قوله تعالى : { وما كان لنبي أن يغل } . الآية ، قال عكرمة ومقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما إن هذه الآية نزلت في قطيفة حمراء ، فقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الكلبي ومقاتل : نزلت في غنائم أحد ، حين ترك الرماة المركز للغنيمة ، وقالوا : نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئاً فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر ، فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري ؟ قالوا : تركنا بقية إخواننا وقوفاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل ظننتم أنا نغل ولا نقسم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال قتادة : ذكر لنا أنها نزلت في طائفة غلت من أصحابه . وقيل إن الأقوياء ألحوا عليه يسألونه من المغنم ، فأنزل لله تعالى ( وما كان لنبي أن يغل ) فيعطي قوماً ويمنع آخرين بل عليه أن يقسم بينهم بالسوية ، وقال محمد بن إسحاق هذا في الوحي ، يقول : ما كان لنبي أن يكتم شيئاً من الوحي رغبة أو رهبة أو مداهنة . قوله تعالى ( وما كان لنبي أن يغل ) ، وقرأ ابن كثير وأهل البصرة وعاصم ( يغل ) بفتح الياء وضم العين ، معناه : أن يخون والمراد منه الأمة ، وقيل : اللام فيه منقولة ، معناه : ما كان النبي ليغل ، وقيل معناه : ما كان يظن به ذلك ولا يليق به ، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الغين ، وله وجهان : أحدهما ، أن يكون من الغلول أيضاً أي ما كان لنبي أن يخان ، يعني أن تخونه أمته ، والوجه الآخر أن يكون من الإغلال ، معناه ما كان لنبي أن يغل ، أن يخون ، أي ينسب إلى الخيانة .
قوله تعالى : { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } . قال الكلبي : يمثل له ذلك الشيء في النار ثم يقال له : انزل فخذه فينزل فيحمله على ظهره فإذا بلغ موضعه وقع في النار ، ثم يكلف أن ينزل إليه فيخرجه ففعل ذلك به . أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهباً ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع ، قال : فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى ، وكان رفاعة بن زيد وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبداً أسود يقال له مدعم ، قال : فخرجنا حتى إذا كنا بوادي القرى فبينما مدعم يحط رحلا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر فجأة فأصابه فقتله ، فقال الناس : هنيئاً له الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم ، تشتعل ناراً ، فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شراك من نار أو شراكان من نار .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد أخبرنا إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى ابن حيان ، عن أبي عمرة الأنصاري ، عن زيد بن خالد الجهني ، قال : إن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلوا على صاحبكم ، فتغيرت وجوه الناس لذلك ، فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :إن صاحبكم قد غل في سبيل الله ، قال : ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين .
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب المروزي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي حميد الساعدي قال : استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال :هذا لكم وهذا أهدي لي ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال : ما بال العامل نبعثه على بعض أعمالنا فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي ؟ فهلا جلس في بيت أمه أو في بيت أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ فو الذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة لها تبعر ، ثم رفع يده حتى رأينا عفرة إبطيه ، ثم قال : اللهم هل بلغت ثلاثا .
وروى قيس بن أبي حازم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال : لا تصيبن شيئاً إلا بإذني فإنه غلول ، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة .
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه .
وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر أحرقوا متاع الغال وضربوه .
ثم نهى - سبحانه - عن الغلول ونزه النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال - تعالى - { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة } وقوله { يَغُلَّ } من الغلول وهو الأخذ من الغنيمة خفية قبل قسمتها . يقال : غل فلان شيئاً من المغنم يغل غلولا إذا أخذه خفية . ويقال : أغل الجازر أو السالخ إذا أبقى فى الجلد شيئا من اللحم على طريق الخفية .
وأصله من الغلل وهو دخول الماء فى خلل الشجر خفية . والغل : الحقد الكامن فى الصدر وسميت هذه الخيانة غلولا ، لأنها تجرى فى المال على خفاء من وجه لا يحل .
والمعنى : ما صح ولا استقام لنبى من الأنبياء أن يخون فى المغنم ، لأن الخيانة تتنافى مع مقام النبوة الذى هو أشرف المقامات { وَمَن يَغْلُلْ } أى ومن يرتكب شيئاً من ذلك ، { يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة } أى يأت بما غله يوم القيامة حاملا إياه ليكون فضيحة له يوم الحشر ، ليؤخذ بإثم غلوله وخيانته .
وقد روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه أبو داود والترمذى عن ابن عباس قال : " نزلت هذه الآية " { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } فى قطيفة حمراء فقدت يوم بدر . فقال بعض الناس : لعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها ، وأكثروا فى ذلك فأنزل الله الآية " .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أيضاً أن المنافقين اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشىء فُقِد ، فأنزل الله - تعالى - { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } .
قال ابن كثير - بعد أن ساق هاتين الروايتين - وهذا تنزيه له صلى الله عليه وسلم من جميع وجوه الخيانة فى أداء الأمانة وقسمة الغنيمة وغير ذلك .
وفى ورود هذه الآية الكريمة فى سياق الحديث عن غزوة أحد ، حكمة عظيمة ، وتأديب من الله للمؤمنين ، وتحذير لهم من الغلول ، ذلك أن الرماة الذين تركوا أماكنهم مخالفين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دفعهم لذلك خشيتهم من أن ينفرد المقاتلون بالغنائم ، ففعلوا ما فعلوا ، ولقد روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرماة :
" أظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم " .
وقد نهى صلى الله عليه وسلم فى كثير من الأحاديث عن الغلول ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة قال : " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، ثم قال لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثنى ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، ولا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثنى فأقول : لا أملك من الله شيئاً قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول : يا رسول الله أغثنى فأقول : لا أملك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق - أى ثياب - فيقول يا رسول الله أغثنى فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجىء يوم القيام على رقبته صامت - أى ذهب وفضة - فيقول : يا رسول الله أغثنى فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك " .
هذا ، وجمهور العلماء على أن الغال يأتى بما غله يوم القيامة بعينه على سبيل الحقيقة لأن ظواهر النصوص من الكتاب والنسة تؤيد ذلك . ولأنه لا موجب لصرف الألفاظ عن ظواهرها .
ومن العلماء من جعل الإتيان بالغلول يوم القيامة مجاز عن الإتيان بإثمه تعبيراً بما غل عما لزمه من الإثم مجازا .
قال الفخر الرازى : " واعلم أن هذا التأويل - المجازى - يحتمل ، إلا أن الأصل المعتبر فى علم القرآن أنه يجب إجراء اللفظ على الحقيقة إلا إذا قام دليل يمنع منه . وهنا لا مانع من هذا الظاهر فوجب إثباته " .
ومن المفسرين الذين حمولا الإتيان على ظاهره الإمام القرطبى فقد قال عند تفسيره لقوله - تعالى - { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة } أى يأتى به حاملا له على ظهره ورقبته معذباً بحماه وثقله ومرعوباً بصوته ، وموبخاً بإظهار خيانته على رءوس الاشهاد .
وقال بعد إيراده للحديث السابق الذى رواه مسلم عن أبى هريرة : قيل الخبر محمول على شهرة الأمر . أى يأتى يوم القيامة قد شهر الله أمره كما يشهر لو حمل بعيراً له رغاء أو فرساً له حمحمة .
قلت : وهذا عدول عن الحقيقة إلى المجاز والتشبيه ، وإذا دار الكلام بين الحقيقة والمجاز فالحقيقة الأصل - كما فى كتب الأصول - وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بالحقيقة ولا عطر بعد عروس " .
ثم نبه - سبحانه - على العقوبة التى ستحل بالخائن ، بعد أن بين ما سيناله من فضيحة وخزى فقال : { ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } .
