قوله تعالى : { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } ، بسط على واحد ، وضيق على الآخر ، وقلل وكثر . { فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم } ، من العبيد ، { فهم فيه سواء } ، أي : حتى يستووا هم وعبيدهم في ذلك . يقول الله تعالى : لا يرضون أن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقهم سواء ، وقد جعلوا عبيدي شركائي في ملكي وسلطاني . يلزم به الحجة على المشركين . قال قتادة : هذا مثل ضربه الله عز وجل ، فهل منكم أحد يشركه مملوكه في زوجته وفراشه وماله ؟ أفتعدلون بالله خلقه وعباده ؟ { أفبنعمة الله يجحدون } ، بالإشراك به ، وقرأ أبو بكر بالتاء ؛ لقوله { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } ، والآخرون بالياء ؛ لقوله : { فهم فيه سواء } .
{ 71 } { وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } .
وهذا من أدلة توحيده ، وقبح الشرك به ، يقول تعالى : كما أنكم مشتركون بأنكم مخلوقون مرزوقون ، إلا أنه تعالى : { فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ } ، فجعل منكم أحرارا ، لهم مال وثروة ، ومنكم أرقاء لهم ، لا يملكون شيئا من الدنيا ، فكما أن سادتهم الذين فضلهم الله عليهم بالرزق ليسوا : { بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ } ، ويرون هذا من الأمور الممتنعة ، فكذلك من أشركتم بها مع الله ، فإنها عبيد ليس لها من الملك مثقال ذرة ، فكيف تجعلونها شركاء لله تعالى ؟ !
هل هذا إلا من أعظم الظلم والجحود لنعم الله ؟ " ولهذا قال : { أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } ، فلو أقروا بالنعمة ونسبوها إلى من أولاها ، لما أشركوا به أحدا .
واللمسة الثانية في الرزق . والتفاوت فيه ملحوظ . والنص يرد هذا التفاوت إلى تفضيل الله لبعضهم على بعض في الرزق . ولهذا التفضيل في الرزق أسبابه الخاضعة لسنة الله . فليس شيء من ذلك جزافا ولا عبثا . وقد يكون الإنسان مفكرا عالما عاقلا ، ولكن موهبته في الحصول على الرزق وتنميته محدودة ، لأن له مواهب في ميادين أخرى . وقد يبدو غبيا جاهلا ساذجا ، ولكن له موهبة في الحصول على المال وتنميته .
والناس مواهب وطاقات . فيحسب من لا يدقق أن لا علاقة للرزق بالمقدرة ، وإنما هي مقدرة خاصة في جانب من جوانب الحياة . وقد تكون بسطة الرزق ابتلاء من الله ، كما يكون التضييق فيه لحكمة يريدها ويحققها بالابتلاء . . وعلى أية حال فإن التفاوت في الرزق ظاهرة ملحوظة تابعة لاختلاف في المواهب - وذلك حين تمتنع الأسباب المصطنعة الظالمة التي توجد في المجتمعات المختلة - والنص يشير إلى هذه الظاهرة التي كانت واقعة في المجتمع العربي ؛ ويستخدمها في تصحيح بعض أوهام الجاهلية الوثنية التي يزاولونها ، والتي سبقت الإشارة إليها . ذلك حين كانوا يعزلون جزءا من رزق الله الذي أعطاهم ويجعلونه لآلهتهم المدعاة . فهو يقول عنهم هنا : إنهم لا يردون جزءا من أموالهم على ما ملكت أيمانهم من الرقيق . [ وكان هذا أمرا واقعا قبل الإسلام ] ليصبحوا سواء في الرزق . فما بالهم يردون جزءا من مال الله الذي رزقهم إياه على آلهتهم المدعاة ؟ ( أفبنعمة الله يجحدون ؟ ) فيجازون النعمة بالشرك ، بدل الشكر للمنعم المتفضل الوهاب ؟ .
وقوله : { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } ، إخبار يراد به العبرة ، وإنما هي قاعدة يبنى المثل عليها ، والمثل هو : أن المفضلين لا يصح منهم أن يساهموا مماليكهم فيما أعطوا حتى تستوي أحوالهم ، فإذا كان هذا في البشر ، فكيف تنسبون أنتم أيها الكفرة إلى الله تعالى : أنه يسمح بأن يشرك في ألوهيته الأوثان والأنصاب ؟ وهم خلقه ، وغيرها مما عبد كالملائكة والأنبياء ، وهم عبيده وخلقه ، هذا تأويل الطبري ، وحكاه عن ابن عباس ، وحكي عنه أن الآية مشيرة إلى عيسى ابن مريم عليه السلام ، قال المفسرون : هذه الآية كقوله تعالى : { ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء }{[7366]} [ الروم : 28 ] ، ثم وقفهم على جحدهم نعمة الله في تنبيهه لهم على مثل هذا من مواطن النظر المؤدية إلى الإيمان ، وقرأ الجمهور وحفص عن عاصم : «يجحدون » ، بالياء من تحت ، وقرأ أبو بكر عن عاصم : «تجحدون » ، بالتاء ، وهي قراءة أبي عبد الرحمن والأعرج بخلاف عنه ، وهي على معنى : قل لهم يا محمد . قال قتادة : لا يكون الجحد إلا بعد معرفة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.