معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (71)

قوله تعالى : { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } ، بسط على واحد ، وضيق على الآخر ، وقلل وكثر . { فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم } ، من العبيد ، { فهم فيه سواء } ، أي : حتى يستووا هم وعبيدهم في ذلك . يقول الله تعالى : لا يرضون أن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقهم سواء ، وقد جعلوا عبيدي شركائي في ملكي وسلطاني . يلزم به الحجة على المشركين . قال قتادة : هذا مثل ضربه الله عز وجل ، فهل منكم أحد يشركه مملوكه في زوجته وفراشه وماله ؟ أفتعدلون بالله خلقه وعباده ؟ { أفبنعمة الله يجحدون } ، بالإشراك به ، وقرأ أبو بكر بالتاء ؛ لقوله { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } ، والآخرون بالياء ؛ لقوله : { فهم فيه سواء } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (71)

{ 71 } { وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } .

وهذا من أدلة توحيده ، وقبح الشرك به ، يقول تعالى : كما أنكم مشتركون بأنكم مخلوقون مرزوقون ، إلا أنه تعالى : { فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ } ، فجعل منكم أحرارا ، لهم مال وثروة ، ومنكم أرقاء لهم ، لا يملكون شيئا من الدنيا ، فكما أن سادتهم الذين فضلهم الله عليهم بالرزق ليسوا : { بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ } ، ويرون هذا من الأمور الممتنعة ، فكذلك من أشركتم بها مع الله ، فإنها عبيد ليس لها من الملك مثقال ذرة ، فكيف تجعلونها شركاء لله تعالى ؟ !

هل هذا إلا من أعظم الظلم والجحود لنعم الله ؟ " ولهذا قال : { أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } ، فلو أقروا بالنعمة ونسبوها إلى من أولاها ، لما أشركوا به أحدا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (71)

ثم انتقلت السورة الكريمة من الحديث عن خلق الإِنسان ، وتقلبه فى أطوار عمره ، إلى الحديث عن التفاوت بين الناس في أرزاقهم ، فقال - تعالى - : { والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ فِي الرزق . . . } فجعل منكم الغني والفقير ، والمالك والمملوك ، والقوي والضعيف ، وغير ذلك من ألوان التفاوت بين الناس ، لحكمة هو يعلمها - سبحانه - .

ثم بين - سبحانه - موقف المفضلين في الرزق من غيرهم فقال : { فَمَا الذين فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ على مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ . . } ، أي : فليس الذين فضلهم الله - تعالى - في الرزق على غيرهم { برادي } ، أي : بمانحي وباذلي { رزقهم } ، الذي رزقهم الله إياه على مماليكهم ، أو خدمهم الذين هم إخوة لهم في الإنسانية . { فهم } ، أي : الأغنياء الذين فضلوا في الرزق ومماليكهم وخدمهم ، { فيه } ، أي : في هذا الرزق { سواء } ، من حيث إني أنا الرازق للجميع .

فالجملة الكريمة يجوز أن تكون دعوة من الله - تعالى - للذين فضلوا على غيرهم في الرزق ، بأن ينفقوا على مماليكهم وخدمهم ؛ لأن ما ينفقونه عليهم هو رزق أجراه الله للفقراء على أيدي الأغنياء . وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله عند تفسير الآية : أي : جعلكم متفاوتين في الرزق ، فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهم بشر مثلكم ، وإخوانكم ، فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم ، حتى تتساووا في الملبس والمطعم ، " كما يحكى عن أبي ذر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما هم إخوانكم ، فاكسوهم مما تلبسون ، وأطعموهم مما تطعمون " . فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه ، وإزاره إزاره ، من غير تفاوت " .

ويجوز أن تكون الآية الكريمة توبيخا للذين يشركون مع الله - تعالى - آلهة أخرى في العبادة . فيكون المعنى : لقد فضل الله - تعالى - بعضكم على بعض في الرزق - أيها الناس - ، ومع ذلك فالمشاهد الغالب بينهم ، أن الأغنياء لا يردون أموالهم على خدمهم وعبيدهم ، بحيث يتساوون معهم في الرزق ، وإذا ردوا عليهم شيئا ، فإنما هو شيء قليل يسير ، يدل على بخلهم وحرصهم . . مع أني أنا الرازق للجميع .