أى : ثم تعطى كل نفس يوم القيامة جزاء ما كسبت من خير أو شر وافيا تاماً ، وهم لا يظلمون شيئاً ، لأن الحاكم بينهم هو ربك الذى لا يظلم أحداً .
وهذه الجملة معطوفة على ما قبلها وقوله { وَمَن يَغْلُلْ } وجاء العطف بثم المفيدة للتراخى ، للإشعار بالتفاوت الشديد بين حمله ما غل وبين جزائه وسوء عاقبته يوم القيامة .
وقال - سبحانه - { ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ } . . . بصيغة العموم ، ولم يقل ثم يوفى الغال مثلا - لأن من فوائد ذكر هذا الجزاء بصيغة العموم ، الاعلام والإخبار للغال وغيره من جميع الكاسبين بأن كل إنسان سيجازى على عمله سواء أكان خيرا أو شراً . فيندرج الغال تحت هذا العموم أيضاً فكأنه قد ذكر مرتين .
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : فإن قلت : هلا قيل ثم يوفى ما كسب ليتصل به ؟ قلت : جىء بعام دخل تحته كل كاسب من الغال وغيره فاتصل به من حيث المعنى ، وهو أبلغ وأثبت ، لأنه إذا علم الغال أن كل كاسب خيراً أو شراً مجزى فموفى جزاءه ، علم أنه غير متخلص من بينهم مع عظم ما اكتسب .
ثم يعود إلى الحديث عن النبوة وخصائصها الخلقية ؛ ليمد من هذا المحور خيوطا في التوجيه للأمانة ، والنهي عن الغلول ، والتذكير بالحساب ، وتوفية النفوس دون إجحاف :
( وما كان لنبي أن يغل . ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة . ثم توفى كل نفس ما كسبت ، وهم لا يظلمون ) . .
ولقد كان من بين العوامل التي جعلت الرماة يزايلون مكانهم من الجبل ، خوفهم ألا يقسم لهم رسول الله [ ص ] من الغنائم ! كذلك كان بعض المنافقين قد تكلموا بأن بعض غنائم بدر من قبل قد اختفت ؛ ولم يستحوا أن يهمسوا باسمه [ ص ] في هذا المجال .
فهنا يأتي السياق بحكم عام ينفي عن الأنبياء عامة إمكان أن يغلوا . . أي أن يحتجزوا شيئا من الأموال والغنائم أو يقسموا لبعض الجند دون بعض ، أو يخونوا إجمالا في شيء :
ما كان له . فهو ليس من شأنه أصلا ولا من طبعه ولا من خلقه . فالنفي هنا نفي لإمكان وقوع الفعل . وليس نفيا لحله أو جوازه . فطبيعة النبي الأمينة العادلة العفيفة لا يتأتى أن يقع منها الغلول ابتداء . . وفي قراءة : " يغل " على بناء الفعل لغير الفاعل . أي لا يجوز أن يخان . ولا أن يخفي عنه أتباعه شيئا . . فيكون نهيا عن خيانة النبي في شيء . وهو يتمشى مع عجز الآية . وهي قراءة الحسن البصري .
ثم يهدد الذين يغلون ، ويخفون شيئا من المال العام أو من الغنائم ، ذلك التهديد المخيف :
( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة . ثم توفى كل نفس ما كسبت ، وهم لا يظلمون ) . .
روى الإمام أحمد . حدثنا سفيان عن الزهري ، سمع عروة يقول : حدثنا أبو حميد الساعدي قال : استعمل رسول الله [ ص ] رجلا من الأزد يقال له ابن اللتيبة . على الصدقة . فجاء فقال : هذا لكم وهذا أهدي إلي . فقام رسول الله [ ص ] على المنبر فقال : " ما بال العامل نبعثه على عمل فيقول : هذا لكم وهذا أهدي إلي . أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدي إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده ، لا يأتي أحدكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته ، وإن بعيرا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر " . . ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه . ثم قال : " اللهم هل بلغت ؟ " - ثلاثا - . . [ وأخرجه الشيخان ] وروى الإمام أحمد بإسناده ، عن أبي هريرة قال : قام فينا رسول الله [ ص ] يوما فذكر الغلول ، فعظمه وعظم أمره . ثم قال : " لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، فيقول : يا رسول الله أغثني . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت . فيقول : يا رسول الله أغثني . فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك " . . [ وأخرجه الشيخان من حديث أبي حيان ] . .
وروى الإمام أحمد - بإسناده - عن عدي بن عميرة الكندي . قال : قال رسول الله [ ص ] :
" يا أيها الناس . من عمل لنا منكم عملا ، فكتمنا منه مخيطا فما فوقه ، فهو غل يأتي به يوم القيامة " . . قال : فقام رجل من الأنصار أسود - قال مجاهد : هو سعد بن عبادة كأني أنظر إليه - فقال : يا رسول الله ، أقبل مني عملك . قال : " وما ذاك ؟ " قال : سمعتك تقول : كذاوكذا . قال : " وأنا أقول ذلك الآن . من استعملناه على عمل فليجيء بقليله وكثيره . فما أوتي منه أخذه ؛ وما نهي عنه انتهى " . . [ ورواه مسلم وأبو داود من طرق عن إسماعيل بن أبي رافع ] . .
وقد عملت هذه الآية القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة عملها في تربية الجماعة المسلمة ؛ حتى أتت بالعجب العجاب ؛ وحتى أنشأت مجموعة من الناس تتمثل فيهم الأمانة والورع والتحرج من الغلول في أية صورة من صوره ، كما لم تتمثل قط في مجموعة بشرية . وقد كان الرجل من أفناء الناس من المسلمين يقع في يده الثمين من الغنيمة ، لا يراه أحد ، فيأتي به إلى أميره ، لا تحدثه نفسه بشيء منه ، خشية أن ينطبق عليه النص القرآني المرهوب ، وخشية أن يلقى نبيه على الصورة المفزعة المخجلة التي حذره أن يلقاه عليها يوم القيامة ! فقد كان المسلم يعيش هذه الحقيقة فعلا . وكانت الآخرة في حسه واقعا ، وكان يرى صورته تلك أمام نبيه وأمام ربه ، فيتوقاها ويفزع أن يكون فيها . وكان هذا هو سر تقواه وخشيته وتحرجه . فالآخرة كانت حقيقة يعيشها ، لا وعدا بعيدا ! وكان على يقين لا يخالجه الشك من أن كل نفس ستوفى ما كسبت ، وهم لا يظلمون . .
روى ابن جرير الطبري في تاريخه قال : لما هبط المسلمون المدائن ، وجمعوا الأقباض ، أقبل رجل بحق معه ، فدفعه إلى صاحب الأقباض . فقال والذين معه : ما رأينا مثل هذا قط ، ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه . فقالوا : هل أخذت منه شيئا ؟ فقال : أما والله لولا الله ما آتيتكم به . فعرفوا أن للرجل شأنا . فقالوا : من أنت ؟ فقال : لا والله لا أخبركم لتحمدوني ، ولا غيركم ليقرظوني ! ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه . فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه ، فسأل عنه فإذا عامر بن عبد قيس . .
وقد حملت الغنائم إلى عمر - رضي الله عنه - بعد القادسية ، وفيها تاج كسرى وإيوانه لا يقومان بثمن . . فنظر - رضي الله عنه - إلى ما أداه الجند في غبطة وقال : " إن قوما أدوا هذا لأميرهم لأمناء " . .
وهكذا ربى الإسلام المسلمين تلك التربية العجيبة التي تكاد أخبارها تحسب في الأساطير .
