل له : أتقول هذا لرجل فقيه ؟ فقال : إبليس أفقه منه ، قال رب بما أغويتني ، وهذا يقول : أنا أغوي نفسي ، وما ظنك بقوم بلغ من تهالكهم على إضافة القبائح إلى الله سبحانه ، أن لفقوا الأكاذيب على الرسول والصحابة والتابعين . وقيل : { مَا } للاستفهام ، كأنه قيل : بأي شيء أغويتني ، ثم ابتدئ لأقعدنّ . وإثبات الألف إذا أدخل حرف الجر على «ما » الاستفهامية ، قليل شاذ . وأصل الغيّ الفساد . ومنه : غوى الفصيل ، إذا بشم . والبشم : فساد في المعدة { لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم } لأعترضن لهم على طريق الإسلام كما يعترض العدوّ على الطريق ليقطعه على السابلة وانتصابه على الظرف ، كقوله :

كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ ***

وشبهه الزجاج بقولهم : ضرب زيد الظهر والبطن ، أي على الظهر والبطن . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان قعد لابن آدم بأَطرُقِهِ : قعد له بطريق الإسلام فقال له : تدع دين آبائك ، فعصاه فأسلم . ثم قعد له بطريق الهجرة فقال له : تدع ديارك وتتغرب ، فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له : تقاتل فتقتل فيقسم مالك وتنكح امرأتك ، فعصاه فقاتل " .