معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَوۡ كَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّةُۚ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (42)

ثم نزل في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك : { لو كان عرضًا قريباً } ، واسم كان مضمر ، أي : لو كان ما تدعونهم إليه عرضا قريبا ، أي : غنيمة قريبة المتناول ، { وسفراً قاصداً } ، أي قريبا هينا ، { لاتبعوك } ، لخرجوا معك ، { ولكن بعدت عليهم الشقة } أي : المسافة ، والشقة : السفر البعيد ، لأنه يشق على الإنسان . وقيل : الشقة الغاية التي يقصدونها ، { وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم } ، يعني باليمين الكاذبة ، { والله يعلم إنهم لكاذبون } ، في أيمانهم وإيمانهم ، لأنهم كانوا مستطيعين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَوۡ كَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّةُۚ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (42)

لو كان خروجهم لطلب العرض القريب ، أي : منفعة دنيوية سهلة التناول { و } كان السفر { سَفَرًا قَاصِدًا } أي : قريبا سهلا . { لَاتَّبَعُوكَ } لعدم المشقة الكثيرة ، { وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ } أي : طالت عليهم المسافة ، وصعب عليهم السفر ، فلذلك تثاقلوا عنك ، وليس هذا من أمارات العبودية ، بل العبد حقيقة هو المتعبد لربه في كل حال ، القائم بالعبادة السهلة والشاقة ، فهذا العبد للّه على كل حال .

{ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } أي : سيحلفون أن تخلفهم عن الخروج أن لهم أعذرا وأنهم لا يستطيعون ذلك .

{ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ } بالقعود والكذب والإخبار بغير الواقع ، { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

وهذا العتاب إنما هو للمنافقين ، الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في { غزوة تبوك } وأبدوا من الأعذار الكاذبة ما أبدوا ، فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بمجرد اعتذارهم ، من غير أن يمتحنهم ، فيتبين له الصادق من الكاذب ، ولهذا عاتبه اللّه على هذه المسارعة إلى عذرهم فقال :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَوۡ كَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّةُۚ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (42)

ثم أخذت السورة الكريمة في بيان قبائح المنافقين ، ومعاذيرهم الواهية ، ومساكلهم الخبيثة . وأيمانهم الفاجرة . . فقال - تعالى - : { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً . . . } .

قال الفخر الرازى هذه الآية نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك والعرض . ما يعرض للانسان من منافع الدنيا وشهواتها .

والسفر القاصد : هو السفر القريب السهل الذي لا يصاحبه ما يؤدى إلى التعب الشديد . من المقصد بمعنى التوسط والاعتدال في الشئ .

والشقة : المسافة التي لا تقطع إلا بعد تكبد المشقة والتعب ، فهى مأخوذة من المشقة وشدة العناء .

قال القرطبى : حكى أبوع بيدة وغيره أن الشقة : السفر إلى أرض بعيدة . يقال : منه شقة شاقة . والمراد بذلك كله غزوة تبوك . .

والمعنى : لو كان الذي دعوتهم إليه يا محمد ، متاعاً من متع الحياة الدنيا ، وسفراً سهلا قريباً ، لاتبعوك فيما دعوتهم إليه ، لأنه يوافق أهواءهم ، ويشبع رغباتهم ، ولكنهم حين عرفوا أن ما دعوتهم إليه هو الجهاد في سبيل الله وما يصحبه من أسفار شاقة . وتضحيات جسمية . . تعلَّلوا لك بالمعاير الكاذبة ، وتخلفوا عن الخروج معك ، حبناً منهم ، وحباً للراحة والسلام .

وشبيه بهذه الآية من حيث المعنى ، قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شأن المتخلفين عن صلاة الجماعة " لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً ، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء " .

أى : لو يعلم أحد هؤلاء المتخلفين عن صلاة العشاء في جماعة ، أنه يجد عند حضور صلاتها في جماعة شيئاً من اللحم لحضرها .

ثم حكى - سبحانه - ما سيقوله هؤلاء المنافقون بعد عودة المؤمنين من الجهاد فقال : { وَسَيَحْلِفُونَ بالله لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } .

أى : وسيحلق هؤلاء المنافقون بالله - كذباً وزوراً - قائلين . لو استطعنا أيها المؤمنون أن نخرج معكم للجهاد في تبوك لخرجنا : فاننا لم نتخلف عن الخروج معكم إلا مضطرين ، فقد كانت لنا أعذارنا القاهرة التي حملتنا على التخلف ! !

وأتى - سبحانه - بالسين في قوله : { وَسَيَحْلِفُونَ } لأنه من قبيل الإِخبار بالغيب . فقد كان نزول هذه الآية قبل رجوعه - صلى الله عليه وسلم - من تبوك . وحلفهم هذا كان بعد رجوعه منها .

قال الفخر الرازى : قالوا : الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر عنهم أنهم سيحلفون ، وهذا إخبار عن غيب يقع في المستقبل ، والأمر لما وقع كما أخبر كان هذا إخباراً عن الغيب فكان معجزاً .

والمراد بالاستطاعة في قوله : { لَوِ استطعنا } : وجد وسائل للجهاد معهم ، من زاد وعدة وقوة في البدن وغير ذلك مما يستلزمه الجهاد في سبيل الله .

وقوله : { لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } ساد مسد جوابى القسم والشرط .

ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم بسبب كذبهم ونفاقهم فقال : { يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ والله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } .

أى . أن هؤلاء المتخلفين عن الجهاد يهلكون أنفسهم بسبب حلفهم الكاذب ، وجرأتهم على الله . تعالى .

فى اختلاق المعاذير الباطلة ، مع أنهز سبحانه . يعلم إنهم لكاذبون في أيمانهم ، وفيما انتحلوه من أعذار .

قال ابن جرير قوله : { والله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } في قولهم : { لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } ، لأنهم كانوا للخروج مطيقين ، بوجود السبيل إلى ذلك بالذى كان عندهم من الأموال ، مما يحتاج إليه الغازى في غزوه ، وصحة الأبدان ، وقوة الأجسام .

هذا ، ومن الإِحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ، أن الأيمان الكاذبة تؤدى إلى الخسران والهلاك : وفى الحديث الشريف : " اليمين الغموس تدع الديار بلاقع " .