وقوله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وغير واحد : ما ينبغي لنبي أن يخون .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا المسيَّب بن واضح ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن سفيان{[6018]} [ عن ]{[6019]} خصيف ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : فقدوا قطيفة يوم بدر فقالوا : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها . فأنزل الله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } أي : يخون .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا خصِيف ، حدثنا مِقْسَم حدثني ابن عباس أن هذه الآية : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } نزلت في قطيفة {[6020]}حمراء فُقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : أخذها{[6021]} قال فأكثروا في ذلك ، فأنزل الله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
وكذا رواه أبو داود ، رحمه الله ، والترمذي جميعا ، عن قتيبة ، عن عبد الواحد بن زياد ، به . وقال الترمذي : حسن غريب . ورواه بعضهم عن خَصِيف ، عن مِقْسَم - يعني مرسلا{[6022]} .
وروى ابن مَرْدُويه من طريق أبي عمرو بن العلاء ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : اتهم المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فُقِد ، فأنزل الله ، عز وجل : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ }
وقد وروي من غير وجه عن ابن عباس نحو ما تقدم . وهذا تبرئة له ، صلوات الله وسلامه عليه ، عن جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك .
وقال العوفي عن ابن عباس : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } أي : بأن يَقْسم لبعض السرايا ويترك بعضا{[6023]} وكذا قال الضحاك .
وقال محمد بن إسحاق : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } بأن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلغه أمته .
وقرأ الحسن البصري وطاوس ، ومجاهد ، والضحاك : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } بضم الياء أي : يخان .
وقال قتادة والربيع بن أنس : نزلت هذه الآية يوم بدر ، وقد غَلّ بعض أصحابه . رواه ابن جرير عنهما ، ثم حكى عن بعضهم أنه قرأ{[6024]} هذه القراءة بمعنى يُتَّهم بالخيانة .
ثم قال تعالى : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد . وقد وردت السنة بالنهي عن ذلك أيضا في أحاديث متعددة .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك ، حدثنا زهير - يعني ابن محمد - عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي مالك الأشجعي [ رضي الله عنه ]{[6025]} عن النبي صلى الله عليه وسلم{[6026]} أعْظَمُ الْغُلُولِ عِنْدَ اللهِ ذِراعٌ مِنَ الأرْضِ : تَجِدُونَ الرَّجُلَيْن جَارَيْن في الأرْضِ - أو فِي الدَّار - فَيَقْطَعُ أحَدُهُمَا مِنْ حَظِ صِاحِبِه ذِراعًا ، فَإذَا اقْتَطَعَهُ طُوِّقَهُ مِنْ سَبعِ{[6027]} أرضِينَ إلى يَوْمِ الْقِيَامة " {[6028]} .
[ " وفي الصحيحين عن سعيد بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ظلم قَيْد شبر من الأرض طُوِّقَه يوم القيامة من سبع أرضين " ]{[6029]} {[6030]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن ابن{[6031]} هُبَيْرة والحارث بن يزيد{[6032]} عن عبد الرحمن بن جبير . قال : سمعت المُسْتَوْرد بن شدّاد يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مَنْ وَلِيَ لَنَا عَمَلا وَلَيْسَ لَهُ مَنزلٌ فَلْيَتَّخِذْ مَنزلا أَوْ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ فَلْيَتَزَوَّجْ ، أَوْ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَتَّخِذْ خَادِمًا ، أَوْ لَيْسَت{[6033]} لَهُ دَابَّةٌ فَلْيَتَّخِذْ دَابَّةً ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ " {[6034]} .
هكذا رواه الإمام أحمد ، وقد رواه أبو داود بسند آخر وسياق آخر فقال :
حدثنا موسى بن مروان الرَّقِّي ، حدثنا المعافي ، حدثنا الأوزاعي ، عن الحارث بن يزيد{[6035]} عن جبير بن نُفَير ، عن المستورد بن شداد . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلا فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَنًا " . قال : قال أبو بكر : أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ ، أَوْ سَارِقٌ " {[6036]} .
قال شيخنا الحافظ المزّي [ رحمه الله ]{[6037]} رواه جعفر بن محمد الفرْيَابي ، عن موسى بن مروان فقال : عن عبد الرحمن بن جُبَير بدل جبير بن نفير ، وهو أشبه بالصواب .
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيب ، حدثنا حَفْص{[6038]} بن بشْر ، حدثنا{[6039]} يعقوب القُمّي{[6040]} حدثنا حفص بن حميد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى لله عليه وسلم " لا أعْرِفَنَّ أحَدَكُمْ يَأْتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْملُ شَاةً لَهَا ثُغَاءٌ ، فَيُنَادِي : يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ ، فَأقُولُ : لا أمْلِكُ [ لَكَ ]{[6041]} مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ بَلَّغْتُكَ . ولا أعْرِفَنَّ أحَدَكُمْ [ يأْتِي ]{[6042]} يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ جَمَلا لَهُ رُغَاءٌ ، فَيَقُولُ : يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ . فَأَقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِن اللهِ شَيْئًا ، قَدْ بَلَّغْتُكَ . ولا أعْرِفَنَّ أَحَدكمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ فَرَسًا لَهُ حَمْحَمَةٌ ، يُنَادِي : يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ . فَأَقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ
بَلَّغْتُكَ . وَلا أعْرِفَنَّ أحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ [ قَشْعًا ]{[6043]} من أدْمٍ ، يُنَادِي : يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ . فأقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ بَلَّغْتُكَ " .
لم يروه أحدٌ من أهل{[6044]} الكتب الستة{[6045]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، سمع عُرْوَة يقول : أخبرنا أبو حميد الساعدي قال : استعمل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلا من الأزْد يقال له : ابن اللُّتْبِيَّة على الصدقة ، فجاء فقال : هذا لكم وهذا أهدي لي . فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال : " مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَجِيءُ فَيَقُولُ : هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي . أَفَلا جَلَسَ{[6046]} فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لا ؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ " ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ " ثَلاثًا .
وزاد هشَام بن عُرْوَة : فقال{[6047]} أبو حميد : بَصَرُ عيني ، وسمع أذني ، وسلوا{[6048]} زيد بن ثابت .
أخرجاه من حديث سفيان بن عيينة{[6049]} وعند البخاري : وسلوا زيد بن ثابت . ومن غير وجه عن الزهري ، ومن طريق{[6050]} عن هشام بن عروة ، كلاهما عن عروة ، به .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا إسماعيل بن عَيَّاش ، عن يحيى بن سعيد ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي حُمَيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هَدَايا الْعُمَّالِ غُلُولٌ " .
وهذا الحديث من أفراد أحمد{[6051]} وهو ضعيف الإسناد ، وكأنه مختصر من الذي قبله ، والله أعلم .
حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي في كتاب الأحكام ، حَدّثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا أبو أسامة ، عن داود بن يزيد الأوْدَي ، عن المغيرة بن شِبْل ، عن قيس بن أبي حازم ، عن معاذ بن جَبَل قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، فلما سرت أرسل في أثَري فَرُددتُ ، فقال : " أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إلَيْكَ ؟ لا تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِي فَإنَّهُ غُلُولٌ ، { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } لهذا دَعَوْتُكَ ، فَامْضِ لِعَمَلِكَ " .
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وفي الباب عن عَدِيّ بن عَميرة ، وبُرَيدة ، والمستورد بن شداد ، وأبي حُمَيد ، وابن عمر{[6052]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة ، حدثنا أبو حيان يحيى بن سعيد التّيْميّ ، عن أبي زُرْعَة بن عُمَر بن جرير ، عن أبي هريرة ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فذكر الغُلُول فعَظَّمه وعَظَّم أمره ، ثم قال : " لا أُلْفِيَنَّ أَحَدُكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي . فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ . لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي . فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ . لا أُلْفِيَنَّ أَحَدُكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدُكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي . فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ بَلَّغْتُكَ " .
