الأولى - قوله تعالى : " فإذا جاءتهم الحسنة " أي الخصب والسعة . " قالوا لنا هذه " أي أعطيناها باستحقاق . " وإن تصبهم سيئة " أي قحط ومرض وهي المسألة : -
الثانية - " يطيروا بموسى ومن معه " أي يتشاءموا به . نظيره " وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك{[7306]} " [ النساء : 78 ] . والأصل " يتطيروا " أدغمت التاء في الطاء . وقرأ طلحة : " تطيروا " على أنه فعل ماض . والأصل في هذا من الطيرة وزجر الطير ، ثم كثر استعمالهم حتى قيل لكل من تشاءم : تطير . وكانت العرب تتيمن بالسانح : وهو الذي يأتي من ناحية اليمين . وتتشاءم بالبارح : وهو الذي يأتي من ناحية الشمال . وكانوا يتطيرون أيضا بصوت الغراب ، ويتأولونه البين . وكانوا يستدلون بمجاوبات الطيور بعضها بعضا على أمور ، وبأصواتها في غير أوقاتها المعهودة على مثل ذلك . وهكذا الظباء إذا مضت سانحة أو بارحة ، ويقولون إذا برحت : " من لي بالسانح بعد البارح{[7307]} " . إلا أن أقوى ما عندهم كان يقع في جميع الطير ، فسموا الجميع تطيرا من هذا الوجه . وتطير الأعاجم إذا رأوا صبيا يذهب به إلى العلم بالغداة ، ويتيمنون برؤية صبي يرجع من عند المعلم إلى بيته ، ويتشاءمون برؤية السقاء على ظهره قربة مملوءة مشدودة ، ويتيمنون برؤية فارغ السقاء مفتوحة قربته{[7308]} ؛ ومتشائمون بالحمال المثقل بالحمل ، والدابة الموقرة ، ويتيمنون بالحمال الذي وضع حمله ، وبالدابة يحط عنها ثقلها . فجاء الإسلام بالنهي عن التطير والتشاؤم بما يسمع من صوت طائر ما كان ، وعلى أي حال كان ، فقال عليه السلام : ( أقروا الطير على مكناتها{[7309]} ) . وذلك أن كثيرا من أهل الجاهلية كان إذا أراد الحاجة أتى الطير في وكرها فنفرها ، فإذا أخذت ذات اليمين مضى لحاجته ، وهذا هو السانح عندهم . وإن أخذت ذات الشمال رجع ، وهذا هو البارح عندهم . فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا بقول : ( أقروا الطير على مكناتها ) هكذا في الحديث . وأهل العربية يقولون : ( وكناتها ) قال امرؤ القيس :
والوكنة : اسم لكل وكر وعش . والوكن : موضع الطائر الذي يبيض فيه ويفرخ ، وهو الخرق في الحيطان والشجر . ويقال : وكن الطائر يكن وكونا إذا حضن بيضه . وكان أيضا من العرب من لا يرى التطير شيئا ، ويمدحون من كذب به . قال المرقش :
ولقد غدوتُ وكنتُ لا *** أغدو على واقٍ وحاتمِ{[7310]}
فإذا الأشائمُ كالأيا *** من والأيامنُ كالأشائمِ
وقال عكرمة : كنت عند ابن عباس فمر طائر يصيح ، فقال رجل من القوم : خير ، خير . فقال ابن عباس : ما عند هذا لا خير ولا شر . قال علماؤنا : وأما أقوال الطير فلا تعلق لها بما يجعل دلالة عليه ، ولا لها علم بكائن فضلا عن مستقبل فتخبر به ، ولا في الناس من يعلم منطق الطير ، إلا ما كان الله تعالى خص به سليمان صلى الله عليه وسلم من ذلك ، فالتحق التطير بجملة الباطل . والله أعلم . وقال صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من تحلم{[7311]} أو تكهن أو رده عن سفره تطير ) . وروى أبو داود عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الطيرة شرك - ثلاثا - وما منا إلا ولكن{[7312]} الله يذهبه بالتوكل ) . وروى عبدالله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من رجعته الطيرة عن حاجته فقد أشرك ) . قيل : وما كفارة ذلك يا رسول الله ؟ قال : ( أن يقول أحدهم اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ثم يمضي لحاجته ) . وفي خبر آخر : ( إذا وجد ذلك أحدكم فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت لا حول ولا قوة إلا بك ) . ثم يذهب متوكلا على الله ، فإن الله يكفيه ما وجد في نفسه من ذلك ، وكفاه الله تعالى ما يهمه . وقد تقدم في المائدة الفرق بين الفأل والطيرة{[7313]}
قوله تعالى : " ألا إنما طائرهم عند الله " وقرأ الحسن " طيرهم " جمع طائر . أي ما قدر لهم وعليهم . " ولكن أكثرهم لا يعلمون " أن ما لحقهم من القحط والشدائد إنما هو من عند الله عز وجل بذنوبهم لا من عند موسى وقومه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.