وإلى هذا المعنى أشار ابن كثير بقوله عند تفسيره للآية : " يبين - تعالى - للمشركين جهلهم وكفرهم فيما زعموه لله من شركاء ، وهم يعترفون بأنهم عبيد له ، كما كانوا يقولون في تلبيتهم في حجهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ، فقال - تعالى - منكرا عليهم : أنتم لاترضون أن تساووا عبيدكم فيما رزقناكم ، فكيف يرضى هو تعالى - بمساواة عبيد له في الإلهية والتعظيم ، كما قال - تعالى - في آية أخرى : { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ . . } . وقال العوفي : عن ابن عباس في هذه الآية يقول : لم يكونوا ليشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم ، فكيف يشركون معي عبيدي في سلطاني . . " .

وهذا المعنى الثاني هو الأقرب إلى سياق آيات السورة الكريمة ؛ لأن السورة الكريمة مكية ، ومن أهدافها الأساسية دعوة الناس إلى إخلاص العبادة لله - عز وجل - ، ونبذ الإِشراك والمشركين ، وإقامة الأدلة المتنوعة على بطلان كل عبادة لغير الله - تعالى - .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ } . والاستفهام هنا ؛ للتوبيخ والتقريع ، والفاء معطوفة على مقدر ، أي : أيشركون به - سبحانه - فيجحدون نعمه ، وينكرونها ، ويغمطونها حقها ، مع أنه - تعالى - هو الذي وهبهم هذه النعم ، وهو الذي منحهم ما منحهم من أرزاق ؟ ! ! .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (71)

51

واللمسة الثانية في الرزق . والتفاوت فيه ملحوظ . والنص يرد هذا التفاوت إلى تفضيل الله لبعضهم على بعض في الرزق . ولهذا التفضيل في الرزق أسبابه الخاضعة لسنة الله . فليس شيء من ذلك جزافا ولا عبثا . وقد يكون الإنسان مفكرا عالما عاقلا ، ولكن موهبته في الحصول على الرزق وتنميته محدودة ، لأن له مواهب في ميادين أخرى . وقد يبدو غبيا جاهلا ساذجا ، ولكن له موهبة في الحصول على المال وتنميته .

والناس مواهب وطاقات . فيحسب من لا يدقق أن لا علاقة للرزق بالمقدرة ، وإنما هي مقدرة خاصة في جانب من جوانب الحياة . وقد تكون بسطة الرزق ابتلاء من الله ، كما يكون التضييق فيه لحكمة يريدها ويحققها بالابتلاء . . وعلى أية حال فإن التفاوت في الرزق ظاهرة ملحوظة تابعة لاختلاف في المواهب - وذلك حين تمتنع الأسباب المصطنعة الظالمة التي توجد في المجتمعات المختلة - والنص يشير إلى هذه الظاهرة التي كانت واقعة في المجتمع العربي ؛ ويستخدمها في تصحيح بعض أوهام الجاهلية الوثنية التي يزاولونها ، والتي سبقت الإشارة إليها . ذلك حين كانوا يعزلون جزءا من رزق الله الذي أعطاهم ويجعلونه لآلهتهم المدعاة . فهو يقول عنهم هنا : إنهم لا يردون جزءا من أموالهم على ما ملكت أيمانهم من الرقيق . [ وكان هذا أمرا واقعا قبل الإسلام ] ليصبحوا سواء في الرزق . فما بالهم يردون جزءا من مال الله الذي رزقهم إياه على آلهتهم المدعاة ؟ ( أفبنعمة الله يجحدون ؟ ) فيجازون النعمة بالشرك ، بدل الشكر للمنعم المتفضل الوهاب ؟ .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (71)

يبين تعالى للمشركين جهلهم وكفرهم فيما زعموه{[16565]} لله من الشركاء ، وهم يعترفون{[16566]} أنها عبيد له ، كما كانوا يقولون في تلبياتهم في حجهم : " لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك " . فقال تعالى منكرا عليهم : إنكم{[16567]} لا ترضون أن تساووا عبيدكم فيما رزقناكم ، فكيف يرضى هو تعالى بمساواة عبيده له في الإلهية والتعظيم ، كما قال في الآية الأخرى : { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ }{[16568]} الآية [ الروم : 28 ] .