أخرجاه من حديث أبي حَيَّان ، به{[6053]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، حدثني قيس ، عن عدِيّ بن عُميرَة الكندي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَأَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ عَمِلَ لَنَا [ مِنْكُمْ ]{[6054]} عملا{[6055]} فكَتَمَنَا مِنْهُ{[6056]} مِخْيَطا فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ غُلُّ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قال : فقال{[6057]} رجل من الأنصار أسود - قال مُجَالد : هو سعيد{[6058]} بن عبادة - كأني أنظر إليه ، فقال : يا رسول الله ، اقبل عني عملك . قال : " وَمَا{[6059]} ذَاك ؟ " قال : سمعتك تقول كذا وكذا . قال : " وَأَنا أقُولُ ذَاكَ{[6060]} الآن : مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئ بِقَليلِهِ وَكَثِيرِه ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَهُ . وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى " . وكذا رواه مسلم ، وأبو داود ، من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد ، به{[6061]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا أبو إسحاق الفَزَاري ، عن ابن جُرَيج ، حدثني منبوذ ، رجل من آل أبي رافع ، عن الفضل بن عبيد الله{[6062]} بن أبي رافع ، عن أبي رافع قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى العصر رُبَّما ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث معهم حتى ينحدر المغرب{[6063]} قال أبو رافع : فبينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مسرعًا إلى المغرب إذ مر بالبقيع فقال : " أُفٍّ لَكَ . . أُفٍّ لَكَ " مرتين ، فكبر{[6064]} في [ ذرعي ]{[6065]} وتأخرت وظننت أنه يريدني ، فقال : " مَا لَكَ ؟ امش " قال : قلتُ : أحدثت حدثا يا رسول الله ؟ قال : " وَمَا ذَاكَ ؟ " قلت : أفَّفْتَ بي{[6066]} قال : " لا وَلَكِنْ هَذَا قَبْرُ فُلانٍ ، بَعَثْتُهُ{[6067]} سَاعِيًا عَلَى آلِ فُلانٍ ، فَغَلَّ نَمِرَة فَدُرِعَ الآنَ مِثْلَهُ مِنْ نَارٍ " {[6068]} .
حديث آخر : قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن سالم الكوفي المفلوج - وكان بمكة - حدثنا عُبَيْدة بن الأسود ، عن القاسم بن الوليد ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجد ، عن عبادة بن الصامت ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم ، ثم يقول : " مَا لِيَ فِيهِ إلا مِثْلَ مَا لأحَدِكُمْ ، إيَّاكُمْ والْغُلُولَ ، فَإنَّ الْغُلُولَ خزْي عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أدُّوا الخَيْطَ والمِخْيَطَ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ ، وَجَاهِدُوا فِي سبيل الله الْقَرِيب {[6069]}والْبَعِيدَ ، في الْحَضَرِ والسَّفَرِ ، فإنَّ الجِهَادَ بَابٌ مِنْ أبْوَابِ الْجَنَّةِ ، إنَّهُ لَيُنْجِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهَمِّ والْغَمِّ ؛ وأقِيمُوا حُدُودَ اللهِ فِي الْقَرِيبِ والْبَعِيدِ ، وَلا تَأْخُذُكُمْ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائمٍ " . وقد روى ابنُ ماجة بَعْضَه عن المفلوج ، به{[6070]} .
حديث آخر : عن عَمْرو بن شُعَيب ، عن أبيه ، عن جدِّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رُدُّوا الْخِيَاط{[6071]} وَالْمِخْيَطَ ، فَإنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " {[6072]} .
حديث آخر : قال أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن مُطَرِّف ، عن أبي الجَهْم ، عن أبي مسعود الأنصاري قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعيًا ثم قال : " انْطَلِقْ - أَبَا مَسْعُودٍ - لا أُلْفِيَنَّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَجِيءُ عَلَى ظَهْرِكَ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ لَهُ رُغَاءٌ قَدْ غَلَلْتَهُ " . قال : إِذًا لا أَنْطَلِقُ . قال : إِذًا لا أُكْرِهُكَ " . تفرد به أبو داود{[6073]} .
حديث آخر : قال أبو بكر بن مَرْدُويَه : أنبأنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، أنبأنا عبد الحميد بن صالح أنبأنا أحمد بن أبان ، عن علقمة بن مَرْثَد ، عن ابن{[6074]} بُرَيدة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنَّ الْحَجَرَ لَيُرْمَى بِهِ [ فِي ]{[6075]} جَهَنَّمَ فَيَهْوِي سَبْعِينَ خَرَيِفًا مَا يَبْلُغُ قَعْرَهَا ، وَيُؤْتَى بِالْغُلُولِ فَيُقْذَفُ مَعَهُ " ، ثم يُقَالُ لَمَنْ غَلَّ ائْتِ بِهِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }{[6076]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم{[6077]} بن القاسم ، حدثنا عِكْرِمة بن عمار ، حدثني سماك الحَنفي أبو زُميل ، حدثني عبد الله بن عباس ، حدثني عُمَر بن الخطاب قال : لما كان يومُ خَيْبَر أقبل نَفَر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد ، وفلان شهيد . حتى أَتوْا على رجل فقالوا : فلان شهيد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كَلا إنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا - أو عَبَاءَةٍ " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَا ابْنَ الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ : إنَّه لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا الْمُؤْمِنُونَ " . قال : فخرجت فناديت : ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون .
من حديث عكرمة بن عمار به . وقال الترمذي : حسن صحيح{[6078]} .
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عُبَادة مُصَدقًا ، فقالَ : " إيَّاكَ يَا سَعْدُ أنْ تَجِيء يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ لَهُ رُغَاءٌ " قَالَ : لا آخذه ولا أجيء به . فأعفاه . ثم رواه من طريق عُبَيد الله{[6079]} عن نافع ، به ، نحوه{[6080]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، حدثنا صالح بن محمد بن زائدة ، عن سالم بن عبد الله ، أنه كان مع مَسْلَمة بن عبد الملك في أرض الروم ، فوُجِد في متاع رجل غُلُول . قال : فسأل سالمَ بْنَ عبد الله فقال : حدثني أبي عبدُ الله ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ وَجَدْتُمْ فِي مَتَاعِهِ غُلُولا فأحْرِقُوهُ " : قال : وأحسبه قال : واضربوه قال : فأخرج متاعَه في السوق ، فَوَجَد فيه مصحفا ، فسأل سالم : بعهُ وَتَصَدَّقْ بثمنه .
وهكذا رواه علي بن المديني ، وأبو داود ، والترمذي من حديث عبد العزيز بن محمد الأتَدْرَاوَرْدي{[6081]} - زاد أبو داود : وأبو إسحاق الفزاري - كلاهما عن أبي واقد الليثي الصغير صالح بن محمد بن زائدة ، به{[6082]} .
وقد قال علي بن المديني ، رحمه الله ، والبخاري وغيرهما : هذا حديث منكر من رواية أبي واقد هذا . وقال الدارقطني : الصحيح أنه من فتوى سالم فقط ، وقد ذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الإمام [ أحمد ]{[6083]} بن حنبل ، رحمه الله ، ومن تابعه من أصحابه ، وخالفه أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، والجمهور ، فقالوا : لا يحرق متاع الغالّ ، بل يعزر تعزير مثله . وقال البخاري : وقد امتنع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال ، ولم يحرق متاعه ، والله أعلم .
طريق أخرى عن عمر : قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث : أن موسى بن جُبَير حدثه : أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري حدثه : أن عبد الله بن أنيس حدثه : أنه تذاكر هو وعمر بن الخطاب يوما الصدقة فقال : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة : " مَنْ غَلَّ مِنْهَا بَعِيرًا أوْ شَاةً ، فإنَّهُ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ؟ قال عبد الله بن أنيس : بلى .
