تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (161)

الآية 161 وقوله تعالى : { وما كان لنبي أن يغل } فيه قراءتان{[4545]} بنصب الياء ونصب الغين ومن قرأ بنصب الياء فذلك يحتمل { وما كان لنبي أن يغل } أي لم يكن لنبي من الأنبياء غل قط وهو أحق ( ألا تتهموه لعلمكم ) {[4546]} به فكيف اتهمتم{[4547]} هذا بالغلول ؟ وقيل : إن ناسا من المنافقين خشوا ألا يقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة بينهم فطلبوا القسمة فنزلت هذه الآية وقيل : قالوا : اعدل يا محمد في القسمة فنزل هذا ويحتمل قوله { وما كان لنبي أن يغل } أي قد كنتم عرفتموه من قبل أن يرسل فما عرفتموه خان قط وغل فكيف يحتمل الخيانة بعدما أرسل ؟ هذا لا يحتمل .

ومن قرأ بالرفع فهو أيضا يحتمل وجهين : أي يتهم بالغلول في الغنيمة فهو يرجع إلى التأويل الأول ويحتمل قوله أن يغل أن يخاف في الغنيمة لا يجور ولا يحل أن يخاف النبي في الغنيمة فإنه يطلع على ذلك ، يطلع الله ورسوله على ما جاء في بعض الأخبار " أنه مر بقبر فقال إنه في{[4548]} عذاب قيل : بماذا يا رسول الله ؟ فقال : إنه كان أخذ من الغنيمة قدر درهمين أو نحوه " ( بنحوه الحاكم في المستدرك 2/127 ) ويحتمل خصوص الغنيمة بما يتناول{[4549]} الغال حله بما لا يعرف له صاحب كالمال الذي لا مالك له وربما يباح التناول{[4550]} منه للحاجة والأخذ بغير البدل بوجه لا يحتمل بتلك أكل الحل من ذلك .

وقوله تعالى : { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } أي يؤخذ به يوم القيامة وهكذا كل من أخذ من مال غيره بغير إذنه فإنه يؤخذ وقال بعض الناس : إنما خص الغنيمة بفضل وعيد لأن الغلول فيها يجحف بحق الفقراء وأهل الحاجة أو يضر . ذلك أضافه للخلق و سائر الأموال ليس كذا وقيل : غنما جاز الوعيد في هذا أنهم كانوا أهل نفاق يستحلون الغلول في الغنيمة والأخذ منها وهذا كان أشبه .

وعن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه قال ){[4551]} بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فغلوا رأس ذهب فنزلت الآية : { وما كان لنبي أن يغل } وعن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ) {[4552]} قال : ( فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال الناس : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها لنفسه فأنزل الله تعالى : { وما كان لنبي أن يغل } .


[4545]:قرأ بن كثير وأبو عمرو وعاصم {أن يغل} بفتح الياء وضم الغين وقرأ الباقون أن يغل بضم الياء وفتح الغين وانظر حجة القراءات.
[4546]:في الأصل و م: من لا يتهمون لعكم
[4547]:في الأ صل و م: اتهموه.
[4548]:من م: في الأصل: من
[4549]:من م في الأصل يتأول
[4550]:من م في الأصل التأول
[4552]:ساقطة من الأصل و م.