قال العوفي ، عن ابن عباس في هذه الآية : يقول : لم يكونوا ليشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم ، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني ؟ ! ، فذلك قوله : { أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } .

وقال في الرواية الأخرى ، عنه : فكيف ترضون لي مالا ترضون{[16569]} لأنفسكم .

وقال مجاهد في هذه الآية : هذا مثل الآلهة الباطلة{[16570]} .

وقال قتادة : هذا مثل ضربه الله ، فهل منكم من أحد شارك{[16571]} مملوكه في زوجته وفي فراشه ، فتعدلون بالله خلقه وعباده ؟ فإن لم ترض لنفسك هذا ، فالله{[16572]} أحق أن ينزه منك .

وقوله : { أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } ، أي : أنهم جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ، فجحدوا نعمته{[16573]} ، وأشركوا معه غيره .

وعن الحسن البصري قال : كتب عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، هذه الرسالة إلى أبي موسى الأشعري : واقنع برزقك من الدنيا ، فإن الرحمن فَضَّل بعض عباده على بعض في الرزق ، بل{[16574]} يبتلي به كلا ، فيبتلي من بَسَط له ، كيف شُكره لله ، وأداؤه الحق الذي افترض عليه فيما رزقه وخوله ؟ رواه ابن أبي حاتم .


[16565]:في ت، ف: "يزعمون".
[16566]:في ت، ف، أ: "يعرفون".
[16567]:في ت، ف، أ: "أنتم".
[16568]:في ت: "فيما".
[16569]:في ت: "ترضوه".
[16570]:في ت، ف، أ: "الباطل".
[16571]:في ف: "يشارك".
[16572]:في ف: "فإن الله".
[16573]:في ف، أ: "بنعمة الله".
[16574]:في ت، ف، أ: "بلاء".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (71)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاللّهُ فَضّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىَ بَعْضٍ فِي الْرّزْقِ فَمَا الّذِينَ فُضّلُواْ بِرَآدّي رِزْقِهِمْ عَلَىَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ } .

يقول تعالى ذكره : والله أيها الناس فضّل بعضكم على بعض في الرزق الذي رزقكم في الدنيا ، فما الذين فضّلهم الله على غيرهم بما رزقهم { بِرَادّي رِزْقهِمْ على ما مَلَكَتْ أيمَانُهُمْ } ، يقول : بمشركي مماليكِهم فيما رزقهم من الأموال والأزواج . فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ، يقول : حتى يستووا هم في ذلك وعبيدهم ، يقول تعالى ذكره : فهم لا يرضَون بأن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقتهم سواء ، وقد جعلوا عبيدي شركائي في ملكي وسلطاني . وهذا مَثَل ضربه الله تعالى ذكره للمشركين بالله . وقيل : إنما عَنَى بذلك الذين قالوا : إن المسيح ابن الله من النصارى . وقوله : أفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ يقول تعالى ذكره : أفبنعمة الله التي أنعمها على هؤلاء المشركين من الرزق الذي رزقهم في الدنيا ، يجحدون بإشراكهم غير الله من خلقه في سلطانه ومُلكه ؟

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَاللّهُ فَضّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ فِي الرّزْقِ فَمَا الّذِينَ فُضّلُوا بِرَادّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أيمَانُهُمْ } ، يقول : لم يكونوا يشركون عبيدهم في أموالهم ونسائهم ، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني ؟ فذلك قوله : { أفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ } .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : هذه الآية في شأن عيسى ابن مريم ، يعني بذلك نفسه ، إنما عيسى عبد ، فيقول الله : والله ما تشركون عبيدكم في الذي لكم ، فتكونوا أنتم وهم سواء ، فكيف ترضَون لي بما لا ترضون لأنفسكم ؟

