الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (56)

أخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عماه ؛ قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله يوم القيامة . فقال : لولا أن تعيرني قريش- يقولون : ما حمله عليها إلا جزعه من الموت- لأقررت بها عينك " . فأنزل الله عليك { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن ابن المسيب نحوه ، وتقدم في سورة براءة .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إنك لا تهدي من أحببت } قال : نزلت هذه الآية في أبي طالب .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود في القدر والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد بن رافع قال : قلت لابن عمر { إنك لا تهدي من أحببت } أفي أبي طالب نزلت ؟ قال : نعم .

وأخرج ابن عساكر عن أبي سعيد بن رافع قال : سألت ابن عمر رضي الله عنهما { إنك لا تهدي من أحببت } أفي أبي جهل وأبي طالب ؟ قال : نعم .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إنك لا تهدي من أحببت } قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب : قل كلمة الإخلاص أجادل عنك بها يوم القيامة . قال : يا ابن أخي ؛ ملة الأشياخ . { وهو أعلم بالمهتدين } قال : ممن قدر الهدى والضلالة » .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { إنك لا تهدي من أحببت } قال : « ذكر لنا أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : التمس منه عند موته أن يقول لا إله إلا الله كيما تحل له الشفاعة ؛ فأبى عليه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { إنك لا تهدي من أحببت } يعني أبا طالب { ولكن الله يهدي من يشاء } قال : العباس .

وأخرج أبو سهل السري بن سهل الجنديسابوري في الخامس من حديثه من طريق عبد القدوس عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } قال : نزلت في أبي طالب ؛ ألح عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلم فأبى ؛ فأنزل الله { إنك لا تهدي من أحببت } أي لا تقدر تلزمه الهدى وهو كاره له ؛ إنما أنت نذير . { ولكن الله يهدي من يشاء } للإيمان .

وأخرج أيضاً من طريق عبد القدوس عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله { إنك لا تهدي من أحببت } قال : نزلت في أبي طالب عند موته ؛ والنبي صلى الله عليه وسلم عند رأسه وهو يقول : يا عم ؛ قل لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة . قال أبو طالب : لا يعيرني نساء قريش بعدي إني جزعت عند موتي ، فأنزل الله { إنك لا تهدي من أحببت } يعني لا تقدر أن تلزمه الهدى وهو يهوى الشرك ، ولا تقدر تدخله الإِسلام كرهاً حتى يهواه . { ولكن الله يهدي من يشاء } أن يقهره على الهدى كرهاً لفعل ، وليس بفاعل حتى يكون ذلك منه . فأخبر الله بقدرته ؛ وهو كقوله { لعلك باخع نفسك أَلاَّ يكونوا مؤمنين ، إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } [ الشعراء : 3 ] ؛ فأخبر بقدرته أنه لا يعجزه شيء .

وأخرج العقيلي وابن عدي وابن مردويه والديلمي وابن عساكر وابن النجار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بعثت داعياً ومبلغاً وليس إلي من الهدى شيء ، وخلق إبليس مزيناً ومبلغاً وليس إليه من الضلالة شيء » .