معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (56)

قوله عز وجل :{ إنك لا تهدي من أحببت } أي : أحببت هدايته . وقيل : أحببته لقرابته ، { ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } . قال مجاهد ، ومقاتل : لمن قدر له الهدى ، ونزلت في أبي طالب ؛ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : قل لا إله إلا الله ، أشهد لك بها يوم القيامة . قال : لولا أن تعيرني قريش ، يقولون : إنما حمله على ذلك الجزع ، لأقررت بها عينك " . فأنزل الله تعالى هذه الآية .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (56)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلََكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إنّكَ يا محمد لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ هدايته ؛ وَلَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ أن يهديه من خلقه ؛ بتوفيقه للإيمان به وبرسوله . ولو قيل : معناه : إنك لا تهدي من أحببته لقرابته منك ، ولكن الله يهدي من يشاء ؛ كان مذهبا . وَهُوَ أعْلَمُ بالمُهْتَدِينَ : يقول جلّ ثناؤه : والله أعلم من سبق له في علمه أنه يهتدي للرشاد . ذلك الذي يهديه الله فيسدّده ويوفّقه .

وذُكر أن هذه الاَية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل امتناع أبي طالب عمه من إجابته ، إذ دعاه إلى الإيمان بالله ، إلى ما دعاه إليه من ذلك .

ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أبو كريب والحسين بن علي الصّدائي ، قالا : حدثنا الوليد بن القاسم ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه عند الموت : «قُلْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ أشْهَدْ لَكَ بِها يَوْمَ القِيامَةِ » . قال : لولا أن تعيّرني قريش لأقررت عينك ؛ فأنزل الله : إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ . . . الاَية .

حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن يزيد بن كيسان ، قال : ثني أبو حازم الأشجعي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه : «قُلْ لا إله إلاّ اللّهُ » ثم ذكر مثله .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن يزيد بن كيسان سمع أبا حازم الأشجعي يذكر عن أبي هريرة قال : لما حضرتْ وفاة أبي طالب ، أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا عَمّاهُ ؛ قُلْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » فذكر مثله ؛ إلاّ أنه قال : لولا أن تعيرني قريش ، يقولون : ما حمله عليه إلاّ جزع الموت .

حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا محمد بن عبيد ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم . . . فذكر نحو حديث أبي كُرَيب الصدائي .

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثني عمي عبد الله بن وهب ، قال : ثني يونس ، عن الزهري قال : ثني سعيد بن المسيب ، عن أبيه ، قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أُمّية بن المُغيرة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا عَمّ ؛ قلْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ كَلِمَةً أشْهَدُ لَكَ بِها عِنْدَ اللّهِ » . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أُمَيّة : يا أبا طالب ؛ أترغب عن ملّة عبد المطّلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول : لا إله إلاّ الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما وَاللّهِ لأَسْتَغْفرَنّ لَكَ ما لَمْ أُنْهَ عَنْكَ » ؛ فأنزل الله : ما كانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفرُوا للْمُشْرِكينَ وَلَوْ كانُوا أُولي قُرْبَى ، وأنزل الله في أبي طالب ؛ فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنّك لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ وَلَكِنّ اللّهَ يَهْدِي . . . الاَية .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه ، بنحوه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن أبي سعيد بن رافع ، قال : قلت لابن عمر : إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ نزلت في أبي طالب ؟ قال : نعم .

حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : قوله إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ قال : قول محمد لأبي طالب : «قُلْ كَلِمةَ الإخْلاصِ أُجادِلُ عَنْكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ » . قال محمد بن عمرو في حديثه : قال : يا ابن أخي ؛ ملة الأشياخ-أو سنة الأشياخ- وقال الحارث في حديثه : قال : يا ابن أخي ؛ ملة الأشياخ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ . قال : قال محمد لأبي طالب : «اشْهَدْ بكَلمَةِ الإخْلاصِ أُجادِلْ عَنْكَ بِها يَوْمَ القِيامَةِ » . قال : أي ابن أخي ؛ ملة الأشياخ . فأنزل الله : إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ . قال : نزلت هذه الاَية في أبي طالب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ : ذُكر لنا أنها نزلت في أبي طالب . قال الأصم : عند موته يقول لا إله إلاّ الله لكيما تحلّ له بها الشفاعة فأبى عليه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر : لما حضر أبا طالب الموت قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : «يا عَمّاهُ ؛ قُلْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ أشْهَدُ لَكَ بِها يَوْمَ القِيامَةِ » ؛ فقال له : يا ابن أخي ؛ إنه لولا أن يكون عليك عار لم أبال أن أفعل . فقال له ذلك مرارا . فلما مات اشتدّ ذلك على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : ما تنفع قرابة أبي طالب منك ؛ فقال : « بَلى ؛ والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّه السّاعَةَ لَفِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النّارِ عَلَيْهِ نَعْلان مِنْ نارٍ تَغْلِي مِنْهُما أُمّ رأسه . وما مِنْ أهْلِ النّارِ مِنْ إنْسانٍ هُوَ أهْوَنُ عَذَابا مِنْهُ ؛ وَهُوَ الّذِي أنْزَلَ اللّهُ فِيهِ : إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ ، وَلَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ، وَهُوَ أعْلَمُ بالمُهْتَدِينَ » .

وقوله : وَهُوَ أعْلَمُ بالمُهْتَدِينَ . يقول : وهو أعلم بمن قضى له الهدى . كالذي حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَهُوَ أعْلَمُ بالمُهْتَدِينَ : قال : بمن قدّر له الهدى والضلالة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (56)

{ إنك لا تهدي من أحببت } لا تقدر على أن تدخلهم في الإسلام . { ولكن الله يهدي من يشاء } فيدخله في الإسلام . { وهو أعلم بالمهتدين } بالمستعدين لذلك .

والجمهور على أنها نزلت في أبي طالب ؛ فإنه لما احتضر جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا عم ؛ قل لا إله إلا الله ؛ كلمة أحاج لك بها عند الله . قال : يا ابن أخي ؛ قد علمت إنك لصادق ؛ ولكن أكره أن يقال خرع عند الموت .