قوله تعالى : { فإذا جاءتهم الحسنة } ، يعني : الخصب والسعة والعافية .
قوله تعالى : { قالوا لنا هذه } ، أي نحن أهلها ومستحقوها على العادة التي جرت لنا في سعة أرزاقنا ، ولم يروها تفضلاً من الله عز وجل فيشكروه عليها .
قوله تعالى : { وإن تصبهم سيئة } ، جدب وبلاء ورأوا ما يكرهون .
قوله تعالى : { يطيروا } يتشاءموا .
قوله تعالى : { بموسى ومن معه } ، وقالوا : ما أصابنا بلاء حتى رأيناهم ، فهذا من شؤم موسى وقومه ، وقال سعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر : كان ملك فرعون أربعمائة سنة ، وعاش ستمائة وعشرون سنة لا يرى مكروهاً ، ولو كان له في تلك المدة جوع ، أو حمى ليلة ، أو وجع ساعة ، لما ادعى الربوبية قط .
قوله تعالى : { ألا إنما طائرهم عند الله } ، أي : نصيبهم من الخصب ، والجدب ، والخير والشر ، كله من الله . وقال ابن عباس : طائرهم ما قضى الله عليهم ، وقدر لهم . وفي رواية عنه : شؤمهم عند الله ، ومن قبل الله ، أي : إنما جاءهم الشؤم بكفرهم بالله ، وقيل معناه : الشؤم العظيم الذي لهم عند الله من عذاب النار .
قوله تعالى : { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ، أن الذي أصابهم من الله .
فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ أي : الخصب وإدرار الرزق قَالُوا لَنَا هَذِهِ أي : نحن مستحقون لها ، فلم يشكروا اللّه عليها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي : قحط وجدب يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أي : يقولوا : إنما جاءنا بسبب مجيء موسى ، واتباع بني إسرائيل له .
قال اللّه تعالى : أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أي : بقضائه وقدرته ، ليس كما قالوا ، بل إن ذنوبهم وكفرهم هو السبب في ذلك ، بل أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي : فلذلك قالوا ما قالوا .
لم ينتبهوا لهذه الظاهرة التي شاءت رحمة الله بعباده أن تبرزها لأعينهم . ولكنهم كانوا إذا أصابتهم الحسنة والرخاء حسبوها حقاً طبيعياً لهم ! وإذا أصابتهم السيئة والجدب نسبوا هذا إلى شؤم موسى ومن معه عليهم .
( فإذا جاءتهم الحسنة قالوا : لنا هذه ! وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ) . .
وحين تنحرف الفطرة عن الإيمان بالله ، فإنها لا ترى يده - سبحانه - في تصريف هذا الوجود ؛ ولا ترى قدره الذي تنشأ به الأشياء والأحداث . وعندئذ تفقد إدراكها وحساسيتها بالنواميس الكونية الثابتة النافذة . فتفسر الحوادث تفسيرات منفصلة منعزلة . لا صلة بينها ولا قاعدة ولا ترابط ؛ وتهيم مع الخرافة في دروب ملتوية متفرقة ؛ لا تلتقي عند قاعدة ، ولا تجتمع وفق نظام - وذلك كالذي قاله خروشوف صاحب الاشتراكية " العلمية ! " عن معاكسة " الطبيعة ! " لهم في تعليل نقص الثمرات والغلات ! وكما يقول الذين يمضون مع هذه " العلمية " المدعاة في تعليل مثل هذه الأحداث . . وهم ينكرون قدر الله . . وفيهم من يدعي بعد استنكار غيب الله وقدر الله أنه " مسلم " وهو ينكر أصول الإيمان بالله !
وهكذا مضى فرعون وآله يعللون الأحداث . الحسنة التي تصيبهم هي من حسن حظهم وهم يستحقونها . والسيئة التي تصيبهم هي بشؤم موسى ومن معه عليهم ، ومن تحت رأسهم !
