الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (16)

{ قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } . اختلفوا في ما قال : فبعضهم قال : هو استفهام يعني فبأي شيء أغويتني ثمّ ابتدأ فقال { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ } فقيل : هو ما الجزاء يعني فإنّك أغويتني لأجل أنك أغويتني لأقعدن ، وقيل : هو ما المصدر في موضع القسم تقديره : بإغوائك إياي لأقعدن كقوله

{ بِمَا غَفَرَ لِي } [ يس : 27 ] يعني بغفران ربّي .

وقوله أغويتني أضللتني عن الهدى . وقيل : أهلكتني ، من قول العرب غوى الفصيل [ يعني ] غوي وذلك إذا فقد اللبن فمات . قال الشاعر :

معطفة الأثناء ليس فصيلها *** برازئها دراً ولا ميّت غوى

وحكى عن بعض قبائل طي أنها تقول : أصبح فلان غاوياً أي مريضاً غاراً ، وقال محمد بن جرير : أصل الإغواء في كلام العرب تزيين الرجل للرجل الشيء حتّى يحسنه عنده غاراً له .

قال الثعلبي : وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد الحسين بن هاني قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد [ الراوساني ] قال : حدثنا عليّ بن سلمة قال : حدثنا أبو معاوية الضرير عن رجل لم يسمّ قال : كنت [ عند ] طاووس في المسجد الحرام فجاء رجل ممّن يرمي القدر من كبار الفقهاء فجلس إليه فقال طاووس : [ يقوم أو يقام ] فقام الرجل فقال لطاووس : تقول هذا الرجل فقيه ، فقال إبليس : أفقه منه بقول إبليس ربِ بما أغويتني ويقول : هذا أنا أغوي نفسي .

{ لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } يعني لأجلسنّ [ لبني آدم ] على طريقك القويم وهو الإسلام كما قال أوعجلتم أمر ربّكم يعني عن أمر ربّكم .

وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يقول : " إن الشيطان قعد لبني آدم بطرق فقعد له بطريق الإسلام فقال له : أتسلم وتذر دينك ودين آبائك ، فعصاه فأسلم ثمّ قعد له بطريق الهجرة فقال : أتهاجر وتذر أرضك وسماءك فإنّما مثل المهاجر كالفرس في الطول . فعصاه وهاجر ثمّ قعد له بطريق الجهاد وهو جهد النفس والمال فقال : أتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصا له وجاهد " .

وعن عون بن عبد الله { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } قال : طريق مكّة