السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَإِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓۗ أَلَآ إِنَّمَا طَـٰٓئِرُهُمۡ عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (131)

ثم بين سبحانه وتعالى أنهم عند نزول تلك المحن عليهم يقدمون على ما يزيد في كفرهم ومعصيتهم فقال :

{ فإذا جاءتهم الحسنة } قال ابن عباس : العشب والخصب والثمار والمواشي والسعة في الرزق والعافية والسلامة { قالوا لنا هذه } أي : نحن مستحقوه على العادة التي جرت من كثرة نعمتنا وسعة أرزاقنا ولم يعلموا أنه من الله تعالى فيشكروه على أنعامه { وإن تصبهم سيئة } أي : قحط وجدب ومرض وبلاء ورأوا ما يكرهونه في أنفسهم { يطيروا } يتشاءموا وأصله يتطيروا { بموسى ومن معه } من المؤمنين ، ويقولون : ما أصابنا إلا بشؤمهم وهذا إغراق في وصفهم في الغباوة والقساوة فإن الشدائد ترقق القلوب وتذلل العرائك وتزيل التماسك سيما بعد مشاهدة الآيات وهي لم تؤثر فيهم بل زادوا عندها عتوّاً وانتهاكاً في البغي وإنما عرّف الحسنة وذكرها مع أداة التحقيق لكثرة وقوعها وتعلق الإرادة بأحداثها بالذات ونكر السيئة وأتى بها مع حرف الشك لندورها وعدم القصد إلا بالتبع { ألا إنما طائرهم عند الله } أي : سبب خيرهم وشرهم عنده تعالى وهو حكمه ومشيئته أو سبب شؤمهم عند الله تعالى وهو أعمالهم المكتوبة عنده فإنها التي ساقت إليهم ما يسوءهم { ولكنّ أكثرهم لا يعلمون } أي : إنّ ما يصيبهم من الله تعالى وذلك لأنّ أكثر الخلق يضيفون الحوادث إلى الأسباب المحسوسة ويقطعونها عن قضاء الله تعالى وتقديره : والحق أنّ الكل من الله تعالى لأنّ كل موجود إما واجب لذاته أو ممكن لذاته والواجب لذاته واحد وما سواه ممكن لذاته والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته وبهذا الطريق يكون الكل من الله تعالى فإسناده إلى غير الله تعالى يكون جهلاً بكمال الله تعالى .