ورواه ابن ماجة ، عن عمرو بن سَوّاد ، عن عبد الله بن وهب ، به{[6084]} .
ورواه الأموي عن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : عقوبة الغال
أن يخرج رحله ويحرق على ما فيه .
ثم روي عن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن علي [ رضي الله عنه ]{[6085]} قال : الغال يجمع رحله فيحرق ويجلد دون حد [ المملوك ، ويحرم نصيبه ، وخالفه أبو حنيفة ومالك والشافعي والجمهور فقالوا : لا يحرق متاع الغال ، بل يعزر تعزير مثله ، وقد قال البخاري : وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال ولم يحرق متاعه ، والله أعلم ]{[6086]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن خُمَيْر{[6087]} بن مالك قال : أُمر بالمصاحف أن تُغَيَّرَ قال : فقال ابن مسعود : من استطاع منكم أن يَغُلَّ مصحفا{[6088]} فلْيغُلُّه ، فإنه من غَلَّ شيئا جاء به يوم القيامة ، ثم قال{[6089]} قرأت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة ، أفأترك ما أخذتُ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟{[6090]} .
وروى وَكِيع في تفسيره عن شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن إبراهيم ، قال : لما أمر بتحريق{[6091]} المصاحف قال عبد الله : يا أيها الناس ، غُلُّوا المصاحف ، فإنه من غَلّ يأت بما غَلّ يوم القيامة ، ونعم الغُل المصحف . يأتي به أحدكم يوم القيامة{[6092]} .
وقال [ أبو ]{[6093]} داود عن سَمُرَة بن جُنْدُب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة أمر بلالا فينادي في الناس ، فَيَجيئُون بغنائمهم يخمسه ويُقسمه ، فجاء رجل يوما بعد النداء بزمام من شعر فقال : يا رسول الله ، هذا كان مما{[6094]} أصبنا{[6095]} من الغنيمة . فقال : " أسَمِعْتَ بِلالا يُنَادِي ثلاثا ؟ " ، قال : نعم . قال : " فَمَا مَنَعَكَ أنْ تَجِيء بِه ؟ " فاعتذر إليه ، فقال : " كَلا أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَلَنْ أقْبَلَهُ مِنْكَ " {[6096]} .
{ وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته جماعة من قراء الحجاز والعراق : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } بمعنى : أن يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم من أموال أعدائهم . واحتجّ بعض قارئي هذه القراءة ، أن هذه الاَية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قطيفة فقدت من مغانم القوم يوم بدر ، فقال بعض من كان مع النبيّ صلى الله عليه وسلم : لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها . ورووا في ذلك روايات . فمنها ما :
حدثنا به محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا خصيف ، قال : حدثنا مقسم ، قال : ثني ابن عباس ، أن هذه الاَية : { وَما كانَ لِبَنِيّ أنْ يَغُلّ } نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر ، قال : فقال بعض الناس : أخذها ! قال : فأكثروا في ذلك ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ القِيامَةِ } .
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا خصيف ، قال : سألت سعيد بن جبير : كيف تقرأ هذه الاَية : { وَما ان لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } أو يُغَلّ ؟ قال : لا ، بل يَغُلّ ، فقد كان النبيّ واللّه يُغَلّ ويُقتل .
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس : { وَما كانَ لِنَبِيّ أن يَغُلّ } قال : كان ذلك في قطيفة حمراء فقدت في غزوة بدر ، فقال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فلعلّ النبيّ أخذها ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } قال سعيد : بل والله إن النبيّ لُيغلّ ويُقتل .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا خلاد ، عن زهير ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كانت قطيفة فقدت يوم بدر ، فقالوا : أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مالك بن إسماعيل ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا خصيف ، عن سعيد بن جبير وعكرمة ، في قوله : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } قالا : يَغُلّ ، قال : قال عكرمة أو غيره ، عن ابن عباس ، قال : كانت قطيفة فقدت يوم بدر ، فقالوا : أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأنزل الله هذه الاَية : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } .
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا قزعة بن سويد الباهلي ، عن حميد الأعرج ، عن سعيد بن جبير ، قال : نزلت هذه الاَية : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من الغنيمة .
حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن سليمان الأعمش ، قال : كان ابن مسعود يقرأ : { مَا كانَ لِنَبِيّ أنْ يُغَلّ } فقال ابن عباس : بلى ، ويُقتل . قال : فذكر ابن عباس أنه إنما كانت في قطيفة ، قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غلّها يوم بدر ، فأنزل الله : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } .
وقال آخرون ممن قرأ ذلك كذلك بفتح الياء وضمّ الغين : إنما نزلت هذه الاَية في طلائع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجههم في وجه ، ثم غنم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلم يقسم للطلائع ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الاَية على نبيه صلى الله عليه وسلم ، يعلمه فيها أن فعله الذي فعله خطأ ، وأن الواجب عليه في الحكم أن يقسم للطلائع مثل ما قسم لغيرهم ، ويعرّفه الواجب عليه من الحكم فيما أفاء الله عليه من الغنائم ، وأنه ليس له أن يخصّ بشيء منها أحدا ممن شهد الوقعة أو ممن كان ردءا لهم في غزوهم دون أحد . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ القيامَةِ } يقول : ما كان للنبيّ أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسم ، ولكن يقسم بالعدل ، ويأخذ فيه بأمر الله ، ويحكم فيه بما أنزل الله . يقول : ما كان الله ليجعل نبيا يغلّ من أصحابه ، فإذا فعل ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ، استنّوا به .
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، أنه كان يقرأ : { ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } قال : أن يعطي بعضا ، ويترك بعضا ، إذا أصاب مغنما .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع ، فغنم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلم يقسم للطلائع ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك : { ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } يقول : ما كان لنبيّ أن يقسم لطائفة من أصحابه ، ويترك طائفة ، ولكن يعدل ، ويأخذ في ذلك بأمر الله عزّ وجلّ ، ويحكم فيه بما أنزل الله .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } قال : ما كان له إذا أصاب مغنما أن يقسم لبعض أصحابه ويدع بعضا ، ولكن يقسم بينهم بالسوية .
وقال آخرون ممن قرأ ذلك بفتح الياء وضمّ الغين : إنما أنزل ذلك تعريفا للناس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، لا يكتم من وحي الله شيئا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ القيامَةِ ثُمّ تُوَفّى كُلّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } : أي ما كان لنبيّ أن يكتم الناس ما بعثه الله به إليهم عن رهبة من الناس ولا رغبة ، ومن يعمل ذلك يأت به يوم القيامة .
فتأويل قراءة من قرأ ذلك كذلك : ما ينبغي لنبيّ أن يكون غالاّ ، بمعنى : أنه ليس من أفعال الأنبياء خيانة أممهم . يقال منه : غلّ الرجل فهو يغلّ ، إذا خان ، غلولاً ، ويقال أيضا منه : أغلّ الرجل فهو يُغِلّ إغلالاً ، كما قال شريح : ليس على المستعير غير المغلّ ضمان ، يعني : غير الخائن¹ ويقال منه : أغلّ الجازر : إذا سرق من اللحم شيئا مع الجلد .
وبما قلنا في ذلك جاء تأويل أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } يقول : ما كان ينبغي له أن يخون ، فكما لا ينبغي له أن يخون فلا تخونوا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } قال : أن يخون .
وقرأ ذلك آخرون : «ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يُغَلّ » بضم الياء وفتح الغين ، وهي قراءة عُظْم قراء أهل المدينة والكوفة .
واختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ما كان لنبيّ أن يغله أصحابه . ثم أسقط الأصحاب ، فبقي الفعل غير مسمى فاعله¹ وتأويله : وما كان لنبيّ أن يخان . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عوف ، عن الحسن أنه كان يقرأ : «وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يُغَلّ » قال عوف : قال الحسن : أن يُخان .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : «وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يُغْلّ » يقول : وما كان لنبيّ أن يغله أصحابه الذين معه من المؤمنين ، ذكر لنا أن هذه الاَية نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وقد غلّ طوائف من أصحابه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : «وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يُغَلّ » قال : أن يغله أصحابه .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : «وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يُغَلّ » قال الربيع بن أنس ، يقول : ما كان لنبيّ أن يغله أصحابه الذين معه ، قال : ذكر لنا والله أعلم أن هذه الاَية أنزلت على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وقد غلّ طوائف من أصحابه .
وقال آخرون منهم : معنى ذلك : وما كان لنبيّ أن يتهم بالغلول فيخون ويسرق . وكأن متأوّلي ذلك كذلك وجهوا قوله : «وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يُغَلّ » إلى أنه مراد به يغلّل ، ثم خففت العين من يُفَعّل فصارت يفعل ، كما قرأ من قرأ قوله : «فإنّهُمْ لا يُكْذِبُونك » بتأوّل يُكَذّبُونك .
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي قراءة من قرأ : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } بمعنى : ما الغلول من صفات الأنبياء ، ولا يكون نبيا من غلّ . وإنما اخترنا ذلك ، لأن الله عزّ وجلّ أوعد عقيب قوله : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } أهل الغلول ، فقال : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ القِيامَةِ } . . . الاَية ، والتي بعدها ، فكان في وعيده عقيب ذلك أهل الغلول ، الدليل الواضح على أنه إنما نهى بذلك عن الغلول ، وأخبر عباده أن الغلول ليس من صفات أنبيائه بقوله : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } لأنه لو كان إنما نهى بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغلول ، لعقب ذلك بالوعيد على التهمة ، وسوء الظنّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا بالوعيد على الغلول ، وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول بيان بين ، أنه إنما عرف المؤمنين وغيرهم من عباده أن الغلول منتف من صفة الأنبياء وأخلاقهم ، لأن ذلك جرم عظيم ، والأنبياء لا تأتي مثله .
فإن قال قائل ممن قرأ ذلك كذلك : فأولى منه : وَما كان لنبيّ أن يخونه أصحابه إن ذلك كما ذكرت ، ولم يعقب الله قوله : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ } إلا بالوعيد على الغلول ، ولكنه إنما وجب الحكم بالصحة لقراءة من قرأ : «يُغَلّ » بضم الياء وفتح الغين ، لأن معنى ذلك : وما كان للنبيّ أن يغله أصحابه ، فيخونوه في الغنائم¹ قيل له : أفكان لهم أن يغلوا غير النبيّ صلى الله عليه وسلم فيخونوه ، حتى خصوا بالنهي عن خيانة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فإن قالوا : نعم ، خرجوا من قول أهل الإسلام ، لأن الله لم يبح خيانة أحد في قول أحد من أهل الإسلام قط .
وإن قال قائل : لم يكن ذلك لهم في نبيّ ولا غيره ؟ قيل : فما وجه خصوصهم إذا بالنهي عن خيانة النبيّ صلى الله عليه وسلم وغلوله وغلول بعض اليهود ، بمنزلة فيما حرّم الله على الغالّ من أموالهما ، وما يلزم المؤتمن من أداء الأمانة إليهما . وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن معنى ذلك هو ما قلنا من أن الله عزّ وجلّ نفى بذلك أن يكون الغلول والخيانة من صفات أنبيائه ، ناهيا بذلك عباده عن الغلول ، وآمرا لهم بالاستنان بمنهاج نبيهم ، كما قال ابن عباس في الرواية التي ذكرناها من رواية عطية ثم عقب تعالى ذكره نهيهم عن الغلول بالوعيد عليه ، فقال : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ القِيامَةِ } . . . الاَيتين معا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ القِيامَةِ } .
يعني بذلك تعالى ذكره : ومن يخن من غنائم المسلمين شيئا ، وفيئهم ، وغير ذلك ، يأت به يوم القيامة في المحشر . كما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن يحيى بن سعيد أبي حيان ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قام خطيبا ، فوعظ وذكر ، ثم قال : «ألا عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ على رَقَبَتِهِ شاةٌ لَهَا ثُغاءٌ ، يَقُولُ : يا رَسُولَ اللّهِ أغِثْنِي ، فَأقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئا ، قَدْ أبْلَغْتُكَ ألا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ على رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهَا حَمْحَمَةٌ ، يَقُولُ : يا رَسُولَ اللّهِ أغِثْنِي ، فَأقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئا قَدْ أبْلَغْتُكَ . ألا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ على رَقَبَتِهِ صَامِت ، فَيَقُولُ : يا رَسُولَ اللّهِ أغِثْنِي ، فَأقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئا قَدْ أبْلَغْتُكَ . ألا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ على رَقَبَتِهِ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ ، يَقُولُ : يا رَسُولَ اللّهِ أغِثْنِي فَأقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئا قَدْ أبْلَغْتُكَ ألا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ على رَقَبَتِهِ رِقاعٌ تَخْفِقُ ، يَقُولُ : يا رَسُولَ اللّهِ أغِثْنِي ، فَأقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئا قَدْ أبْلَغْتُكَ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن أبي حيان ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مثل هذا ، زاد فيه : «على رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغاءٌ ، لا أُلْفِيَنّ أحَدَكُمْ على رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِياحٌ » .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أبو حيان ، عن أبي زرعة ، عن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة ، قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا يوما ، فذكر الغلول ، فعظمه وعظم أمره ، فقال : «لا ظأُلْفَينّ أحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ على رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ له رُغاءٌ ، يَقُولُ : يا رَسُولَ اللّهِ أغِثْنِي » ثم ذكر نحو حديث أبي كريب ، عن عبد الرحمن .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا حفص بن بشر ، عن يعقوب القمي ، قال : حدثنا حفص بن حميد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا أعْرِفَنّ أحَدَكُمْ يَأتي يَوْمَ القِيامَةِ يَحْمِلَ شاةً لَهَا ثُغاءٌ ، يُنادِي : يا مُحَمّدُ يا مُحَمّدُ ! فَأقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا قَدْ بَلّغْتُكَ وَلا أعْرِفَنّ أحَدَكُمْ يَأتي يَوْمَ القِيامَةِ يَحْمِلُ جَمَلاً لَهُ رُغاءٌ ، يَقُولُ : يا مُحَمّدُ يا مُحَمّدُ ! فَأقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا قَدْ بَلّغْتُكَ وَلا أعْرِفَنّ أحَدَكُمْ يَأتي يَوْمَ القِيامَةِ يَحْمِلُ فَرَسا لَهُ حَمْحَمَةٌ ، يُنادِي : يا مُحَمّدُ يا مُحَمّدُ ! فَأقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا قَدْ بَلّغْتُكَ وَلا أعْرِفَنّ أحَدَكُمْ يَأتي يَوْمَ القِيامَةِ يَحْمِلُ قِشْعا مِنْ أدَمٍ يُناديٍ : يا مُحَمّدُ يا مُحَمّدُ ! فَأقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا قَدْ بَلّغْتُكَ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أسباط بن محمد ، قال : حدثنا أبو إسحاق الشيباني ، عن عبد الله بن ذكوان ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي حميد ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدّقا ، فجاء بسواد كثير ، قال : فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقبضه منه¹ فلما أتوه ، جعل يقول : هذا لي ، وهذا لكم¹ قال : فقالوا : من أين لك هذا ؟ قال : أهدي إليّ ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه بذلك ، فخرج فخطب ، فقال : «أيّها النّاسُ ، ما بالي أبْعَثُ قَوْما إلى الصّدَقَةِ ، فَيَجِيءُ أحَدُهُمْ بالسّوَادِ الكَثِيرِ ، فإذَا بَعَثْتُ مَنْ يَقْبِضُهُ قالَ : هَذَا لي ، وَهَذَا لَكُمْ ! فإنْ كانَ صَادِقا أفَلا أُهْدِيَ لَهُ وَهُوَ فِي بَيْتِ أبِيهِ ، أوْ فِي بَيْتِ أُمّهِ ؟ » ثُمّ قالَ : «أيّها النّاسُ ، مَنْ بَعَثْناهُ على عَمَلٍ فَغَلّ شَيْئا ، جاءَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ على عُنُقِهِ يَحِملُهُ ، فاتّقُوا اللّهَ أنْ يَأتي أحَدُكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ على عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغاءٌ ، أوْ بَقَرَةٌ تَخُورُ ، أوْ شاةٌ تَثْغُو » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو معاوية وابن نمير وعبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أبي حميد الساعدي ، قال : استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد ، يقال له ابن الأتبيّة على صدقات بني سليم¹ فلما جاء قال : هذا لكم ، وهذا هدية أهديت لي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أفَلاَ يَجْلِسُ أحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ فَتأْتِيهِ هَدِيّتُهُ ! » ثُم حَمِدَ اللّهَ وأثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمّ قالَ : «أمّا بَعْدُ فإنّي أسْتَعْمِلُ رِجالاً مِنْكُمْ على أُمُورٍ مِمّا وَلانّيِ اللّهُ ، فَيَقُولُ أحَدُهُمْ : هَذَا الّذِي لَكُمْ ، وَهَذَا هَدِيّةٌ أهْدِيَتْ إليّ أفَلاَ يَجْلِسُ فِي بَيْتِ أبِيهِ أوْ بَيْتِ أمّهِ فتأْتِيهَ هَدِيّتُهُ ! وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لا يَأْخُذُ أحَدُكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئا إلاّ جاءَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ يَحْمِلُهُ على عُنُقِهِ ، فَلا أعْرِفَنّ ما جاء رَجُلٌ يَحْمِلُ بَعِيرا لَهُ رُغاءٌ ، أوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أوْ شاةً تَثْغُو » . ثم رفع يده فقال : «ألا هَلْ بَلّغْتُ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحيم ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أبي حميد ، حدثه بمثل هذا الحديث ، قال : «أفَلا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أبِيكَ وأُمّكَ حتى تَأْتِيَكَ هَدِيّتُكَ ؟ » ثم رفع يده حتى إني لأنظر إلى بياض إبطيه ، ثم قال «اللّهُمّ هَلْ بَلّغْتُ » قال أبو حميد : بصر عيني ، وسمع أذني .
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثني عمي عبد اللهبن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحرث أن موسى بن جبير ، حدّثه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري ، حدّثه أن عبد الله بن أنيس حدّثه : أنه تذاكر هو وعمر يوما الصدقة ، فقال : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة : «مَنْ غَلّ منها بَعِيرا أو شَاةً فإنّه يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ » ؟ قال عبد الله بن أنيس : بلى .
حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عبادة مصدّقا ، فقال : «إياكَ يا سَعْدُ أنْ تَجِيء يَوْمَ القِيامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ لَهُ رُغاء ! » قال : لا آخذه ولا أجيء به فأعفاه .
حدثنا أحمد بن المغيرة الحمصي أبو حميد ، قال : حدثنا الربيع بن روح ، قال : حدثنا ابن عياش ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر بن حفص ، عن نافع مولى ابن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : أنه استعمل سعد بن عبادة ، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فسلم عليه ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إيّاكَ يا سَعْدُ أنْ تَجِيءَ يَوْمَ القِيامَةِ تَحْمِلُ على عُنُقِكَ بَعِيرا لَهُ رُغاءٌ ! » فقال سعد : فإن فعلتُ يا رسول الله إن ذلك لكائن ؟ قال : «نَعَمْ » ، قال سعد : قد علمت يا رسول الله أني أُسْأَلُ فأُعْطِي ، فأعفني ! فأعفاه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا زيد بن حبان ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن الحرث ، قال : ثني جدي عبيد بن أبي عبيد ، وكان أوّل مولود بالمدينة ، قال : استعملت على صدقة دَوْس ، فجاءني أبو هريرة في اليوم الذي خرجت فيه ، فسلم ، فخرجت إليه ، فسلمت عليه ، فقال : كيف أنت والبعير ؟ كيف أنت والبقر ؟ كيف أنت والغنم ؟ ثم قال : سمعت حِبّي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ أخَذَ بَعِيرا بغَيْرِ حَقّهِ جاءَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ لَهْ رُغاءٌ ، وَمَنْ أخَذَ بَقَرَةً بغَيْرِ حَقّها جاءَ بِها يَوْمَ القِيامَةِ لَهَا خُوَارٌ ، وَمَنْ أخَذَ شاةً بغَيْرِ حَقّها جاءَ بهَا يَوْمَ القِيامةِ على عُنُقِهِ لَهَا ثُغاءٌ فإيّاكَ والبَقَرَ فإنّها أحَدّ قُرُونا وأشَدّ أظْلافا ! » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، قال : ثني محمد ، عن عبد الرحمن بن الحرث ، عن جده عبيد بن أبي عبيد ، قال : استُعملت على صدقة دوس¹ فلما قضيت العمل قدمت ، فجاءني أبو هريرة فسلم عليّ ، فقال : أخبرني كيف أنت والإبل ؟ ثم ذكر نحو حديثه عن زيد ، إلا أنه قال : «جاء بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ على عُنُقِهِ لَهُ رُغاءٌ » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { وَما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ القِيامَةِ } قال قتادة : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ، إذا غنم مغنما ، بعث مناديا : «ألا لا يغلّنّ رجل مخيطا فما دونه ! ألا لا يغلنّ رجل بعيرا فيأتي به على ظَهْرِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ له رُغَاءٌ ! ألا لا يغلنّ رَجُلٌ فَرَسا ، فيأتي به على ظهره يوم القيامة له حمحمة ! » .
القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ تُوَفّى كُلّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : { ثُمّ تُوَفّى كُلّ نَفْسٍ } : ثم تعطى كل نفس جزاء ما كسبت بكسبها وافيا غير منقوص ما استحقه واستوجبه من ذلك : { وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } يقول : لا يفعل بهم إلا الذي ينبغي أن يفعل بهم من غير أن يعتدي عليهم ، فينقصوا عما استحقوه . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { ثُمّ تُوَفّي كُلّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } ثم يجزى بكسبه غير مظلوم ولا معتدى عليه .
{ وما كان لنبي أن يغل } وما صح لنبي أن يخون في الغنائم فإن النبوة تنافي الخيانة ، يقال غل شيئا من المغنم يغل غلولا وأغل إغلالا إذا أخذه في خفية والمراد منه : إما براءة الرسول صلى الله عليه وسلم عما اتهم به إذ روي أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض المنافقين لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ، أو ظن به الرماة يوم أحد حين تركوا المركز للغنيمة وقالوا نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئا فهو له ولا يقسم الغنائم . وإما المبالغة في النهي للرسول صلى الله عليه وسلم على ما روي أنه بعث طلائع ، فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم على من معه ولم يقسم للطلائع فنزلت . فيكون تسمية حرمان بعض المستحقين غلولا تغليظا ومبالغة ثانية . وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب { أن يغل } على البناء للمفعول والمعنى : وما صح له أن يوجد غالا أو أن ينسب إلى الغلول . { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة يأت بالذي غله يحمله على عنقه كما جاء في الحديث أو بما احتمل من وباله وإثمه . { ثم توفى كل نفس ما كسبت } يعني تعطي جزاء ما كسبت وافيا ، وكان اللائق بما قبله أن يقال ثم يوفى ما كسبت لكنه عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود والمبالغة فيه ، فإنه إذا كان كل كاسب مجزيا بعمله فالغال مع عظم جرمه بذلك أولى . { وهم لا يظلمون } فلا ينقص ثواب مطيعهم ولا يزاد في عقاب عاصيهم .