وأصل " التطير " في لغة العرب ما كان الجاهليون في وثنيتهم وشركهم وبعدهم عن إدراك سنن الله وقدره يزاولونه . . فقد كان الرجل منهم إذا أراد أمرا ، جاء إلى عش طائر فهيجه عنه ، فإذا طار عن يمينه - وهو السانح - استبشر بذلك ومضى في الأمر الذي يريده . وإذا طار الطائر عن شماله - وهو البارح - تشاءم به ورجع عما عزم عليه ! فأبطل الإسلام هذا التفكير الخرافي ؛ وأحل محله التفكير " العلمي " - العلمي الصحيح - وأرجع الأمور إلى سنن الله الثابتة في الوجود ؛ وإلى قدر الله الذي يحقق هذه السنن في كل مرة تتحقق فيها ؛ وأقام الأمور على أسس " علمية " يحسب فيها نية الإنسان وعمله وحركته وجهده ؛ وتوضع في موضعها الصحيح ، في إطار المشيئة الإلهية الطليقة ، وقدره النافذ المحيط :
( ألا إنما طائرهم عند الله ؛ ولكن أكثرهم لا يعلمون ) . .
إن ما يقع لهم مصدره كله واحد . . إنه من أمر الله . . ومن هذا المصدر تصيبهم الحسنة للابتلاء . . وتصيبهم السيئة للابتلاء : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) . . ويصيبهم النكال للجزاء . . ولكن أكثرهم لا يعلمون . . كالذين ينكرون غيب الله وقدره في هذه الأيام باسم " العقلية العلمية " ! وكالذين ينسبون إلى الطبيعة المعاكسة باسم " الاشتراكية العلمية " كذلك ! ! ! وكلهم جهال . . وكلهم لا يعلمون !
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هََذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطّيّرُواْ بِمُوسَىَ وَمَن مّعَهُ أَلآ إِنّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلََكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : فإذا جاءت آل فرعون العافية والخصب والرخاء وكثرة الثمار ، ورأوا ما يحبون في دنياهم قالُوا لَنا هَذِهِ نحن أولى بها . وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يعني جدوب وقُحوط وبلاء ، يَطّيّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ يقول : يتشاءموا ويقولوا : ذهبت حظوظنا وأنصباؤنا من الرخاء والخصب والعافية ، مذ جاءنا موسى عليه السلام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : فإذَا جاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ العافية والرخاء ، قالُوا لَنا هَذِهِ نحن أحقّ بها . وَإن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بلاء وعقوبة ، يَطّيّرُوا يتشاءموا بِمُوسَى .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فإذَا جاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ قالُوا لَنا هَذِهِ وَإن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطّيّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ قالوا : ما أصابنا هذا إلا بك يا موسى وبمن معك ، ما رأينا شرّا ولا أصابنا حتى رأيناك . وقوله : فإذَا جاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ قالُوا لَنا هَذِهِ قال : الحسنة : ما يحبون وإذا كان ما يكرهون ، قالوا : ما أصابنا هذا إلا بشؤم هؤلاء الذين ظلموا قال قوم صالح : اطّيّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ فقال الله : إنّمَا طائِرُكُمْ عِنْدَ اللّهِ بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ .
القول في تأويل قوله : ألاّ أنّما طائِرُهُمْ عنْدَ اللّهِ وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ .
يقول تعالى ذكره : ألا ما طائر آل فرعون وغيرهم ، وذلك أنصباؤهم من الرخاء والخصب وغير ذلك من أنصباء الخير والشرّ إلا عند الله . ولكن أكثرهم لا يعلمون أن ذلك كذلك ، فلجهلهم بذلك كانوا يطّيرون بموسى ومن معه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : ألاّ أنّمَا طائِرُهُمْ عِنْدَ اللّهِ يقول : مصائبهم عند الله ، قال الله : وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ألاَ أنّمَا طائِرُهُمْ عِنْدَ اللّهِ قال : الأمر من قِبَل الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.