اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (56)

قوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } أي : أحببت هدايته ، وقيل : أحببته لقرابته . قال المفسرون : «نزلت في أبي طالب قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - قل : لا إلَه إلاَّ الله أشهد لك بها يوم القيامة . قال : لولا أن تعيِّرني قريش- تقول : إنما حمله على ذلك الجزع- لأقررت بها عينيك » ، فأنزل الله هذه الآية{[40565]} .

فصل :

قال في هذه الآية : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ } ، وقال في آية أخرى { وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] . ولا تنافي فإن الذي أثبته وأضافه إليه الدعوة ، والذي نفاه عنه هداية التوفيق وشرح الصدور ؛ وهو نور يقذف في القلب فيحيى به القلب ؛ كما قال{[40566]} سبحانه { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي الناس }{[40567]} [ الأنعام : 122 ] .

فصل :

احتج أهل السنة بهذه الآية في مسألة الهدى والضلال ؛ فقالوا : قوله : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ } يقتضي أن تكون الهداية في الموضعين بمعنى واحد ؛ لأنه لو كان المراد من الهداية في قوله { إنَّكَ لاَ تَهْدِي } شيئاً ، وفي قوله : { ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ } شيئاً آخر لاختلّ النظم . ثم إما أن يكون المراد من الهداية بيان الأدلة والدعوة إلى الجنة ، أو تعريف طريق الجنة ، أو خلق المعرفة على سبيل الإلجاء ، ( أو خلق المعرفة في القلوب لا على سبيل الإلجاء ){[40568]} . لا جائز أن يكون المراد ( بيان الأدلة ، لأنه عليه السلام هدى الكل بهذا المعنى فهي غير ){[40569]} الهداية التي نفى الله عمومها ، وكذا القول في الهداية بمعنى الدعوة إلى الجنة ، وأما الهداية بمعنى تعريف الجنة فهي أيضاً غير مرادة ؛ لأنه تعالى علَّق هذه الهداية على المشيئة . فمن وجب عليه أداء عشرة دنانير لا يقول أعطي عشرة دنانير إن شئت . وأما الهداية بمعنى الإلجاء والقسر فغير جائز ؛ لأن ذلك عندهم قبيح من الله تعالى في حق المكلف . وفعل القبيح مستلزم{[40570]} للجهل أو الحاجة وهما محالان ، ومستلزم{[40571]} المحال محال . فذلك محال من الله والمحال لا يجوز تعليقه على المشيئة . ولما بطلت الأقسام لم يبق إلاَّ أن المراد أنه تعالى يخصُّ البعض بخلق الهداية والمعرفة ويمنع البعض منها { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ } [ الأنبياء : 3 ] . وإذا أورد الكلام{[40572]} على هذا الوجه سقط ما أورده{[40573]} القاضي عذراً عن ذلك{[40574]} .

قوله : { وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين } أي أنه المختص بعلم الغيب فيعلم من{[40575]} يهتدي ومن لا يهتدي ،


[40565]:أخرجه البخاري (جنائز) 1/235، مسلم (إيمان) 1/55، أحمد 3/434، 5441 وانظر أسباب النزول للواحدي (251-252).
[40566]:في ب: قاله.
[40567]:انظر الفخر الرازي 25/3.
[40568]:ما بين القوسين سقط من ب.
[40569]:ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
[40570]:في الأصل: ملتزم.
[40571]:في الأصل: وملتزم.
[40572]:في ب: هذا الكلام.
[40573]:في ب: ما أورد.
[40574]:انظر الفخر الرازي 25/3-4.
[40575]:في ب: بمن.