تقدم القول في صيغة : وما كان لكذا أن يكون كذا ، في قوله تعالى : { وما كان لنفس أن تموت } [ آل عمران : 145 ] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم «يغُل » بفتح الياء وضم الغين ، وبها قرأ ابن عباس وجماعة من العلماء ، وقرأ باقي السبعة «أن يُغَل » بضم الياء وفتح الغين ، وبها قرأ ابن مسعود وجماعة من العلماء ، واللفظة : بمعنى الخيانة في خفاء ، قال بعض اللغويين هي مأخوذة من الغلل وهو الماء الجاري في أصول الشجر والدوح ، قال أبو عمرو : تقول العرب : أغل الرجل يغل إغلالاً : إذا خان ، ولم يؤد الأمانة ، ومنه قول النمر بن تولب{[3670]} : [ الطويل ]
جزى اللَّهُ عنّي جَمْرَة َ ابْنَةَ نَوْفَلٍ . . . جزاءَ مُغِلًّ بالأمانةِ كاذبِ
وقال شريح : ليس على المستعير غير المغل ضمان ، قال أبو علي : وتقول من الغل الذي هو الضغن : غل يغِل بكسر الغين ، ويقولون في الغلول من الغنيمة ، غل يغُل بضم الغين ، والحجة لمن قرأ يغل أن ما جاء من هذا النحو في التنزيل أسند الفعل فيه إلى الفاعل على نحو { ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء }{[3671]} { وما كان ليأخذ أخاه في دين الملك }{[3672]} { وما كان لنفس أن تموت }{[3673]} { وما كان الله ليضل قوماً بعد أن هداهم }{[3674]} { وما كان الله ليطلعكم على الغيب }{[3675]} ولا يكاد يجيء : ما كان زيد ليضرب ، فيسند الفعل فيه إلى المفعول به ، وفي هذا الاحتجاج نظر ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «يغُل » بضم الغين ، فقيل له : إن ابن مسعود قرأ «يغَل » بفتح الغين ، فقال ابن عباس : بلى والله ويقتل ، واختلف المفسرون في السبب الذي أوجب أن ينفي الله تعالى عن النبي أن يكون غالاً على هذه القراءة - التي هي بفتح الياء وضم الغين ، فقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم : نزلت بسبب قطيفة حمراء فقدت من المغانم يوم بدر ، فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم : لعل رسول الله أخذها فنزلت الآية{[3676]} .
قال القاضي أبو محمد : قيل : كانت هذه المقالة من مؤمنين لم يظنوا أن في ذلك حرجاً ، وقيل كانت من منافقين ، وقد روي أن المفقود إنما كان سيفاً ، قال النقاش : ويقال : إنما نزلت لأن الرماة قالوا يوم أحد : الغنيمة الغنيمة أيها الناس ، إنما نخشى أن يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم : من أخذ شيئاً فهو له ، فلما ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، قال : خشيتم أن نغل{[3677]} ؟ ونزلت هذه الآية ، وقال الضحاك : بل السبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث طلائع في بعض غزواته ثم غنم قبل مجيئهم ، فقسم للناس ولم يقسم للطلائع ، فأنزل الله تعالى عليه عتاباً ، { وما كان لنبي أن يغل } أي يقسم لبعض ويترك بعضاً{[3678]} ، وروي نحو هذا القول عن ابن عباس ، ويتجه على هذا أن تكون الآية إعلاماً بعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسمه للغنائم ، ورداً على الأعراب الذين صاحوا به : اقسم علينا غنائمنا يا محمد ، وازدحموا حتى اضطروه إلى السمرة التي أخذت رداءه{[3679]} ، ونحا إليه الزجّاج ، وقال ابن إسحاق : الآية إنما نزلت إعلاماً بأن النبي عليه السلام لم يكتم شيئاً ما أمر بتبليغه .
قال القاضي : وكأن الآية على هذا في قصة - أحد - لما نزل عليه : { وشاورهم في الأمر } [ آل عمران : 159 ] إلى غير ذلك مما استحسنوه بعد إساءتهم من العفو عنهم ونحوه ، وبالجملة فهو تأويل ضعيف ، وكان يجب أن يكون «يُغِل » بضم الياء وكسر الغين ، لأنه من الإغلال في الأمانة ، وأما قراءة من قرأ «أن يُغَل » بضم الياء وفتح الغين ، فمعناها عند جمهور من أهل العلم : أن ليس لأحد أن يغله : أي يخونه في الغنيمة ، فالآية في معنى نهي الناس عن الغلول في المغانم والتوعد عليه ، وخص النبي بالذكر وإن كان ذلك محظوراً مع الأمراء لشنعة الحال مع النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن المعاصي تعظم مع حضرته لتعين توقيره ، والولاة هم عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فلهم حظهم من التوقير ، وقال بعض الناس : معنى «أن يغل » أن يوجد غالاً ، كما تقول : أحمدت الرجل وجدته محموداً ، فهذه القراءة على هذا التأويل ترجع إلى معنى «يغُل » بفتح الياء وضم الغين ، وقال أبو علي الفارس : معنى «يُغَل » بضم الياء وفتح الغين يقال له : غللت وينسب إلى ذلك ، كما تقول أسقيته ، إذا قلت : سقاك الله كما قال ذو الرمة : [ الطويل ]
وَأُسْقيهِ حتى كاد مِمّا أَبُثُّهُ . . . تُكَلِّمُني أحْجَارُه وَمَلاعِبُهْ{[3680]}
وهذا التأويل موقر للنبي عليه السلام ، ونحوه في الكلام : أكفرت الرجل إذا نسبته إلى الكفر ، وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا آكل سمناً حتى يحياً الناس من أول ما يحيون{[3681]} : أي يدخلون في الحيا{[3682]} وقوله تعالى : { ومن يغلل يأتِ بما غل يوم القيامة } وعيد لمن يغل من الغنيمة ، أو في زكاته ، فيجحدها ويمسكها ، فالفضيحة يوم القيامة بأن يأتي على رؤوس الأشهاد بالشيء الذي غل في الدنيا ، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : «ألا يخشى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، يقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك{[3683]} ، ثم ذكر ذلك عليه السلام في بقرة لها خوار وجمل له رغاء ، وفرس له حمحمة »
وروى نحو هذا الحديث ابن عباس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ، الحديث بطوله{[3684]} ، وروى نحوه أبو حميد الساعدي{[3685]} وعمر بن الخطاب وعبد الله بن أنيس{[3686]} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أدوا الخياط والمخيط »{[3687]} ، فقام رجل فجاء بشراك أو شراكين ، فقال رسول الله صلى الله عليه سلم :< شراك أو شراكان من نار>{[3688]} ، وقال في مدعم{[3689]} ، < إن الشملة التي غل من المغانم يوم خيبر لتشتعل عليه ناراً > .
قال القاضي : وهذه الفضيحة التي يوقع الله بالغالّ ، هي نظيرة الفضيحة التي توقع بالغادر ، في أن ينصب له لواء بغدرته حسب قوله عليه السلام{[3690]} ، وجعل الله هذه المعاقبات حسبما يعهده البشر ويفهمونه ، ألا ترى إلى قول الحادرة{[3691]} : [ الكامل ]
أسُمَيَّ وَيْحَكِ هَلْ سَمِعْتِ بِغَدْرَةٍ . . . رفع اللِّواء لَنَا بِهَا في الْمَجمَعِ
وكانت العرب ترفع للغادر لواء ، وكذلك يطاف بالجاني مع جنايته ، وقد تقدم القول في نظير ، { ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون }{[3692]} .