فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (161)

( وما كان لنبي ان يغل ) ما صح له ذلك لتنافي الغلول والنبوة ، وقال ابن عباس : ما كان له أن يتهمه أصحابه ، قال أبو عبيد الغلول من المغنم خاصة ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد ، ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة أغل يغل ومن الحقد غل يغل بالكسر ، ومن المغلول غل يغل بالضم .

يقال غل في المغنم غلولا أي خان بأن يأخذ لنفسه شيئا يستره على أصحابه ، فمعنى القراءة بالبناء للفاعل . ما صح لنبي ان يخون شيئا من المغنم فيأخذه لنفسه من غير اطلاع أصحابه ، وفيه تنزيه الأنبياء عن الغلول .

ومعناه على القراءة بالبناء للمفعول ما صح لنبي أن يغله أحد من أصحابه أي يخونه في الغنيمة ، وهو على هذه القراءة الأخرى نهي للناس عن الغلول في المغانم ، وإنما خص خيانة الأنبياء مع كون خيانة غيرهم من الأئمة والسلاطين والأمراء حراما لأن خيانة الأنبياء أشد ذنبا وأعظم وزرا .

( ومن يغلل يأت يوم بما غل ) أي يأت به حاملا له على ظهره ( يوم القيامة ) كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيفضحه بين الخلائق ، وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد يطلع عليها اهل المحشر ، وهي مجيئه يوم القيامة بما غل حاملا له قبل أن يحاسب عليه ويعاقب به .

( ثم توفى كل نفس ) جزاء ( ما كسبت ) وافيا من خير أو شر ، وهذه الآية تعم كل من كسب خيرا او شرا ، ويدخل تحتها الغالّ دخولا أوليا لكون السياق فيه ، فكأنه ذكر مرتين .

وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن جرير وابن ابي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فنزلت ( وهم لا يظلمون ) بل يعدل بينهم في الجزاء فيجازي كل على عمله ، وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما في ذم الغلول ووعيد الغال{[382]} .


[382]:زاد المسير 490.