{ والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ في الرزق } ، أي : جعلكم متفاوتين فيه ، فأعطاكم منه أفضلَ مما أعطى مماليكَكم . { فَمَا الذين فُضّلُواْ } فيه على غيرهم ، { بِرَادّي رِزْقِهِمْ } ، الذي رزقهم الله ، { على مَا مَلَكَتْ أيمانهم } ، على مماليكهم الذين هم شركاؤُهم في المخلوقية والمرزوقية ، { فَهُمُ } ، أي : المُلاّك والمماليك ، { فِيهِ } ، أي : في الرزق { سَوَاء } ، أي : لا يردونه عليهم ، بحيث يساوونهم في التصرف ويشاركونهم في التدبير ، والفاء للدِلالة على ترتيب التساوي على الرد ، أي : لا يردونه عليهم ردًّا مستتبعاً للتساوي ، وإنما يردون عليهم منه شيئاً يسيراً ، فحيث لا يرضَون بمساواة مماليكِهم لأنفسهم ، وهم أمثالُهم في البشرية والمخلوقية لله عز سلطانُه ، في شيء لا يختصّ بهم ، بل يعُمهم وإياهم من الرزق الذي هم أُسوةٌ لهم في استحقاقه ، فما بالُهم يشركون بالله سبحانه وتعالى فيما لا يليق إلا به من الألوهية والمعبوديةِ الخاصّة بذاته تعالى لذاته بعضَ مخلوقاته الذي هو بمعزل من درجة الاعتبار ! وهذا كما ترى مثَلٌ ضُرب لكمال قباحةِ ما فعله المشركون تقريعاً عليهم ، كقوله تعالى : { هَلْ لَّكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم مّن شُرَكَاء فِيمَا رزقناكم فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء } الآية ، { أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ } ، حيث يفعلون ما يفعلون من الإشراك ، فإن ذلك يقتضي أن يضيفوا نعم الله سبحانه الفائضةَ عليهم إلى شركائهم ، ويجحدوا كونَها من عند الله تعالى ، أو حيث أنكروا أمثالَ هذه الحجج البالغةِ بعد ما أنعم الله بها عليهم ، والباء لتضمين الجحودِ معنى الكفر نحوُ : { وَجَحَدُواْ بِهَا } ، والفاء للعطف على مقدر ، وهي داخلةٌ في المعنى على الفعل ، أي : أيشركون به فيجحدون نعمته ، وقرئ تجحدون على الخطاب ، أو ليس الموالي برادّي رزقهم على مماليكهم ، بل أنا الذي أرزقهم وإياهم ، فلا يحسبوا أنهم يعطونهم شيئاً ، وإنما هو رزقي أُجريه على أيديهم ، فهم جميعاً في ذلك سواءٌ ، لا مزيةَ لهم على مماليكهم ، ألا يفهمون ذلك فيجحدون نعمة الله ؟ فهو ردّ على زعم المفضَّلين ، أو على فعلهم المؤذِن بذلك ، أو ما المفضَّلون برادّي بعضِ فضلهم على مماليكهم ، فيتساووا في ذلك جميعاً ، مع أن التفضيلَ ليس إلا ليبلوَهم أيشكرون أم يكفرون ، ألا يعرِفون ذلك فيجحدون نعمةَ الله تعالى ؟ كأنه قيل : فلم يردوه عليهم ، والجملةُ الاسميةُ للدلالة على استمرارهم على عدم الرد . يحكى عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما هم إخوانُكم ، فاكسُوهم مما تلبَسون ، وأطعِموهم مما تَطعَمون " . فما رؤيَ عبدُه بعد ذلك إلا ورداؤُه رداؤُه وإزارُه إزاره ، من غير تفاوت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.