في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (71)

51

واللمسة الثانية في الرزق . والتفاوت فيه ملحوظ . والنص يرد هذا التفاوت إلى تفضيل الله لبعضهم على بعض في الرزق . ولهذا التفضيل في الرزق أسبابه الخاضعة لسنة الله . فليس شيء من ذلك جزافا ولا عبثا . وقد يكون الإنسان مفكرا عالما عاقلا ، ولكن موهبته في الحصول على الرزق وتنميته محدودة ، لأن له مواهب في ميادين أخرى . وقد يبدو غبيا جاهلا ساذجا ، ولكن له موهبة في الحصول على المال وتنميته .

والناس مواهب وطاقات . فيحسب من لا يدقق أن لا علاقة للرزق بالمقدرة ، وإنما هي مقدرة خاصة في جانب من جوانب الحياة . وقد تكون بسطة الرزق ابتلاء من الله ، كما يكون التضييق فيه لحكمة يريدها ويحققها بالابتلاء . . وعلى أية حال فإن التفاوت في الرزق ظاهرة ملحوظة تابعة لاختلاف في المواهب - وذلك حين تمتنع الأسباب المصطنعة الظالمة التي توجد في المجتمعات المختلة - والنص يشير إلى هذه الظاهرة التي كانت واقعة في المجتمع العربي ؛ ويستخدمها في تصحيح بعض أوهام الجاهلية الوثنية التي يزاولونها ، والتي سبقت الإشارة إليها . ذلك حين كانوا يعزلون جزءا من رزق الله الذي أعطاهم ويجعلونه لآلهتهم المدعاة . فهو يقول عنهم هنا : إنهم لا يردون جزءا من أموالهم على ما ملكت أيمانهم من الرقيق . [ وكان هذا أمرا واقعا قبل الإسلام ] ليصبحوا سواء في الرزق . فما بالهم يردون جزءا من مال الله الذي رزقهم إياه على آلهتهم المدعاة ؟ ( أفبنعمة الله يجحدون ؟ ) فيجازون النعمة بالشرك ، بدل الشكر للمنعم المتفضل الوهاب ؟ .