ولما ذكر المفاوتة في الأعمار المنادية بإبطال الطبائع ، الموجبة للمسابقة إلى الاعتبار لأولي الأبصار ، للخوف كل لحظة من مصيبة الموت ، ثنى بالمفاوتة في الأرزاق ، فقال تعالى : { والله } ، أي : الذي له الأمر كله ، { فضل بعضكم } ، أيها الناس ، { على بعض } .
ولما كانت وجوه التفضيل كثيرة ، وكان التفضيل في المعاش ، الذي يظن الإنسان أن له قدرة على تحصيله ، وكانت المفاوتة فيه أدل على تمام القدرة ، والفعل بالاختيار الذي السياق له ، قال تعالى : { في الرزق } ، أي : ولربما جعل الضعيف العاجز الجاهل ، أغنى من القوي المحتال العالم ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، وأقبلوا بجميع قلوبكم على ما ينفعكم من الاستبصار ؛ قال الإمام أبو نعيم في الحلية : حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد ، ثنا أحمد بن أحمد بن عمرو الخلال ، قال : سمعت ابن أبي عمر يقول : كنا عند سفيان بن عيينة ، فذكروا الفضل بن الربيع ودهاءه ، فأنشأ سفيان يقول :
كم من قويّ قوي في تقلبه *** مهذب الرأي عنه الرزق منحرف
ومن ضعيف ضعيف العقل مختلط *** كأنه من خليج البحر يغترف
وعن نوادر أبي علي القالي أنه قال : قال أبو بكر ابن الأنباري : وحدثني أبي قال : بعث سليمان المهلبي إلى الخليل بن أحمد بمائة ألف درهم ، وطالبه بصحبته ، فرد عليه المائة ألف ، وكتب إليه هذه الأبيات :
أبلغ سليمان أني عنه في سعة *** وفي غنى غير أني لست ذا مال
سخي بنفسي أني لا أرى أحداً *** يموت هزلاً ولا يبقى على حال
فالرزق عن قدر لا العجز ينقصه *** ولا يزيدك فيه حول محتال
والفقر في النفس لا في المال تعرفه *** ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
ولما كان جعل المملوك في رتبة المالك مما يتعاظمهم في حقوقهم ، مع أنه في الحقيقة لا مالك ولا مُلك ، فلا يدينون لذلك ولا يدانونه وإن جل الخطب ، وأدى إلى ذهاب الأرواح ، بل من كانت أمه مملوكة حطوا رتبته وإن كان أبوه من كان ، وإن كانت العبرة عندهم في النسب بالأب ، وهذا هو الذي أحوج عنترة إلى قوله :
إني امرؤ من خير عبس منصباً *** شطري وأحمي سائري بالمنصل
إلى غير ذلك مما كان يعتذر به عن جهة أمه ، نبههم سبحانه على ما وقعوا فيه في حقه من ذلك بسبب الإشراك ، مع أنه مالك الملك وملك الملوك ، بعدما اجترؤوا عليه في تفضيل أنفسهم في نسبة البنات إليه ، فقال تعالى : { فما الذين فضلوا } ، أي : في الرزق ، { برادّي رزقهم } ، أي : الذي اختصوا به ، { على ما ملكت أيمانهم } ، وإن جل نفعهم ، وتعاظم عندهم وقعهم ، { فهم فيه سواء } ، أي : فيكون بذلك الرد المالك والمملوك سواء ، فهو جواب للنفي - نقله الرماني عن ابن عباس ، ومجاهد وقتادة رضي الله عنهم .
ولما وضح ذلك وضوح الشمس وظهر حتى ما به أصلاً نوع لبس ، تسبب عنه الإنكار في قوله على وجه الإعراض عن خطابهم المؤذن بالمقت : { أفبنعمة الله } ، أي : الذي لا رب غيره ، { يجحدون * } ، في جعلهم له شركاء ، يضيفون إليهم بعض ما أنعم به عليهم ، فيسوون بينهم وبينه في ذلك ، وبنعمتهم يعترفون ، ولها يحفظون في إنزال ما ملكت أيمانهم عنهم في المراتب والأموال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.