البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (161)

الغلول : أخذ المال من الغنيمة في خفاء .

والفعل منه غلَّ يَغُلُّ بضم الغين .

والغل الضغن ، والفعل منه غلَّ يغِلُ بكسر الغين .

وقال أبو علي : تقول العرب : أغل الرجل إغلالاً ، خان في الأمانة .

قال النمر :

جزى الله عني جمرة بن نوفل *** جزاء مغل بالأمانة كاذب

وقال بعض النحويين : الغلول مأخوذ من الغلل وهو الماء الجاري في أصول الشجر والروح .

ويقال أيضاً في الغلول : أغل إغلالاً وأغلّ الحارز سرق شيئاً من اللحم مع الجلد .

ويقال : أغله وجده غالاً كقولك : أبخلته وجدته بخيلاً .

السخط مصدر سخط ، جاء على القياس .

ويقال فيه : السُخْطُ بضم السين وسكون الخاء .

ويقال : مات فلان في سخطة الملك أي في سخطة .

والسخط الكراهة المفرطة ، ويقابله الرضا .

والهمزة فيه للجعل أي : يجعلكم { وما كان لنبي أن يغلّ } قال ابن عباس ، وعكرمة ، وابن جبير : فقدت قطيفة حمراء من المغانم يوم بدر فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم : لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ، فنزلت ، وقائل ذلك مؤمن لم يظن في ذلك حرجاً .

وقيل : منافق ، وروي أن المفقود سيف .

وقال النقاش : قالت الرماة يوم أحد : الغنيمة الغنيمة ، أيها الناس إنّا نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئاً فهو له ، فلما ذكروا ذلك قال : « خشيتم أن نغل » فنزلت .

وروي نحوه عن الكلبي ومقاتل .

وقيل غير هذا من ذلك ما قال ابن إسحاق : إنما نزلت إعلاماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتم شيئاً مما أمر بتبليغه .

ومناسبة هذه الآية لما قبلها من حيث أنها تضمنت حكماً من أحكام الغنائم في الجهاد ، وهي من المعاصي المتوعد عليها بالنار كما جاء في قصة مدعم ، فحذرهم من ذلك .

وتقدم لنا الكلام في معنى ما كان لزيد أن يفعل .

وقرأ ابن عباس وابن كثير وأبو عمرو وعاصم أن يغلّ من غلّ مبنياً للفاعل ، والمعنى : أنه لا يمكن ذلك منه ، لأن الغلول معصية ، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من المعاصي ، فلا يمكن أن يقع في شيء منها .

وهذا النفي إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتوهم فيه ذلك ، ولا أن ينسب إليه شيء من ذلك .

وقرأ ابن مسعود وباقي السبعة : أن يُغَل بضم الياء وفتح الغين مبنياً للمفعول .

فقال الجمهور : هو من غل .

والمعنى : ليس لأحد أن يخونه في الغنيمة ، فهي نهي للناس عن الغلول في المغانم ، وخص النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر وإن كان ذلك حراماً مع غيره ، لأن المعصية بحضرة النبي أشنع لما يحب من تعظيمه وتوقيره ، كالمعصية بالمكان الشريف ، واليوم المعظم .

وقيل : هو من أغل رباعياً ، والمعنى : أنه يوجد غالاً كما تقول : أحمد الرجل وجد محموداً .

وقال أبو علي الفارسي : هو من أغل أي نسب إلى الغلول .

وقيل له : غللت كقولهم : أكفر الرجل ، نسب إلى الكفر .

{ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } ظاهر هذا أنه يأتي بعين ما غل ، ورد ذلك في صحيح البخاري ومسلم .

ففي الحديث ذكر الغلول وعظمه وعظم أمره ، ثم قال : « لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : ما أملك لك من الله شيئاً ، قد أبلغتك »

الحديث وكذلك ما جاء في حديث ابن اللتبية : « والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئاً إلا جاء به يحمله يوم القيامة على رقبته إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر » وروي عنه أيضاً وفرس له حمجة وفي حديث مدعم : « أن الشملة التي غلت من المغانم يوم حنين لتشتعل عليه ناراً ومجيئه بما غلّ فضيحة له على رؤوس الاشهاد يوم القيامة » وقال الكلبي بمثل له ذلك الشيء الذي غله في النار ، ثم يقال له : انزل فخذه ، فينزل فيحمله على ظهره فإذا بلغ صومعته وقع في النار ، ثم كلف أن ينزل إليه فيخرجه ، يفعل ذلك به .

وقيل : يأتي حاملاً إثْم ما غلَّ .

وقيل : يؤخذ من حسناته عوض ما غل .

وقد وردت أحاديث كثيرة في تعظيم الغلول والوعيد عليه .

{ ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } هذه جملة معطوفة على الجملة الشرطية لما ذكر من مسألة الغلول ، وما يجري لصاحبها يوم القيامة .

ذكر أن ذلك الجزاء ليس مختصاً بمن غلّ ، بل كل نفس توفى جزاء ما كسبت من غير ظلم ، فصار الغال مذكوراً مرتين : مرّة بخصوصه ، ومرّة باندراجه في هذا العام ليعلم أنه غير متخلص من تبعة ما غل ، ومن تبعة ما كسبت من غير الغلول .

وتقدّم تفسير هذه الجملة ، فأغنى عن إعادته هنا .

/خ163