قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم } . اهدنا أرشدنا . وقال علي ، وأبي بن كعب : " ثبتنا " كما يقال للقائم قم حتى أعود إليك ، أي دم على ما أنت عليه . وهذا الدعاء من المؤمنين مع كونهم على الهداية بمعنى التثبيت وبمعنى طلب مزيد الهداية ، لأن الألطاف والهدايات من الله تعالى لا تتناهى على مذهب أهل السنة . ( الصراط ، وصراط ) ، قرئ بالسين رواه رويس عن يعقوب وهو الأصل ، سمي سراطاً لأنه يسرط السابلة ، ويقرأ بالزاي ، وقرأ حمزة بإشمام الزاي ، وكلها لغات صحيحة ، واختيار الصاد ، عند أكثر القراء لموافقة المصحف . والصراط المستقيم ، قال ابن عباس وجابر : هو الإسلام وهو قول مقاتل ، وقال ابن مسعود : هو القرآن وروي عن علي مرفوعاً " الصراط المستقيم " كتاب الله ، وقال سعيد بن جبير : طريق الجنة ، وقال سهل بن عبد الله : طريق السنة والجماعة ، وقال بكر بن عبد الله المزني : طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال أبو العالية و الحسن : رسول الله وآله وصاحباه ، وأصله في اللغة الطريق الواضح .
ثم قال تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } أي : دلنا وأرشدنا ، ووفقنا للصراط المستقيم ، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله ، وإلى جنته ، وهو معرفة الحق والعمل به ، فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط . فالهداية إلى الصراط : لزوم دين الإسلام ، وترك ما سواه من الأديان ، والهداية في الصراط ، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا . فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته ، لضرورته إلى ذلك .
وبعد تقرير تلك الكليات الأساسية في التصور الإسلامي ؛ وتقرير الاتجاه إلى الله وحده بالعبادة والاستعانة . . يبدأ في التطبيق العملي لها بالتوجه إلى الله بالدعاء على صورة كلية تناسب جو السورة وطبيعتها : ( اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) . .
( اهدنا الصراط المستقيم ) . . وفقنا إلى معرفة الطريق المستقيم الواصل ؛ ووفقنا للاستقامة عليه بعد معرفته . . فالمعرفة والاستقامة كلتاهما ثمرة لهداية الله ورعايته ورحمته . والتوجه إلى الله في هذا الأمر هو ثمرة الاعتقاد بأنه وحده المعين . وهذا الأمر هو أعظم وأول ما يطلب المؤمن من ربه العون فيه . فالهداية إلى الطريق المستقيم هي ضمان السعادة في الدنيا والآخرة عن يقين . . وهي في حقيقتها هداية فطرة الإنسان إلى ناموس الله الذي ينسق بين حركة الإنسان وحركة الوجود كله في الاتجاه إلى الله رب العالمين .
{ اهدنا الصراط المستقيم } بيان للمعونة المطلوبة فكأنه قال : كيف أعينكم فقالوا { اهدنا } أو إفراد لما هو المقصود الأعظم . والهداية دلالة بلطف ولذلك تستعمل في الخير وقوله تعالى : { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } وارد على التهكم . ومنه الهداية وهوادي الوحش لمقدماتها ، والفعل منه هدى ، وأصله أن يعدى باللام ، أو إلى ، فعومل معاملة اختار في قوله تعالى : { واختار موسى قومه } وهداية الله تعالى تتنوع أنواعا لا يحصيها عد كما قال تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ولكنها تنحصر في أجناس مترتبة :
الأول : إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من الاهتداء إلى مصالحه كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة .
الثاني نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد وإليه أشار حيث قال { وهديناه النجدين } وقال : { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } .
الثالث : الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وإياها عنى بقوله : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } وقوله { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } .
الرابع أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي ، أو الإلهام والمنامات الصادقة ، وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء وإياه عنى بقوله { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } وقوله : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } . فالمطلوب إما زيادة ما منحوه من الهدى ، أو الثبات عليه ، أو حصول المراتب المرتبة عليه فإذا قاله العارف بالله الواصل عنى به أرشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات أحوالنا ، وتميط غواشي أبداننا ، لنستضيء بنور قدسك فنراك بنورك . والأمر والدعاء يتشاركان لفظا ومعنى ويتفاوتان بالاستعلاء والتسفل ، وقيل بالرتبة .
والسراط : من سرط الطعام إذا ابتلعه فكأنه يسرط السابلة ، ولذلك سمي لقما لأنه يلتقمهم . و{ الصراط } من قلب السين صادا ليطابق الطاء في الإطباق ، وقد يشم الصاد صوت الزاي ليكون أقرب إلى المبدل منه . وقرأ ابن كثير برواية قنبل عنه ، ورويس عن يعقوب بالأصل ، وحمزة بالإشمام ، والباقون بالصاد وهو لغة قريش ، والثابت في الإمام وجمعه سرط ككتب وهو كالطريق في التذكير والتأنيث .
و{ المستقيم } المستوي والمراد به طريق الحق ، وقيل هو ملة الإسلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.