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { بِرَادّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أيمَانُهُمْ } ، قال : مثل آلهة الباطل مع الله تعالى ذكره .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَاللّهُ فَضّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ فِي الرّزْقِ فَمَا الّذِينَ فُضّلُوا بِرَادّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أيمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أفَبِنَعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ } وهذا مثل ضربه الله ، فهل منكم من أحد شارك مملوكه ، في زوجته ، وفي فراشه ، فتعدلون بالله خلقه وعباده ؟ فإن لم ترض لنفسك هذا ، فالله أحقّ أن ينزّه منه من نفسك ، ولا تعدل بالله أحدا من عباده وخلقه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { فَمَا الّذِينَ فُضّلُوا بِرَادّي رِزْقِهِمْ على ما مَلَكَتْ أيمَانُهُمْ } قال : هذا الذي فضل في المال والولد ، لا يشرك عبده في ماله وزوجته . يقول : قد رضيت بذلك لله ولم ترض به لنفسك ، فجعلت لله شريكا في ملكه وخلقه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (71)

{ والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق } ، فمنكم غني ومنكم فقير ، ومنكم موال يتولون رزقهم ورزق غيرهم ، ومنكم مماليك حالهم على خلاف ذلك . { فما الذين فُضّلوا برادّي رزقهم } ، بمعطي رزقهم . { على ما ملكت أيمانهم } ، على مماليكهم ، فإنما يردون عليهم رزقهم الذي جعله الله في أيديهم . { فهو فيه سواء } ، فالموالي والمماليك سواء في أن الله رزقهم ، فالجملة لازمة للجملة المنفية أو مقررة لها ، ويجوز أن تكون واقعة موقع الجواب ، كأنه قيل : فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا في الرزق ، على أنه رد وإنكار على المشركين ، فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته في الألوهية ، ولا يرضون أن يشاركهم عبيدهم . فيما أنعم الله عليهم فيساورهم فيه . { أفبنعمة الله يجحدون } ، حيث يتخذون له شركاء ، فإنه يقتضي : أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم ، ويجحدوا أنه من عند الله ، أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بعدما أنعم الله عليهم بإيضاحهم ، والباء لتضمن الجحود معنى الكفر . وقرأ أبو بكر : " تجحدون " ، بالتاء لقوله : { خلقكم } ، و{ فضل بعضكم } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (71)

وقوله : { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } ، إخبار يراد به العبرة ، وإنما هي قاعدة يبنى المثل عليها ، والمثل هو : أن المفضلين لا يصح منهم أن يساهموا مماليكهم فيما أعطوا حتى تستوي أحوالهم ، فإذا كان هذا في البشر ، فكيف تنسبون أنتم أيها الكفرة إلى الله تعالى : أنه يسمح بأن يشرك في ألوهيته الأوثان والأنصاب ؟ وهم خلقه ، وغيرها مما عبد كالملائكة والأنبياء ، وهم عبيده وخلقه ، هذا تأويل الطبري ، وحكاه عن ابن عباس ، وحكي عنه أن الآية مشيرة إلى عيسى ابن مريم عليه السلام ، قال المفسرون : هذه الآية كقوله تعالى : { ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء }{[7366]} [ الروم : 28 ] ، ثم وقفهم على جحدهم نعمة الله في تنبيهه لهم على مثل هذا من مواطن النظر المؤدية إلى الإيمان ، وقرأ الجمهور وحفص عن عاصم : «يجحدون » ، بالياء من تحت ، وقرأ أبو بكر عن عاصم : «تجحدون » ، بالتاء ، وهي قراءة أبي عبد الرحمن والأعرج بخلاف عنه ، وهي على معنى : قل لهم يا محمد . قال قتادة : لا يكون الجحد إلا بعد معرفة .


[7366]:من الآية (28) من سورة (الروم).